بعد وقت قصير من هزيمة حزبه الحاكم في أنقرة وإسطنبول في الانتخابات البلدية يوم الأحد الماضي، سارع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى لتعهد بإدخال إصلاحات من أجل إنعاش اقتصاد البلاد المتراجع.
وتعرض «حزب العدالة والتنمية» الحاكم لإحدى أسوأ انتكاساته بعد عقد ونصف في السلطة جراء ارتفاع تكاليف المعيشة والأزمة التي واجهتها الليرة عام 2018.
وفي غياب أي انتخابات مقررة حتى 2023، لا تزال لدى اردوغان مساحة للتركيز على الاقتصاد. لكن المحللين يشيرون إلى أن عليه إقناع المستثمرين الذين يبدون حذرا من سياساته غير التقليدية أحيانا، والقلقين من التداعيات المترتبة على التوترات مع الولايات المتحدة. وبينما يمكن أن تشهد الليرة التركية تقلبات، يشير محللون إلى أنه على حكومة اردوغان أن توازن أي مكاسب مؤقتة قد تحصل عليها، مع الحاجة إلى تطبيق إصلاحات أعمق من أجل تحقيق الاستقرار على الأمد البعيد.
وقال وزير المالية التركي براءت ألبيرق، صهر اردوغان، ان البلاد ستدخل في فترة «إعادة توازن اقتصادي» بعد الانتخابات. ويتوقع أن يكشف عن تفاصيل الإصلاحات الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يلتقي ألبيرق بمسؤولين من «صندوق النقد الدولي» و»البنك الدولي» في واشنطن بين 12 و14 أبريل/نيسان لـ»تسليط الضوء على خارطة طريق جديدة» لاقتصاد تركيا، حسب صحيفة «دايلي صباح».
وقالت أماندا سلوت، من معهد «بروكينغز» البحثي في واشنطن «في وقت شكل القلق بشأن الاقتصاد المتعثر محفزا لقرارات الكثير من الناخبين في صناديق الاقتراع، سيكون اردوغان مجبرا على التعاطي مع مشاكله الكامنة. لكنه يملك هامشا محدودا للمناورة».
وبنى حزب اردوغان نجاحه على النمو القوي الذي شهدته تركيا، ويشير أنصاره إلى التحسن الذي طرأ على مستوى المعيشة خلال عهد إردوغان الذي دخل السلطة منذ 16 عاما. لكن الناخبين عاقبوا الحزب جزئيا بسبب تأثر العائلات التركية العام الماضي بتراجع الليرة بنسبة 30 في المئة إثر أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن تركيا، التي كانت يوما تجذب المستثمرين من الأسواق الناشئة، خسرت بعضا من بريقها مع بروز مشاكل ناجمة عن استخدام القروض الأجنبية لدفع حركة النمو.
ودخل الاقتصاد التركي في مرحلة ركود لأول مرة منذ عقد، بينما ارتفع التضخم ليسجل معدلات عشرية. ويراقب الخبراء الكيفية التي سيسعى المسؤولون الأتراك من خلالها للعمل على تعافيه.
وقالت مايا سنوسي، خبيرة الاقتصاد من «أوكسفورد إيكونوميكس» للأبحاث «على الورق وفي الخطابات العلنية، يبدو قادة الاقتصاد (في تركيا…) موافقون على أن هناك ضرورة للإصلاح. لكن عمليا، يعد سجل الحكومة مؤخرا ضعيفا».
وأضافت «على السلطات أن تقر بأنه تم ارتكاب أخطاء خلال العام الماضي، لكن عليها كذلك إبداء استعداد للتضحية بالنمو على المدى القصير لزيادة فرص تحقيق ازدهار على المدى البعيد — وهو قرار يبدو أن حزب العدالة والتنمية لا يرغب في اتخاذه».
وتحدث مسؤولون أتراك في الماضي عن إصلاحات واسعة تشمل إصلاح النظام الضريبي وإجراءات لتعزيز النمو. لكن المحللين يشيرون إلى مصدر قلق أساسي يتمثل بمخاطر الدَين الأجنبي بالنسبة للشركات التركية التي بات تسديد ديونها أكثر كلفة بسبب تراجع الليرة.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن رفعت حصارجيغلي أوغلو، رئيس اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركية، قوله خلال اجتماع لقادة عالم المال والأعمال «نرى هذه فترة كفرصة للتوصل إلى حلول دائمة لمشكلاتنا الهيكلية».
وبعدما منحه استفتاء جرى في 2017 سلطات أوسع كرئيس، بات اردوغان في موقع يسمح له بتطبيق الإصلاحات. لكن انتخابات الأحد الماضي سلطت الأضواء على مخاوف المستثمرين بشأن كيف يمكن لتركيا أن تعمد إلى اتباع خطوات مالية مجدية على المدى القريب إذا اقتضت الحاجة.
وقبل الانتخابات البلدية تراجعت الليرة بنحو 6% خلال يوم واحد بعدما أعرب مستثمرون عن قلقهم من أن الحكومة استخدمت الاحتياطي الأجنبي لرفع قيمة العملة قبيل الاقتراع. ولم تساهم اجراءات منع بيع الليرة على المكشوف لاحقا في تعزيز ثقة المستثمرين. وحذرت وكالة «موديز» للتصنيف الإئتماني من أن التدخل لدعم الليرة يزيد الشكوك بشأن مدى استقلالية البنك المركزي وبشأن سياسات تركيا الأوسع.
وقالت إن «تجدد اضطرابات الأسواق المالية التركية وزيادة الضبابية بشأن السياسات (التي تتبعها الحكومة التركية) لمعالجة الركود الحالي يزيد من خطر هرب مزيد من رؤوس الأموال».
ويدافع المسؤولون الأتراك عن استقلال البنك المركزي، لكن اردوغان دأب على مطالبته بخفض أسعار الفائدة التي يحملها مسؤولية ارتفاع نسب التضخم. وتثير الضغوطات السياسية على المصرف قلق المستثمرين.
وانتقد الرئيس التركي كذلك المصارف الاستثمارية الأجنبية، وحمَّل الولايات المتحدة جزئيا مسؤولية التذبذبات التي تشهدها العملة المحلية، مشيرا إلى مساعي واشنطن لـ»محاصرة» تركيا ماليا.
وقال تيموثي آش، الخبير الإستراتيجي في شركة «بلوباي أسيت مانجمينت» لإدارة الأصول ان «على وزير المالية ألبيرق أن يضع برنامجا لإقناع الأسواق العالمية، والأهم الداخلية، بأن فريق إدارة اقتصاد البلاد الحالي يفهم ما يقوم به، لإعادة بناء الثقة».
وتلقي علاقة اردوغان المتوترة مع الولايات المتحدة، التي تأثرت بالخلافات المرتبطة بسوريا، والصفقة التي أبرمتها أنقرة لشراء منظومة صواريخ روسية، واعتقالها لموظفين في القنصلية الأمريكية، بظلالها على مستقبل تركيا الاقتصادي.
وعندما اندلع سجال العام الماضي بشأن اعتقال تركيا للقس الأمريكي آندرو برانسون، سارعت واشنطن لفرض عقوبات ورسوم جمركية على بعض السلع التركية، ما أسهم في تدهور الليرة.
وأكدت الحكومة التركية أنها ستمضي قدما في عملية شراء منظومة صواريخ «إس-400» الروسية رغم إعلان واشنطن تعليق مشاركة أنقرة في برنامج مقاتلات «إف-35» أمريكية الصنع وتلويحها بعقوبات جديدة.
القدس العربي