مخاطر الحديث الفرنسي عن حرب الحضارات

مخاطر الحديث الفرنسي عن حرب الحضارات

ar-croisade_390-e3cb8

«لا يمكننا أن نخسر هذه الحرب لأنها في عمقها حرب حضارات ندافع عبرها عن مجتمعنا وعن قيمنا وعن حضارتنا» بهذه العبارة لخص ايمانويل فالس موقف حكومة بلاده من العملية الإرهابية التي وقعت في أحد مصانع منطقة ليون الفرنسية وكادت أن تتسبب بكارثة كبيرة.
وكان قد مهد لهذا الحديث بالقول حرفياً «يجب أن نتملك الجرأة في استخدام الكلمات التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات»، ما يعني أن حديثه عن حرب الحضارات ليس عفوياً ولا زلة لسان يمكن التراجع عنها وكأنها لم تكن.
موقف فالس من هذه العملية يتناقض تماماً مع موقفه من عملية «شارلي إيبدو» التي تسببت بمجزرة حقيقية في فريق عمل الصحيفة الفرنسية الساخرة وحملت قادة من العالم على التظاهر احتجاجاً في شوارع باريس.
يومها قال إن بلاده تخوض حرباً مع الإرهابيين وليس مع المسلمين.
ولوحظ أنه كان يرد في حينه على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي تحدث عن «حرب حضارات» فأثار حديثه موجة من السخط لدى كل الأطراف بما في ذلك التيار الديغولي الذي ينتمي إليه.
معلوم أيضاً أن حديث حرب الحضارات استخدمه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن وقيل انه ثمرة بحث قدمه البروفيسور صامويل هنتنغتون عام 1996 في جامعة هارفارد وتحدث فيه عن نهاية حرب الايديولوجيات وبروز صراع الحضارات بين الإسلام والغرب، معتبراً أنه مثلما وقعت حرب باردة على أساس أيديولوجي ستقع حرب حضارات على أساس ديني.
وهذه ليست المرة الأولى التي يذهب فيها فالس بعيداً في نظرته للإسلام فقد تحدث من قبل عن الإسلام الفاشي، مضفياً الشرعية على إرهاب ينكره القسم الأعظم من المسلمين.
ولعل الوجه الأخطر لهذا التصريح يكمن في تطابقه مع تعريف منظمة «داعش» الإرهابية للصراع بوصفه صراعاً «بين الإسلام والغرب».
إذن يمكن في هذه الحالة تعيين الإرهاب ممثلاً للحضارة الإسلامية ووضع المسلمين بتصرفه وبالتالي خوض الحرب ضدهم بوصفهم جنوداً في خلافة «داعش» ما يعني أن ما فشل التنظيم في بلوغه عبر القتل والترهيب يتيحه فالس بمقابلة تلفزيونية ومن قبله الرئيس السابق ساركوزي وقبلهما الرئيس الساذج بوش الصغير.
واستدراكاً لهذه الأبعاد في تصريحه حاول مساعدو فالس في قصر الإليزيه تفسير «حرب الحضارات» بطريقة مختلفة للقول بأن الإرهاب يضرب المسلمين أيضاً بل هم «أول ضحاياه»، وأن هذه الحرب يجب أن تخاض داخل الحضارة الإسلامية نفسها بين المؤمنين بالحضارة الحديثة والقيم الديمقراطية وبين الإرهابيين.
بمعنى آخر يريد فالس أن يربح «حرب الحضارات» بعمقها الديني بواسطة غالبية المسلمين التي تناهض الإرهاب والعنف الأمر الذي يذكرنا بالفترة الكولونيالية البغيضة التي مازالت تلهم بعض الساسة في الغرب وتغريهم بالعودة إلى الوراء.
يبقى أن كلام فالس أفضى إلى تفكيك وحدة الموقف السياسي من هذه القضية في الوسط السياسي الفرنسي. هذه الوحدة التي نشأت على إثر مجزرة شارلي إيبدو.
فقد أكد الأمين العام للحزب الاشتراكي أن المتعصبين الإسلاميين هم من يسعى لهذه الحرب، وأن فرنسا تطمح إلى «التعايش بين الحضارات»، ونفى النائب الاشتراكي باسكال شيركي اتفاق الحزب مع فالس بقوله إن هذه «المقولة» موروثة من الرئيس الأمريكي وما كان ينبغي تبنيها.
ووافقه النائب الاشتراكي أيضاً جوليان دراي الذي اعتبر أن المسلمين ضحايا «داعش» ولا يجوز تحميلهم وزر حرب هذا التنظيم.
من جهة ثانية أيد ممثلو الجبهة الوطنية المتطرفة تصريحات فالس التي لا قت استحسانا أيضاً لدى التيار الجمهوري الذي يضم الديغوليين وحلفاءهم وطالبت التيارات اليمينية بإغلاق 90 جامعاً سلفياً في فرنسا معتبرين أن الإرهابيين يمكن أن يتم تجنيدهم عبر هذا النوع من المساجد.
بالمقابل حمل فرانسوا بايرو ممثل تيار الوسط على فالس كما حمل من قبل على جورج بوش بقوة، معتبراً أن الحرب التي يجب أن تخاض هي حرب الحضارات المتحدة ضد البرابرة والمتوحشين وليس على الاسلام والمسلمين.
لكن ماذا عن هذه الحرب وكيف يمكن وضع حد للإرهاب في فرنسا حتى لا يستمر لسنوات طويلة من الآن وصاعداً كما توقع الوزير الفرنسي الأول؟ الجواب يكمن في أطروحات أخرى غير أطروحة فالس.
إذ من الصعب القضاء على الإرهاب من دون إغلاق ملف الدول المتحاربة التي يأتي منها، والمقصود بذلك سوريا والعراق وليبيا علماً أن هذه الدول كانت قبل الحروب التي اندلعت فيها أو شنت عليها من الخارج تلعب دوراً مهماً في شبكة الأمان الإقليمية ضد التظيمات الإرهابية.
ولا يمكن الانتصار في هذه الحرب إلا عبر تجفيف منابع الإرهاب وضبط مموليه والامتناع عن استخدامه أو الإفادة منه ضد خصوم الغرب في البلدان المذكورة..
بمعنى الإفادة منه تكتيكياً لتصفية حسابات مع أعداء مشتركين «ولا يمكن أيضاً الرهان على اجتذاب بؤر الإرهاب للشباب الذين يتسببون بأوجاع الرأس في أوروبا والقول إن وجودهم في سوريا والعراق وليبيا أفضل من وجودهم حيث هم في ضواحي البؤس».
ولا يمكن القضاء على الإرهاب إلا عبر تعيينه على رأس أولويات الدول التي يتهددها ولنا في ذلك مثال من الفترة الأولى من الحرب ضد الإرهاب بعد 11 سبتمبر حيث تم تفكيك الشبكات وتصعيب تمويلها والحد من حركتها.. ولم تستعد الحركات الإرهابية زمام المبادرة إلا بعد غزو العراق والظلم الذي لحق بأهله وبالتالي استخدام الحرب على الإرهاب لتحقيق مآرب أخرى.
ليس الإرهاب خطيراً إلا عندما تتعذر وسائل مجابهته وهو في الحالة الراهنة ليس عصياً على الهزيمة شرط أن تكون الحرب ضده عادلة وشريفة وعالمية وصادقة.
بالمقابل سيشهد الإرهاب ازدهاراً غير مسبوق إذا ما جعلناه ينطق باسم الحضارة الإسلامية كما فعل الوزير الفرنسي الأول مانويل فالس في حديثه عن حرب الحضارات سيئة الذكر.

فيصل جلول

صحيفة الخليج