أنقرة – بدأت رياح التغيير تطال حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بعد خسارته لنفوذه في أكبر المدن خلال الانتخابات المحلية، وسط توقعات بأزمة داخلية في الحزب عكس أولى صورها انتقاد شديد للرئيس رجب طيب أردوغان وجّهه إليه رئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو بسبب غياب تعطيل مؤسسات الحزب وغياب الحوار داخله، ما يؤشر إلى انتفاضة بين “الحرس القديم” الذين عملوا مع أردوغان في فترة رئاسته للوزراء قبل أن يتم تهميشهم بسبب تضخم الأنا والرغبة في تجميع السلطات لدى الرئيس التركي.
ووجه أحمد داود أوغلو انتقادات حادّة لحزب العدالة والتنمية، الاثنين، وألقى باللوم في أداء الحزب الضعيف في الانتخابات المحلية الشهر الماضي على تغيير السياسات والتحالف مع القوميين.
وفي أول انتقاد علني شديد يوجهه داود أوغلو إلى أردوغان منذ ترك منصبه قبل ثلاثة أعوام، ندد رئيس الوزراء السابق بسياسات الحزب الاقتصادية والقيود التي يفرضها على وسائل الإعلام والضرر الذي قال إنه لحق بالفصل بين السلطات وبالمؤسسات، وهو في ذلك يلتقي بشكل أوضح مع موقف المعارضة التي باتت تصف حكم أردوغان بالدكتاتوري.
وداود أوغلو عضو في حزب العدالة والتنمية ويتمتع بمكانة بارزة فيه، وتولى رئاسة الحكومة بين 2014 و2016 قبل أن تدب الخلافات بينه وبين أردوغان.
وخسر حزب العدالة والتنمية السيطرة على العاصمة أنقرة وإسطنبول أكبر مدن البلاد في الانتخابات التي جرت في الـ31 من مارس الماضي.
وذكر داود أوغلو في بيان مكتوب من 15 صفحة “تظهر نتائج الانتخابات أن سياسات التحالف أضرت بحزبنا سواء على مستوى الأصوات أو كيان الحزب”.
وشكل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تحالفا قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في يونيو من العام الماضي وفاز فيها أردوغان بالرئاسة التنفيذية لكن تراجع فيها مستوى التأييد للحزب.
ويتصاعد دخان الخلافات بين أردوغان ورفيق دربه منذ مدة، وعمل داود أوغلو جاهدا على نفي وجود هذه الخلافات، إلا أن كافة الدلائل كانت تشير إلى وجود برودة ملحوظة في علاقاتهما.
واعتبر إرغون باباهان مدير تحرير “أحوال تركية” أن بيان داود أوغلو ينهي سياسة الخوف التي يتبعها أردوغان.
وفي فبراير الماضي، تحدثت أنباء عن اتفاق بين قيادات سابقة في حزب العدالة والتنمية على تأسيس حزب جديد، وعلى رأس تلك القيادات الرئيس التركي السابق عبدالله غول، وأحمد داود أوغلو، وسلجوق أوزداغ، وغيرهم من قيادات بارزة كانت ابتعدت عن الحزب الحاكم، وهي حركة أثارت غضب أردوغان الذي اتهمهم بالخيانة.
ولم يشر داود أوغلو في بيانه إلى أي احتمال لتشكيل حزب جديد، بل شدد على الحاجة للإصلاح داخل الحزب. وقال “أدعو المسؤولين التنفيذيين في حزبنا والكيانات المعنية لتقييم كل هذه الأمور ورؤيتنا المستقبلية بعقلانية وهدوء”. وحثّ على تعزيز دور المؤسسات داخل الحزب، وتشغيل آليات التشاور و”على أساس تواضعنا الذي لا يلين”.
وقال إرغون باباهان في تصريح لـ”العرب” الوضع التركي يحتاج إلى المزيد من الناس الذين يرفعون أصواتهم أمام أردوغان ويخبرون الحقيقة. وفي ظل نتائج الانتخابات المحلية، نشهد المزيد والمزيد من الناس ممن ينتقدون أردوغان وحزبه.
وعبر عن أمله بأن تشهد تركيا قريبا ميلاد حزب جديد تحت قيادة علي باباجان وبتوجيه سياسي لعبدالله غول لمواجهة النظام.
وطالب باباهان المحافظين والقوميين والاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين والأكراد بأن يجتمعوا ويتفقوا على المبادئ الأساسية لإرساء نظام سياسي جديد.
وقال علينا أن نشجع الناس على التحدث ورفع أصواتهم. لذلك من المهم أن يقف داود أوغلو ويتحدث حتى وإن فات الأوان، ولاسيما وأنه لا يزال يحظى باحترام حزب العدالة والتنمية.
ومن شأن عودة داود أوغلو إلى الواجهة أن تلقى دعما في الداخل والخارج بعد أن أدت سياسات أردوغان إلى مراكمة الخلافات إقليميا ودوليا بدل تصفيرها، وهي الفكرة التي كان يدافع عنها داود أوغلو وحاز على شهرة واسعة بسببها، واختارته مجلة “فورين بوليسي” عام 2010 ضمن أهم مئة مفكّر في العالم.
ويتهم داود أوغلو بأنه أحد الذين ساعدوا أردوغان على إحكام قبضته على حزب العدالة والتنمية، وأن الأخير وبعد أن أحكم قبضته على السلطة عمل على إجبار “صديقه” على الاستقالة، من خلال سحب صلاحية تعيين رؤساء فروع الحزب في المحافظات من يده بصفته رئيس الحزب، الأمر الذي اعتبره داود أوغلو انقلابا ضده، فبادر إلى إعلان عدم الترشح لولاية أخرى على رأس الحزب ثم الانسحاب في صمت.
وحظي رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق بدعم ليس فقط داخل حزب العدالة والتنمية، ولكن أيضا وسط قوى المعارضة، حين وصف كمال كيليجدار أوغلو، زعيم المعارضة الرئيسية، الإطاحة بداود أوغلو بأنها “انقلاب من القصر”.
ويقول ياوز بيدر، رئيس تحرير موقع أحوال تركية، في تصريح لـ”العرب” إن خطاب داود أوغلو الجديد كان حاسما في الكثير من النقاط، لكنه يفتقر إلى أي ذكر لأكبر مشكلة في تركيا: وهي القضية الكردية.
ويتساءل الكثيرون عن توقيت هذه الحركة، لأن أردوغان على الرغم من النكسة التي لحقت به، إلا أنه لا يزال يحمل كل الأوراق بيده لهندسة العملية السياسية وموازين القوى.
العرب