طرابلس – لم تكن رواية وزير الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني علي عبدالعزيز العيساوي، بشأن وقف التعامل مع شركات أجنبية، وعلى رأسها توتال الفرنسية لاعتبارات تتعلق بتجديد التراخيص، رواية مقنعة، خاصة أن هذه الجزئيات تتم تسويتها عادة بشكل روتيني وبعيدا عن الأضواء.
وتقول أوساط ليبية مطلعة إن قرار وقف التعامل مع هذه الشركات دفعة واحدة جاء كردة فعل على فشل جولة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ولقاءاته الأوروبية، وخاصة زيارته لفرنسا، وأن الأمر مرتبط بشكل مباشر بما سمعه السراج في لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكان ماكرون قد دعا عقب اللقاء إلى مبادرة لوقف إطلاق النار تحت رعاية أممية، وهو ما يعني عمليا التسليم ببقاء قوات الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر في مواقعها الحالية، وليس كما يريد السراج ومن ورائه الميليشيات التي تطالب بعودة تلك القوات إلى مواقعها في الشرق.
وتشير الأوساط الليبية إلى أن الخطوة تم اتخاذها أساسا ضد شركة توتال كأسلوب عقابي ضد فرنسا ومصالحها في ليبيا، وتم اللجوء إلى مبرر التراخيص في وقت لاحق في محاولة لامتصاص تأثيرات هذا القرار بعد أن تكون الرسالة قد وصلت إلى باريس والرئيس ماكرون تحديدا الذي تتهمه الميليشيات بالانحياز لحفتر، وأنه يقود توجها أوروبيا حازما لتفكيك الميليشيات في طرابلس قبل التوصل إلى حل سياسي.
ووصف ميشال كوزن، رئيس تحرير صحيفة ليبيا هيرالد، رحلة السراج إلى العواصم الأوروبية بالفاشلة، لافتا إلى أن تعليق الشركات ينظر إليه في أوروبا على أنه انتقام.
وأشار إلى أن أكثر ما حصل عليه رئيس حكومة الوفاق هو التأكيد على أن الحكومات الأربع تعترف بحكومته، لكن آماله في أن يتخذ الأوروبيون إجراءات عملية لوقف حفتر، أو على الأقل مطالبته بسحب قواته إلى مواقعها قبل بدء الهجوم على طرابلس، قد تبددت.
ويرجح أن تتحدى توتال قرار حكومة الوفاق والميليشيات المتمترسة وراءها، مما سيؤدي إلى تفاقم العلاقات المتدهورة بين السراج وماكرون، ما قد يدفع الرئيس الفرنسي إلى دعوة حفتر صراحة إلى تطهير طرابلس من الميليشيات.
وكان ماكرون قد دعا إلى وقف إطلاق نار غير مشروط، وهو اقتراح رأت الحكومة الوطنية فيه مكافأة لحفتر ومؤيديه الدوليين.
وتوتال شركة نفط رئيسية في ليبيا، تضخ أكثر من مليون برميل من النفط يوميا وتهدف إلى رفع إنتاجها إلى 2.1 مليون برميل بحلول سنة 2023.
وفيما يتمسك السراج باستمرار الحوار مع الدول الأوروبية المعنية كونها شريكة في أي حل يفضي إلى استقرار ليبيا، فإن متابعين للشأن الليبي يعتقدون أن القرار المستفز لفرنسا قد يكون أخذ دون تنسيق معه، وربما كان الهدف منه التأكيد لباريس أن السراج ليس هو صاحب القرار الأول في المسائل الحيوية مثل وقف العمليات العسكرية.
ولم يستبعد هؤلاء أن يكون القرار محاولة لقطع الطريق أمام تنازلات تكتيكية قد يضطر السراج إليها استجابة للضغوط الخارجية.
وأشاروا إلى أن الميليشيات تعارض وقف إطلاق النار لأن من ضمن شروطه بدء السراج عملية تصنيف للمجموعات والأشخاص الذين يتعامل معهم في حكومته، ما يعني تبني قوائم معينة للإرهاب.
وأكد ماكرون إثر لقائه بالسراج أن الاقتراحات تشمل تقييم سلوك الجماعات المسلحة في ليبيا، في الأيام المقبلة، بما في ذلك تلك التي تخضع مباشرة لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
وتطرق نص البيان إلى “الحاجة إلى مكافحة كل الأنشطة الإرهابية”، وهي العبارة التي أزعجت الميليشيات ودفعتها إلى التلويح باستهداف مصالح فرنسا بدءا بمنع شركة توتال من الاستمرار في مشاريعها.
وبعد محادثاته في باريس، سافر السراج إلى لندن حيث التقى برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ووزير الخارجية جيريمي هانت، ولمس تغيرا في الموقف البريطاني بالانحياز لخيار وقف إطلاق النار.
ولم يسمع السراج في لندن انتقادات علنية لحفتر كما كان يأمل على الأقل لإرضاء الميليشيات المسيطرة على طرابلس والتي تتحكم في حكومته.
العرب