احتل التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، وإرسال واشنطن حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” إلى المنطقة لمواجهة ما وصفته بـ”التهديدات الإيرانية” لقواتها ومصالحها هناك، حيزاً مهماً في عناوين الصحف الأجنبية، في ما خصّ الملفات الدولية، والتي رأى عدد منها أن التصعيد الأخير قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة في أي لحظة، إذا حصلت أي حسابات خاطئة من قبل الطرفين.
هذا تحديداً ما أشار إليه كاتب مقالات الرأي في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، ديفيد إغناتيوس، الذي اعتبر أن وراء التحركات العسكرية الإيرانية والأميركية الأخيرة، يقف اعتقاد من قبل كلٍّ من طهران وواشنطن بأن الطرف الآخر يوشك على تنفيذ هجوم في إطار ما وصفه بأنه “مواجهة حالية قد تقود إلى الصراع (العسكري)، إذا ما قام أيُّ من الطرفين بحسابات خاطئة”.
وكتب إغناتيوس أن الولايات المتحدة أرسلت الأسبوع الماضي حاملة الطائرات وقاذفات إلى المنطقة، بعدما خلص المسؤولون الأميركيون إلى أن إيران عدّلت على استراتيجية كانت تتعبها، وتقوم على إمكانية تخطي حملة العقوبات التي يفرضها عليها دونالد ترامب، وبدأت تعد العدة لتنفيذ ضربة تستهدف القوات الأميركية في المنطقة.
وقال فرانك ماكنزي، قائد القيادة الأميركية الوسطى، يوم الأربعاء الماضي، إن قرار تعزيز القوات الأميركية جاء كرد على عدد من المؤشرات المقلقة والتصعيدية، وعددٍ من التحذيرات. كما تحدث الناطق باسمه بيل أروبان، عن وجود “مؤشرات واضحة على أن الإيرانيين ووكلاءهم يحضرون لتنفيذ اعتداء محتمل على القوات الأميركية في المنطقة”.
واعتبر المحلل السياسي في “واشنطن بوست” أن هذا الموقف الأميركي المستجد، الذي ينم عن الشعور بخطرٍ إيراني وشيك، يشكل تحولاً سريعاً عما كانت تتوقعه إدارة دونالد ترامب منذ أسبوعين، حين كان المسؤولون الأميركيون يرون أن طهران ستتحمل حملة تشديد العقوبات الأميركية المفروضة عليها خلال الأشهر الـ20 المقبلة، على أمل أن يأتي خلفٌ ترامب في البيت الأبيض، ويقوم بإلغائها.
لكن الأسبوع الماضي، توصلت الولايات المتحدة إلى أن الإيرانيين قد بدلوا استراتيجيتهم الآن، وهم ينقلون عتاداً عسكرياً للتحضير لهجوم. وبحسب إغناطيوس، ليس واضحاً ما إذا كان هذا التحول في الاستراتيجية الإيرانية مردّه شدة الضغوط التي تُحدثها العقوبات الأميركية على النظام الإيراني، لدرجة أنه لم يعد بمقدور هؤلاء الصبر حتى العام 2020، أم بسبب اعتقاد طهران أن ترامب سيبقى في البيت الأبيض لولاية ثانية.
وأضاف الكاتب السياسي أنه في المقلب الإيراني، فقد فهم الإيرانيون ووكلاؤهم جيداً الرسالة الأميركية التي تفيد بالعزم على استخدام القوة. وكشف إغناطيوس في هذا السياق، عن أنه تلقى رسالة، أمس الخميس، من أميركي يسافر كثيراً إلى سورية والعراق، قال له فيها إنه يتصل به لينقل رسالة من قائد مليشيا شيعية مدعومة من إيران في العراق (لم يذكر اسمه أو اسم المليشيا)، مفادها، بحسب “الوسيط”، أن القوات المدعومة من إيران قد “تموضعت بشكل يمكنها من الرد على التصعيد الأميركي، ولكن لم تكن هناك خطط للهجوم، بل فقط رد في حال قام الأميركيون بأي هجوم”.
وبحسب الصحافي الأميركي، فإن لهجة قائد المليشيا هذا بدت “تصالحية”. وقال “لا يزال هناك مجال لتنفيس التصعيد إذا لم يكن الطرف الآخر يريد المواجهة المباشرة”.
ويخشى الأميركيون خصوصاً من احتمال تعرض قواتهم في العراق لهجوم إيراني أو من وكلاء طهران في هذا البلد. لذا فإن رسالة قائد المليشيا ترد ولو بشكل غير مباشر على القلق الأميركي، بحسب إغناطيوس.
ويقال إن المليشيات العراقية المدعومة من إيران ارتفع منسوب قلقها أخيراً، خاصة بعدما أطلقت طوافات عسكرية أميركية مشاعل حرارية فوق قاعدة سبايكر، قرب تكريت، حيث تتمركز بعض هذه المليشيات. وقد أشعلت هذه القنابل حقولاً زراعية قريبة من القاعدة، فيما خشيت المليشيات من أن يكون ذلك مقدمة من قبل الأميركيين لتنفيذ هجوم عسكري.
وبحسب “واشنطن بوست”، فإن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه بعد “استعراض” هذا الأسبوع، هو إلى أين تتجه استراتيجية “الضغوط القصوى” التي تمارسها الولايات المتحدة؟ إذ يبدو بوضوح أن الإيرانيين باتوا يشعرون بالضغط، ويبحثون عن طرق للرد عليه، منها ما أعلنته طهران، الأربعاء، حول عزمها على تعليق التزامات في الاتفاق النووي.
وبرأي إغناتيوس، فإن إيران تعيش حالة ارتباك من مواقف الإدارة الأميركية، وما قاله سفيرها في الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، لقناة “أن بي سي”، أمس، دليل على ذلك. إذ لدى سؤاله عن مدى استعداد طهران للقبول بالجلوس مع الإدارة الأميركية الحالية لإعادة التفاوض، رد روانجي: “هكذا فجأة، يقول ترامب أنا لا أريد الاتفاق ولنجلس ونتكلم عن جولة جديدة من المفاوضات. ما هي الضمانات ألا يعود ويتراجع عن المفاوضات الجديدة؟”.
وأخيراً، خلصت “واشنطن بوست” إلى أن “ما هو واضح في ختام هذا الأسبوع الذي تصاعدت فيه التهديدات بالحرب، هو أن إيران أخطأت إذا كانت تأمل في أن يؤدي استعراض للقوة من قبلها إلى تراجع الولايات المتحدة، فما قاله ماكنزي أخيراً ليس خدعة: أي تعرص لقواتنا، سيلقى رداً حازماً”.
“إيكونوميست”: طبول الحرب تقرع مجدداً
من جهتها، رأت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، أن إيران عادت للتوجه ببطئ، ولكن بخطوات ثابتة، نحو “القنبلة النووية”، ما يقدم للصقور الأميركيين، كمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، المزيد من “الأحزان”.
ورأت المجلة أن المتشددين في كلا الجانبين، الأميركي والإيراني، عادوا للصعود إلى الواجهة، كما عاد الخطاب الحربي. ففي واشنطن، يعتقد بولتون ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، باستخدام الضغط الاقتصادي لقلب النظام في طهران، وبالضربات العسكرية لوقف البرنامج الإيراني النووي. أما في طهران، فلا يثق الحرس الثوري بالولايات المتحدة، وفي كلا البلدين “يحرك السياسة رجال متصلبون وعنيدون، ما قد يقود إلى الحرب”.
وبحسب المجلة، فقد تأخر الوقت كثيراً على الأرجح لإنقاذ الاتفاق النووي. ولكن “بدلاً من دفع قادة إيران إلى الركوع، فإن الخطاب الحربي الأميركي قد دفع الإيرانيين إلى التشدد”.
ورأت المجلة أن احتمالات سوء الحسابات “كبير ومتصاعد”، وقد يحصل في المياه الخليجية أو في العراق أو في سورية. ويقول كل طرف إنه يريد السلام، ولكن “من يصدقهم؟”.
وختمت المجلة بالقول إن “بولتون كتب في العام 2015 أنه لوقف القنبلة النووية الإيرانية، يجب أن نقصف إيران. اليوم، حتى روحاني يبدو أنه يوافق على أن الطريق قدماً يجب أن تكون مليئة بالتصعيد والاستفزاز… ولكن فيما خطر المواجهة يكبر، على جميع الأطراف أن تعود إلى طاولة المفاوضات”.
العربي الجديد