قبل أيام كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عما قال إنها شروطه لقبول خطة السلام الأمريكية، المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”. تصريحات نتنياهو بشأن تلك الشروط، بحسب محللين، تأتي في سياقين، الأول هو دعاية انتخابية، على أمل كسب مزيد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الثلاثاء.
أما السياق الثاني، فهو تأكيد على مواقف عبر عنها نتنياهو سابقا، بفرضه وقائع على الأرض للقضاء على حل الدولتين وعملية السلام، وربما تتطابق معها الخطة الأمريكية، التي ترفضها السلطة الفلسطينية.
وقبل تصريحات نتنياهو، كانت التحذيرات الفلسطينية من الخطة الأمريكية تقتصر على تغيير وضع القدس وإسقاط حق عودة اللاجئين.
3 شروط
نتنياهو قال في مقابلة نشرتها صحيفة “يسرائيل هيوم” الجمعة، إنه لم ينسق مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن “صفقة القرن”.
واستدرك: لكن أبلغت كلا من الرئيس ترامب، ومستشاره جاريد كوشنير، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، بـ”ثلاثة شروط أساسية”، لتصبح الخطة مقبولة لإسرائيل.
تلك الشروط، بحسب نتنياهو، هي: “لن يُقتلع مستوطن واحد من الضفة (الغربية المحتلة)، ومنطقة غرب نهر الأردن (تشمل كافة الضفة الغربية) ستبقى خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والقدس لن يتم تقسيمها”.
وأوضح أن التمسك ببقاء المستوطنين “يشمل المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية أيضا.. هم (المستوطنون) سيبقون هناك (الضفة الغربية) تحت السيادة الإسرائيلية”.
وقال نتنياهو: “عندما استعرضت تلك الأمور أمام جو بايدن نائب الرئيس (الأمريكي السابق باراك أوباما)، عندما زار إسرائيل، قال لي إن هذه ليست دولة (فلسطينية). قلت له: صف ذلك كما تشاء، هذه شروطي ولن أتراجع عنها. وقلت ذلك لترامب وكوشنير وغرينبلات”.
خلال المقابلة تطرق الصحافي الإسرائيلي إلى المناطق الفلسطينية المصنفة “ج”، وهي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية حسب اتفاق أوسلو، وتشمل أكثر من 60 في المئة من مساحة الضفة.
الصحافي سأل نتنياهو عن سبب عدم ضمه تك المناطق إلى إسرائيل، رغم تمسكه بالسيطرة على منطقة غرب نهر الأردن كلها، فأجاب: “أعدك بأنك ستتفاجأ”.
واستطرد: “لا يمكنني الحديث عن الخطة، لكن الرئيس ترامب صديق كبير، وأشك أن يأتي صديق أكبر منه في المستقبل”.
وتحمل تلك الإجابة تلميحا إلى احتمال اعتراف ترامب بسيادة إسرائيلية مزعومة على تلك المناطق، على غرار ما فعله مع كل من القدس بشطريها الشرقي والغربي، في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، ومرتفعات الجولان السورية، في 25 مارس/ آذار الماضي.
وعن سياسته تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة “حماس” في قطاع غزة، قال نتنياهو إنه يرفض عودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في غزة، وإسرائيل مستفيدة من الانقسام الفلسطيني.
ويسود انقسام بين حركتي “حماس” و”فتح”، بزعامة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، منذ أن سيطرت “حماس” على غزة، صيف 2007، ضمن خلافات ما زالت قائمة مع “فتح”.
رفض فلسطيني
الرئاسة الفلسطينية سارعت، الجمعة، إلى إدانة ورفض تصريحات نتنياهو، واصفة إياها بـ”غير المسؤولة”، بحسب الوكالة الفلسطينية الرسمية للأنباء “وفا”.
وقال المتحدث باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، إن “هذه التصريحات مرفوضة وغير مقبولة وتعبر عن الاستراتيجية الإسرائيلية الساعية إلى إدامة الانقسام، وتمهيدا لدويلة غزة، التي يتم فيها التنازل عن القدس ومقدساتها”.
أبو ردينة أضاف أن تلك التصريحات “تكشف عن الاستراتيجية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، والمدعومة بشكل أعمى من الإدارة الأمريكية، والهادفة إلى تقسيم فلسطين، ومن ثم تقسيم الوطن العربي”.
وأردف بقوله إنها تكشف عن “فصول جديدة لمؤامرة القرن، التي تهدد وحدة الأراضي الفلسطينية”.
توافق أمريكي إسرائيلي
د. نبيل الخطيب، محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بيرزيت بالضفة الغربية، قال إن “تصريحات نتنياهو تمثل امتدادا للمواقف المعروفة للحكومة الإسرائيلية”.
ورأى أنها “ليست بعيدة عما يرشح من معلومات عن خطة السلام الأمريكية، المسماة صفقة القرن، ولا أتوقع أن تكون المقترحات الأمريكية بعيدة كثيرا عن جوهر الموقف الإسرائيلي”.
وشدد على أن “هذا لا يجب أن يغير من الموقف الفلسطيني تجاه الإدارة الأمريكية وخطتها، يجب استمرار رفض مبدأ الوساطة الأمريكية، وبالتالي رفض التعاطي مع أية مقترحات أمريكية”.
وزاد بأن المقترحات الأمريكية “متقاطعة إلى حد بعيد مع الموقف الإسرائيلي، ومتناقضة إلى حد بعيد مع قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي الحاكمة للموقف الفلسطيني”.
وبخصوص إمكانية الصدام بين ترامب ونتنياهو، لمحاولة الأخير فرض أجندته على “صفقة القرن”، رأى الخطيب أن “لهجة تصريحات نتنياهو هي من وحي الانتخابات، فهو يريد أن يظهر نفسه بمن يفرض شروطه على الجانب الأمريكي”.
واستدرك: “لكن مستقبلا قد تأتي الخطة الأمريكية متطابقة مع الموقف الإسرائيلي، وقد تكون متباينة في تفاصيل محدودة”.
وتابع: “إذا كانت هناك عناصر في الخطة الأمريكية من الصعب على نتنياهو قبولها، فسيكون محرجا له رفضها؛ بسبب العلاقة الاستثنائية (الجيدة) بينه وبين ترامب”.
وشدد على أن مثل هذا الوضع “سيسبب لنتنياهو مشاكل مع شركائه في الائتلاف الحكومي اليميني، وهذا أحد أسباب تأخير طرح خطة ترامب، أي لتجنب إحراج الحليف نتنياهو”.
“الليكود” لا يريد السلام
اعتبر عماد أبو عواد، مدير “مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني في الضفة، أن “تصريحات نتنياهو تأتي في سياق التأكيد”.
وأضاف أبو عواد: “هو سيستفيد من التصريحات انتخابيا، لكنه بالفعل ينتهج هذه السياسة على الأرض منذ تسلمه مقاليد الحكم”.
وتابع: “فهو كما يصف نفسه يمين معتدل، لديه قناعة بالحلول السياسية، لكن وفق المقاس الإسرائيلي”.
وزاد بقوله إن “نتنياهو يرى أن شروطه عادية واستحقاق إسرائيلي، فلا يمكن اقتلاع المستوطنين ولا التخلي عن الضفة الغربية.. فسياسته قائمة وممنهجة أصلا، لكنه أراد التأكيد عليها أيضا لجلب مزيد من الأصوات لصالحه”.
وفيما يخص عملية السلام المجمدة منذ عام 2014، قال أبو عواد إن “حملة نتنياهو الانتخابية عام 2015 مثلا كانت تأكيدا على أنه لن يكون هناك سلام”.
وتابع: “في أحد المقاطع الدعائية وجهت إلى نتنياهو تحية “شالوم” (سلام بالعبرية)، فرد بأنه (دون أي شرط)، فالسلام ليس موجودا على أجندة الليكود (حزب نتنياهو)، بل القضاء على حلم الدولة الفلسطينية، لكن تدريجيا دون إبداء ذلك صراحة أمام الرأي العام العالمي”.
الأناضول