ستة أشهر مرّت تقريباً على جلسة منح الثقة لحكومة التسوية العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، الذي اتفقت عليه الأحزاب النافذة في البلاد، ضمن صفقة دعمتها النجف للوصول إلى حلّ، بشأن أزمة الكتلة الكبرى، التي أفرزتها الانتخابات التشريعية، إثر فشل كل القوى في الحصول على ما يؤهلها لتشكيل الحكومة بمفردها. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال البلاد من دون وزراء للدفاع والداخلية والعدل والتربية، في ظلّ تصاعد معدلات الفقر والبطالة وتردي واقع الخدمات، بعد القضاء على تنظيم “داعش”.
ومع أن حكومة عبد المهدي تُعدّ السادسة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، التي من المفترض أن تشهد تطورات بالعمل الحكومي، اعتماداً على تجارب الحكومات السابقة سياسياً وخدماتياً، إلا أن أياً من ذلك لم يتحقق وسط تسريبات تحدثت عن مشاكل جمة في مكتب عبد المهدي، مع تكدّس ملفات الوزارات الشاغرة، والتي شغلها رئيس الحكومة بالوكالة حالياً.
”
الحوارات السياسية بين الأحزاب، بشأن استكمال الحكومة، لم تأتِ بنتيجة حتى الآن
”
وعلى الرغم من إعلان القوى السياسية العام الماضي عن وثيقة إنهاء المحاصصة الطائفية في الحكومات، تحديداً في المناصب ذات الاختصاص، إلا أن الموقّعين تجاوزوه في الصراع على المحاصصة في ما تبقى من وزارات. ولا تتضمّن جلسة البرلمان اليوم الأربعاء، فتح ملف استكمال الحكومة، لعدم اتفاق الأحزاب على المرشحين للوزارات الشاغرة.
في السياق، اعتبر عضو ائتلاف “الوطنية” حامد المطلك، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الحوارات السياسية بين الأحزاب بشأن استكمال الحكومة لم تأتِ بنتيجة لغاية الآن، ولا تزال وزارتا الدفاع والداخلية من دون حسم بسبب تمسك طرفٍ وجهةٍ سياسية بشروطها التي ترفض التنازل عنها ومن ضمنه الأسماء وطريقة إدارة الوزارة. والأمر نفسه ينطبق على وزارة العدل التي تشهد خلافاً كردياً كبيراً عليها، وبصراحة لا جديد بشأن الحوارات السياسية، وقد تبقى الأزمة عالقة إلى ما لا نهاية طالما أن الأحزاب متمسكة بتوجهاتها وشروطها”.
وأضاف أن “الخلافات تتمحور حول الأسماء حالياً للوزارات الشاغرة وتحديداً الدفاع والداخلية، وعلى طريقة إدارة هذه الأسماء للوزارات في حال تمت الموافقة عليها في مجلس النواب، وأيضاً بما يتعلق بالمعايير الثابتة مثل النزاهة والكفاءة، فضلاً عن وجود أحزاب تريد سرقة حصة أحزاب أخرى من المناصب والوزارات”.
مسؤول بمكتب رئيس عبد المهدي تحدث لـ”العربي الجديد”، عن “تكدس ملفات ومعاملات لوزارات عدة في مكتب الأخير، فدفع تعطيل القوى السياسية للوزارات الشاغرة إلى أن يؤدي عبد المهدي دور رئيس الحكومة ودور أربع وزارات في أحيان كثيرة”، مضيفاً أن “سفرة عبد المهدي إلى مصر، ومن ثم إلى إيران، راكمت الملفات، علماً أنه يعمل لساعات متأخرة من الليل لحسمها في أيام كثيرة، لكن مصالح الناس في النهاية تتأثر بصراع القوى السياسية بالتأكيد”.
بدوره، تحدث حُنَين قدو، وهو نائب عن تحالف البناء، الذي يضم قوائم انتخابات لفصائل الحشد الشعبي وأخرى سنية، قائلاً إن “الكتلتَين السياسيتَين الكبيرتَين (سائرون والبناء) متفقتان في ما بينهما على ترشيح ثلاثة أو أربعة أسماء لكل وزارة شاغرة وتقديمها إلى رئيس الحكومة عادل عبد المهدي”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أن “مرشح الداخلية صار جاهزاً ضمن مجموعة أسماء، بعد أن أصبح رئيس هيئة الحشد الشعبي خارج المعادلة بشكل نهائي. أما ائتلاف الوطنية الذي خُصصت له وزارة الدفاع فهو مقتنع بمرشحه نجاح الشمري. وبالنسبة إلى المحور الوطني فقد توصلت مباحثاته إلى اختيار سفانة الحمداني لوزارة التربية، ويبدو أن الأكراد سيقدمون اسماً واحداً لوزارة العدل”.
وتابع قدو أن “ملف استكمال الحكومة لن يُحسم في جلسة اليوم الأربعاء، ولكنه سيُحسم في الجلسات المقبلة، لأن سبب تأخر المباحثات هو فالح الفياض وقد أصبح من الماضي، ويبقى الاختيار ضمن عمل عبد المهدي والبرلمان”.
”
الحل هو لجوء العراقيين إلى اعتصامات ميدانية مفتوحة والاقتداء بالتجربة الجزائرية
”
وفي ما يتعلق بوزارة العدل التي صارت من نصيب أحزاب إقليم كردستان، أكد عضو التحالف الوطني الكردستاني ماجد شنكالي لـ”العربي الجديد”، أن “المباحثات الأخيرة بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني، وضعت النقاط على الحروف، وتم التوصل إلى تفاهمات كبيرة والاتفاق على شخصية تتولى وزارة العدل. وهناك حديث عن تولي الوزارة من قبل قاضٍ من محافظة كركوك، كمرشح تسوية وتوافق بين الحزبين”.
وأشار النائب السابق جوزيف صليوا، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الأحزاب السياسية خدعت العراقيين بأنها ستنتهج الإصلاح في مسيرتها الجديدة ضمن خطة العمل الحكومي، ولكنها في الحقيقة لا تملك القناعة والرغبة في تغيير مناهجها القديمة، وانتشال الوطن والشعب من المشاكل التي خلقها الطائفيون، الذين يتصارعون على المغانم والمكاسب والمناصب على حساب الشعب”.
وأضاف أن “المشاكل السياسية التي يمرّ بها العراق حالياً، كانت تحدث كل مرة تتشكل فيها حكومة جديدة، وكان قبلها يخرج نفس زعماء الأحزاب بخطابات مخادعة وهتافات نارية تتضمن الإصلاح ومحاربة الفساد ولا يُطبق منها أي شيء”، مبيناً أن “الحل هو لجوء العراقيين إلى اعتصامات ميدانية مفتوحة والاقتداء بالتجربة الجزائرية الأخيرة لإسقاط النظام الحاكم وسلطة الأحزاب الممسكة بالسلطة، وإنهاء المهزلة السياسية التي تحدث حالياً”.
بدوره، رأى الخبير محمد عماد، أن “الأحزاب المختلفة في ما بينها على المناصب لم تتوصل إلى أي اتفاقٍ حقيقي أو نهائي على مرشحي الحقائب الوزارية الشاغرة، وقد يأخذ الوصول إلى اتفاق وقتاً أكثر، وقد يصل إلى أسابيع أخرى وليس أياماً كما يدّعي بعض النواب”. وأشار في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “جميع الأسماء التي طُرحت خلال المفاوضات بين الأحزاب بما يتعلق بوزارتي الداخلية والدفاع، هي شخصيات عسكرية فعلاً، لكنها غير مستقلة، وأن كل واحد منهم تابع لجهة سياسية معينة، وأي شخصية تُرشّح بشكل مستقل لمنصب وزاري لن تحظى بدعم النواب وتصويتهم تحت قبة البرلمان”.
العربي الجديد