الحرب الباردة بين أميركا والصين تهدد الاقتصاد العالمي

الحرب الباردة بين أميركا والصين تهدد الاقتصاد العالمي

 

الباحثة شذى خليل*

ألقت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بظلالها على الاقتصاد العالمي على مدار العام الماضي، وأوجدت حالة من الارتياب في عالم الأعمال وحتى لدى المستهلكين، واتضحت صورة التنافس الصيني الامريكي مع بعضهما خلال منتصف القرن العشرين؛ بغرض التوسع التجاري العالمي ليمتد من آسيا إلى افريقيا وصولا الى أوروبا ، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث عزمت الصين على تقديم نفسها الأولى بين نظراء كثيرين في كتلة مستقلّة آسيو- إفريقيّة من الدول، لكن هذا لا يروق الى الولايات المتحدة الامريكية ،اذ اعتاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على مهاجمة الصين، منتقدا عدم التوازن التجاري بين البلدين وقواعد الملكية الفكرية الصينية، والتي يراها ترمب معوقا أمام تقدم الشركات الأمريكية.

ويرى المراقبون أن الحرب التجارية جزء من محاولة أمريكية لكبح جماح الصعود الصيني، في ظل خشية حكومات غربية من تنامي نفوذ الصين عالميا.
حيث ان فرض تعريفات امريكية على البضائع الصينية وكذلك الصين اتخذت نفس الخطوة، بفرض تعريفات على بضائع بمليارات الدولارات، وربما تأخذ بالتزايد، وقد ألمح ترمب إلى فرض رسوم نسبتها 25% على بضائع صينية بقيمة 325 مليار دولار.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن هذا التصعيد “يهدد الاقتصاد العالمي” وتأمين الاستقرار المالي العالمي .
يرى محللون، انه على الرغم من أن ترمب قلل من شأن أثر التعريفات على الاقتصاد الأمريكي، إلا ان زيادتها قد تؤثر على بعض الشركات الأمريكية وكذلك المستهلكين الذين قد تُحمّلهم الشركات جزءا من التكلفة.

الخلاف الدائم بين الصين وأمريكا:
تكمن المعضلة الأمريكية الصينية، في رفض واشنطن إعطاء حق الملاحة والسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وهو أمر يحظى بتأييد كبير داخل الولايات المتحدة، موضحة أنه منذ أن ذهب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين في عام 1972، كانت سياسة بلاده تجاه المحيط الهادئ ثابتة بغض النظر عن الاختلافات الحزبية داخل إدارة أي رئيس.
ان الصين تتقدم على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي وتجاريها أو تتقدم عليها في مجال التكنولوجيا، مثل الجيل الخامس للهاتف النقال، ويعتقد الكاتب أن الصين ستنافس بداية من عام 2020 شركتي الطيران المدني بوينغ وإيرباص.
ويتوقع المحلل الاقتصادي جيفري ساكس، ان “تكتيكات الحرب الباردة” التي يستخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لن تنفع مع الصين وسيصبح اقتصاد الصين أكبر من اقتصاد أمريكا بفضل عدد السكان.
ويقول إن ما تقوم به الولايات المتحدة تجاه الصين هو “حرب باردة”، فهي تدفع حلفاءها الأمنيين في الناتو واليابان وأستراليا وغيرها إلى التوقف عن شراء التكنولوجيا الصينية المتطورة.
وفي السياق نفسه، ذكرت مجلة “فورين بوليسي”، أن الولايات المتحدة والصين، أصبحتا داخل واحدة من أقوى الحروب الباردة في التاريخ، خاصة بعدما تعمدت بكين اختراق حسابات عشرات الشخصيات رفيعة المستوى في البنتاجون، وإصرار واشنطن على عدم التخلي عن بحر الصين الجنوبي، فضلًا عن المعارك التجارية التي لن تهدأ.
وأكدت المجلة الأمريكية، أن سباق التسلح والتنافس العسكري الأمريكي مع الصين، سيحدد ملامح القرن الحادي والعشرين، لافتة إلى أن الاختراقات السيبرانية بلغت ذروتها، بعدما اخترقت الحواسيب الصينية سجلات الصيانة الخاصة بالسفن الحربية الأمريكية.
ان الخلافات بين الولايات المتحدة والصين صارخة وأساسية، ويمكن بالكاد أن يتم التفاوض على حلها، ولكن لا يمكن أبدًا تهدئتها.
وبينت المجلة ان على الصينيين أن يكونوا ملتزمين بدفع القوات البحرية والجوية الأمريكية بعيدًا عن غرب المحيط الهادئ “جنوبي وشرقي الصين”، في حين أن جيش الولايات المتحدة عازم على البقاء في تلك المنطقة.
ان الصين ترى “بحر الصين الجنوبي” بالطريقة التي رأى بها الاستراتيجيون الأمريكيون منطقة البحر الكاريبي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، على أنها الامتداد الرئيس للمياه الزرقاء من كتلة أراضيهم القارية، التي تمكنهم من السيطرة على المحيط.
ان المحيط الهادئ لم يعد هو الحاجز الوحيد في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، موضحة أن عصر الحرب الجديد سيكون مستحيلًا بدون السباق الاقتصادي والتكنولوجي.
المخاوف من طريق الحرير الجديد:
يعد طريق الحرير من أهم الطرق التجارية التي تربط أقصى شرق آسيا بإفريقيا وشمال أوروبا، مروراً بوسط آسيا، وشرق أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط، تنتقل عبر هذه الخطوط البضائع مجموعة من الطرق والسكك البرية والخطوط البحرية المترابطة، تهدف هذه المبادرة الكبرى إلى إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام)، والبري (الطريق)، اللذين كانا يربطان الصين بالعالم.
تطمح الصين من خلاله إلى رفع حجم التبادلات عبر طريق الحرير لنحو 2.5 ترليون دولار خلال 10 سنوات، وقد وصل عدد الدول المشاركة حتى الآن إلى 65 دولة، تمثل 60% من سكان العالم.
تؤكد الصين أنّ مشروعها لا يمكن اعتباره من قبيل الهيمنة كما تروج لذلك عدد من الدول الغربية، وإنّما هو عروض للشراكة والتعاون بين الدول، حيث تعتمد الصين مخاطبة العالم بمنطق الربح المتبادل، أو ما يعرف بمبدأ (Win – Win)، ولكن المؤكد أنّ هذا المشروع يساهم في إعادة رسم خارطة القوى والتوازنات الدولية على نحو كبير، حيث يشكل تهديداً للدول الصناعية الغربية، فهو ينافسها على أسواقها ويخرجها من مناطق نفوذها.
وتظهر التقارير الامريكية لوزارة الدفاع بأنها تواجه التهديد الصيني بنشاط أكبر بكثير من نظيره الروسي، إذ تعد بكين، بقدرتها الفائقة كقوة تكنولوجية صاعدة، ربما تتفوق وتتخطى واشنطن في أنظمة المعارك الرقمية.
ان التطور الأيديولوجي في الصين أثر بشكل كبير على العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، بعدما شوهد تطور بكين الصارم من عهد لدنج شياو بينج وخلفائه حتى وصلت إلى حكم تشي جين بينج لتتحول إلى دولة “سلطوية صلبة”، مما يؤكد التطور التكنولوجي للصين الذي يعزز النزاع بين البلدين، بدلًا من تخفيف وطأته، بعدما تحولت الحرب إلى مجرد نقرة واحدة على الحاسب.

الرسوم الجديدة:
الرسوم الجديدة التي فرضها ترمب تُحتسَب على المستوردين الأميركيين للبضائع الصينية وليس على المصدّر الصيني، وتدخل قيمتها ضمن أسعار البيع الخاصة بهم، ما يعني ان الطبقة الوسطى الأميركية تجد نفسها أمام خطر دفع أسعار أعلى مقابل سلع الاستهلاك الجاري.
اما بالنسبة للصين ، فإن الرسوم المفروضة تخضع لأكثر من 250 مليار دولار من الواردات الصينيّة لرسوم جمركيّة عقابيّة، رُفِعت الجمعة من 10 إلى 25% على ما يُساوي 200 مليار دولار من البضائع الصينيّة.

وأضاف ترمب بإطلاق إجراءات تُتيح فرض رسوم جمركيّة على بقيّة الواردات الصينيّة وقيمتها 300 مليار دولار، ولن يكون هذا الرّفع الجديد للرسوم الجمركيّة على الأرجح فاعلاً إلا بعد بضعة أشهر، لكنّ التلويح به يُتيح تشديد الخناق على الصين في المفاوضات التجاريّة الشاقة.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن منظمة “ترايد بارتنرشب”، تأكيدها أن رفع الرسوم الجمركيّة الذي دخل حيّز التنفيذ في 10/5/2019 سيؤدي إلى رفع قيمة المصاريف السنوية لعائلة أميركية من أربعة أفراد بـ767 دولاراً.
من جهتها، تؤكّد بكين أنّها لن تخضع للتهديدات، وقال ليو إن كبير المفاوضين أكد ان الصين تعارض بقوة الزيادة الأخيرة في التعريفات لكنه يعتقد أن حدوث نكسات صغيرة أمر طبيعي وحتمي خلال المفاوضات بين البلدين، عندما ننظر للأمام فإننا لا نزال نشعر بتفاؤل حذر.
وختاما ، أعلنت غرفة التجارة الأمريكية في الصين، في بيان، التزامها بمساعدة الجانبين في الوصول إلى حل “مستدام”، قائلة: “رغم إحباطنا حيال زيادة التعريفات، إلا اننا ندعم الجهود القائمة من الجانبين للتوصل إلى اتفاق قوي ونافذ يحلّ القضايا الأساسية والهيكلية التي طالما واجهها أعضاؤنا في الصين”، ونحن بانتظار هل ستنجح المفاوضات ام النكسات القادمة أكبر؟!

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية