10 أيام هي المدة التي أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن أن البلاد تحتاجها لتعديل قانون حيازة الأسلحة، بما يضمن عدم تكرار الجريمة الإرهابية التي خلفت مقتل 50 مسلما داخل مسجدي مدينة كرايست تشيرتش، في حين أن الوضع لا يبدو ملحا بأميركا رغم أن الوضع أسوأ.
وعقب تصريحات رئيسة الوزراء تهافت كثيرون على شراء الأسلحة حتى في مدينة كرايست تشيرتش، لدرجة أن تقارير إعلامية تحدثت عن “حالة هلع” أصابت النيوزيلنديين الذين أقبلوا على شراء أسلحة للدفاع عن أنفسهم بعد شعورهم بالخوف إثر العملية الإرهابية غير المسبوقة.
وتشير الإحصائيات في نيوزيلندا إلى وجود نحو 1.2 مليون سلاح ناري يمتلكه مدنيون، مما يجعلها ضمن قائمة العشرين بلدا التي يمتلك فيها المدنيون أسلحة.
واعترف ديفد تيبل -وهو صاحب متجر “جن سيتي” لبيع الأسلحة النارية- بأنه باع أربع قطع أسلحة نارية إلى برينتون تارانت منفذ الهجوم الإرهابي، مشيرا إلى أنه اشترى أربع قطع أسلحة نارية وذخيرة من “جن سيتي” عبر الإنترنت، لكنه قال إنه اشترى السلاح نصف الآلي من مكان آخر.
وأضاف تيبل “لم نرصد أي شيء غير عادي بشأن حامل الترخيص”، مؤكدا أن متجره كان يعمل وفقا للقوانين الحالية، ولديه طرق للتحقق من أن العملاء لا يقومون بتخزين الأسلحة والذخيرة.
وتسلم القاتل (28 عاما) رخصته لاستخدام سلاح ناري في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وبدأ شراء الأسلحة خلال الشهر التالي.
شروط ترخيص
وقبل جريمة كرايست تشيرتش كانت نيوزيلندا تعتبر من البلدان التي نادرا ما تشهد حوادث قتل بالأسلحة.
وهي تسمح لمواطنيها بحمل أسلحة بعد حصولهم على تراخيص وفق إجراءات قانونية كثيرة يتم خلالها التأكد من شخصية طالب الترخيص، وعلاقته بالمخدرات والخمور، ومدى ارتباطه بشخصيات خطيرة أو مشبوهة، ثم بعد ذلك يخضع لتدريبات خاصة بالسلامة، وتفرض أيضا تجديد التراخيص كل عشر سنوات مثلما يخضع باعة الأسلحة لمراجعات دورية.
ويقول المتابعون إن من أكبر ثغرات تجارة السلاح في نيوزيلندا عدم اشتراط القانون تسجيل الأسلحة النارية، حيث يمكن الحصول على بندقية نصف آلية ذات طبيعة عسكرية هجومية دون تسجيلها، وذلك بعد تعبئتها بذخيرة ذات سعة تخزين أقل، بل يمكن استيراد أجزاء خاصة بالسلاح دون أن يكون صاحبه في حاجة لتسجيله.
وفي أغلب الحالات، توافق السلطات النيوزيلندية على طلبات الحصول على تراخيص أسلحة، وفي 2017 -على سبيل المثال- تقدم 43 ألفا و509 أشخاص للحصول على تراخيص حمل سلاح، فحصل 43 ألفا و321 عليها.
ويتوقع مراقبون أن تبادر السلطات النيوزيلندية إلى سد الثغرات المرتبطة بالحصول على أسلحة نصف آلية، وتشديد المراقبة على بيع الأسلحة، ومراجعة آليات منح تراخيص حمل السلاح.
صورة قاتمة
وإذا كان الأمر يبدو ملحا في الحالة النيوزيلندية بعد الجريمة الإرهابية فإن الوضع في الولايات المتحدة أكثر إلحاحا ومنذ عقود، لكن من دون أن يدفع ذلك الإدارات الأميركية المتعاقبة لمراجعة القانون بسبب نجاح لوبي السلاح الأميركي في فرض عدم اتخاذ أي إجراء قانوني ضد انتشار الأسلحة وسط المواطنين.
وقد أفادت دراسة صدرت في 2018 بأن الأميركيين -وهم يشكلون 4% من سكان العالم- يملكون 857 مليون قطعة سلاح، وهو ما يعادل 46% من قطع الأسلحة التي يملكها مدنيون حول العالم.
وكشفت الدراسة أنه بحلول نهاية 2017 أضحى هناك 120 قطعة سلاح لكل مئة مقيم في الولايات المتحدة.
ولقي الآلاف مصرعهم في حوادث إطلاق نار داخل مطاعم وملاهٍ ومدارس أميركية، وفي كل مرة تنطلق نقاشات بشأن ضرورة مراجعة قانون ترخيص الأسلحة، لكن دون جدوى.
ويحتج الأميركيون على الجمعية الأميركية الوطنية للبنادق باعتبار أنها الراعي الرسمي للأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة، مطالبين الكونغرس بسن تشريع بشأن تشديد السيطرة على الأسلحة.
وبعد مجزرة لاس فيغاس في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017 -التي قتل فيها نحو ستين شخصا وجرح المئات- تعالت أصوات نواب ديمقراطيين للمطالبة بالتحرك من أجل وضع تشريعات مقيدة لحمل السلاح، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إن الوقت ليس مناسبا لنقاش سياسي بشأن الضوابط الخاصة بحيازة السلاح.
ترامب والسلاح
ويعتبر ترامب من أبرز المدافعين عن حرية اقتناء السلاح، وسبق أن تعهد خلال حملته الانتخابية بالدفاع عن ذلك الحق “المقدس” لدى فئات من الأميركيين، ورفع القيود التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما على شراء الأسلحة.
كما أن ترامب ليس وحيدا، فهناك فريق قوي يعارض بشدة وضع أي تشريعات من شأنها تقييد حق امتلاك الأسلحة، ويقود هذا التيار قادة في الحزب الجمهوري المحافظ و”لوبي” شركات تصنيع الأسلحة أو ما تعرف بجماعات الضغط التي تتزعمها الجمعية الوطنية للأسلحة (أن آر أي)، وتطالب بنشر المزيد من الأسلحة للدفاع عن النفس، ولهذه الجمعية تأثير فعلي على المشرعين الأميركيين في الكونغرس.
ويحمي التعديل الثاني للدستور الأميركي الحق في حمل الأسلحة، ويدافع الناشطون المؤيدون للحق في حمل السلاح عن هذا البند بشدة.
وينص القانون الأميركي على أن عملية شراء سلاح بشكل قانوني تستلزم تحري مكتب التحقيقات الفدرالي عن بيانات سجل السوابق الجنائية للمشتري.
وأصدر الكونغرس قانونا وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1994 يحظر التصنيع والاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية (الأسلحة الهجومية) لمدة عشر سنوات، وتم تحديد 19 نوعا من الأسلحة النارية وتصنيف مختلف البنادق نصف الآلية والمسدسات والبنادق بأنها أسلحة هجومية، وانتهى ذلك الحظر في سبتمبر/أيلول 2004، وصدرت دعاوى تطالب بتجديد الحظر.
كما أن المحكمة العليا الأميركية أصدرت عامي 2008 و2010 قرارا تاريخيا أكدت فيه أن المادة الثانية في الدستور تحمي حق الفرد في امتلاك سلاح ناري من دون أن يكون شخصا عسكريا أو مرتبطا بالجيش.
المصدر : الجزيرة + وكالات