“الحراك الشعبي في غزة”.. الدوافع مختلفة والسيناريوهات غامضة

“الحراك الشعبي في غزة”.. الدوافع مختلفة والسيناريوهات غامضة

تنقسم وجهات النظر على الساحة الفلسطينية تجاه المظاهرات التي شهدتها مناطق متفرقة من قطاع غزة، خلال الأيام الماضية، احتجاجا على ما قالوا إنه “تردي الأوضاع المعيشية والغلاء”، وللمطالبة بتوفير فرص عمل للشباب ودعم الفقراء.

ويرى فريق من المحللين السياسيين أن التظاهرات نتيجة طبيعية للواقع الاقتصادي والاجتماعي، الذي يعيشه القطاع، وعدم وجود أفق لتحسين هذه الأوضاع؛ فيما يعتقد آخرون أن أطرافا أمنية تتبع للسلطة الفلسطينية وحركة “فتح” الخصم السياسي لحركة “حماس”، التي تحكم غزة، استغلوا الظروف الاقتصادية الصعبة لدفع الناس للضغط على “حماس”.

وتظاهر المئات من الفلسطينيين، خلال الأيام الماضية، بدءا من يوم الخميس، في مناطق متفرقة من قطاع غزة، بدعوة من حراك شعبي يحمل اسم “اسقاط الغلاء”، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والغلاء.

وذكرت مصادر محلية وفصائل فلسطينية ومؤسسات حقوقية أن “الأجهزة الأمنية في القطاع قمعت المسيرات بالقوة، واعتدت بالضرب على المشاركين فيها واعتقلت عددا منهم”.

ويوم الخميس الماضي، قال المتحدث باسم الشرطة في غزة (تديرها حركة حماس)، أيمن البطنيجي، إن “الشرطة تعاملت في منطقة دير البلح وسط القطاع، مع مجموعة من المواطنين عملوا على إغلاق طرق وإشعال إطارات سيارات”.

وأضاف البطنيجي، في بيان، أن “الشرطة قامت بإعادة الهدوء والنظام، كما تم توقيف بعض المخالفين”.

ويعاني سكان القطاع، والمقدر عددهم بأكثر من مليوني نسمة، أوضاعًا متردية للغاية، جراء حصار إسرائيلي وانقسام سياسي داخلي متواصل منذ عام 2006.

الأوضاع المتردية فجرت الحراك

يقول المحلل السياسي طلال عوكل، إن “المظاهرات الشعبية دافعها الوحيد هو الأوضاع الاجتماعية والمعيشية الصعبة في قطاع غزة”.

ويضيف عوكل: “مستويات الفقر والبطالة بالقطاع، وصلت إلى أرقام قياسية ولا يوجد أي أفق بتحسن هذه الأوضاع”.

وأضاف: “المسيرات الشعبية وإن كانت تأتي لصالح خصوم حركة حماس السياسيين إلا أن ذلك كان غير مقصود، ولا أعتقد أن لهذا الحراك الشعبي حسابات سياسية أو يحمل أجندة جهات أخرى”.

واعتبر أن تعامل الأجهزة الأمنية في غزة (تديرها حركة حماس) بـ”القوة” مع المسيرات “يقوم على حسابات خاطئة لأن استخدام الأساليب الخشنة، بالتعامل مع الناس، لا يمكن أن يؤدي إلى حلول بل يقود إلى مزيد من التدهور”.

وتوقّع المحلل السياسي أن يتصاعد الحراك الشعبي، في حال لم يتم التخفيف من الأعباء المعيشية والاقتصادية للناس بالقطاع.

ويعتقد عوكل، أن الحل يكمن في توقف الأجهزة الأمنية عن ملاحقة المتظاهرين وقمعهم، وأن تجلس الأطراف الوطنية مع بعضها لتبحث آليات واضحة وحقيقية لتحسين الظروف الاقتصادية في غزة، وبذل جهود لإنهاء حالة الانقسام القائمة.

المظاهرات قد تتسع

ويتفق المحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى إبراهيم، مع عوكل في أن دوافع الحراك الشعبي، “اقتصادية” وليست سياسية.

وقال إبراهيم: “هذا الحراك يأتي في سياق الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة بغزة ومواجهة الغلاء، وهي بداية لانفجار طالما حذرت منه الأمم المتحدة والأطراف الفلسطينية والدولية”.

وأضاف: “البطالة والفقر وغياب أي أفق بتحسن الأوضاع بعد 12 عاما من الحصار، يؤجج مشاعر الشباب ويدفعهم للمطالبة بحقوقهم”.

وأشار إلى أن المتظاهرين يعتقدون أن حركة “حماس” هي المسؤولة عن تحسين أوضاعهم، باعتبارها تحكم غزة، لذلك خرجوا لمطالبتها بحقوقهم وبتحسين ظروفهم الاقتصادية.

وحول مستقبل المسيرات، رأى أنه إذا لم يكن هناك حوار مجتمعي لتخطي الأزمة الراهنة وتحسين أوضاع غزة، وإذا استمرت الأجهزة الأمنية بالتعامل بقوة مع المتظاهرين، فإن “المسيرات سيتسع نطاقها ولن تتوقف عند هذا الحد”.

محاولة لإثارة الفوضى

من وجهة نظر أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي، وسام عفيفة، أن “المسيرات في قطاع غزة ترتبط بسببين الأول يتعلق بحالة الضغط والحصار الاقتصادي والظروف المتردية التي زادت صعوبة، إثر العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية برام الله خلال العامين الماضيين، مثل قطع رواتب الآلاف من موظفيها وإحالة مثلهم إلى التقاعد”.

وقال عفيفة، وهو مدير قناة الأقصى التابعة لحركة “حماس”، “هناك مجموعة من المتظاهرين متضررين بالفعل من الأوضاع المعيشية الصعبة، وخرجوا بالمسيرات ليسمعوا صوتهم للمسؤولين”.

والسبب الثاني لهذه المسيرات، وفق عفيفة، يرتبط بتحريك الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية، التي تديرها حركة “فتح”، الخصم السياسي لحركة “حماس”.

وأضاف أن تلك الأجهزة الأمنية تحرك مجموعات بغزة لإثارة الشارع وبث حالة من الفلتان من أجل الضغط على حركة “حماس” لتستسلم لشروط الرئيس محمود عباس، وحركة “فتح” المتعلقة بإقصاء الحركة من المشهد السياسي الفلسطيني.

وذكر عفيفة أن “حماس مهتمة بالحفاظ على الأمن بغزة، لذلك ستعمل على تقييم الحالة الراهنة؛ فإذا كانت المسيرات في إطار مطلب جماهيري فإن الحركة ستدعمها، ولكن إذا تحولت لوسيلة للفوضى فإن التعامل معها سيكون حاسما”.

ورأى عفيفة أنه “يمكن احتواء المشهد إذا نجحت تفاهمات التهدئة التي تجريها الفصائل الفلسطينية مع إسرائيل منذ أشهر، لأنها ستعمل على تحسين الأوضاع بغزة”.

لكنه قال: “إذا فشلت التهدئة فإن الحراك الشعبي لن يقتصر على المسيرات وسيتسع باتجاه الاحتلال”، في إشارة إلى تصاعد مسيرات “العودة” المتواصل منذ نهاية مارس/ آذار 2018 قرب حدود غزة، أو اندلاع تصعيد عسكري مع إسرائيل.

لن تستمر طويلا

الكاتب السياسي في عدد من الصحف المحلية، مصطفى الصواف، لا يصنف المسيرات على أنها “حراك شعبي سلمي”.

وقال الصواف: “المسيرات التي شهدتها غزة تحركها جهات تهدف إلى إحداث صراعات داخلية، لن يستفيد منها إلا عدد من أصحاب الحسابات الشخصية ويخدم في نهايته الاحتلال”.

وتابع: “المحركون لهذا الحراك يدفعون بالشباب للخروج وهم يعيشون بعيدا عنهم الأمر الذي يضع علامات استفهام مختلفة حول ذلك”.

وشدد على ضرورة أن يُعقد حوار مجتمعي، يتم خلاله دراسة هذا الحراك ومعرفة أسبابه ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة وتحميل كل طرف مسؤوليته تجاه ذلك.

وأضاف: “حركة فتح هي من تحرك المسيرات، لذلك لا اعتقد أنها ستستمر لفترة طويلة، لأن الحركة مفككة، وفيها تيارات مختلفة بعضها يرفض هذه المظاهرات”.

ومنذ عام 2007، يسود انقسام سياسي فلسطيني بين “فتح” و”حماس”، ولم تفلح العديد من الوساطات والاتفاقيات في إنهائه.

الأناضول