قياديو حزب الدعوة يخططون للإطاحة بنوري المالكي

قياديو حزب الدعوة يخططون للإطاحة بنوري المالكي

بغداد – كشفت مصادر سياسية مقربة من حزب الدعوة الإسلامي عن سعي قيادات بارزة في الحزب للإطاحة بنوري المالكي من الأمانة العامة والعودة إلى سياق “القيادة الجماعية”، الذي حطمه إبراهيم الجعفري، عندما تولى منصب رئيس الوزراء العراقي في 2005، ليستغل نفوذه آنذاك ويبتدع منصب “الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي”، ثم يستحوذ عليه لنفسه.

وحملت قيادات عليا في حزب الدعوة الإسلامي الأمين العام للحزب نوري المالكي، الإخفاقات السياسية وخسارة السلطة، وتردي سمعة الحزب في الشارع العراقي.

وتعزو قيادات بارزة في الدعوة، على غرار عبدالحليم الزهيري وطارق نجم، خسارة السلطة في العراق إلى توتر علاقة المالكي بمعظم أطراف العملية السياسية.

وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن الحزب على وشك عقد مؤتمر عام لانتخاب قيادة جديدة. ويدعم حيدر العبادي وعبدالحليم الزهيري وطارق نجم وعلي العلاق ووليد الحلي وصادق الركابي، وهم من أبرز قادة الخط الأول في الحزب، خيار العودة إلى نظام القيادة الجماعية، لتجريد المالكي من الزعامة الحزبية، لكنّ قادة آخرين في “الدعوة”، بينهم عامر الكفيشي، الذي عرف بآرائه الدينية المتطرفة ضد العلمانية في العراق، يرفضون هذا الخيار.

وتؤكد المصادر أن انضمام الزهيري ونجم إلى جهود رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في مواجهة المالكي، ربما يغير معادلة القوة داخل الحزب.

وباستثناء الدعم المحدود الذي ما زال المالكي يحصل عليه من داخل “الدعوة”، فإن آماله في البقاء على رأس الحزب تتلاشى، ما لم تنجح جهود قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في قلب المعادلة.

ويضغط الحرس الثوري الإيراني، المصنف منظمة إرهابية وفقا للوائح الأميركية، بشدة لضمان إبقاء المالكي على رأس حزب الدعوة، وهو ما يهدد جهود الإطاحة به.

واتخذ العبادي، وهو رئيس المكتب السياسي في حزب الدعوة، خطوة مهمة في إطار مساعي الضغط على المالكي عندما أعلن استقالته من جميع المواقع القيادية في الحزب، الأسبوع الماضي، داعيا إلى مراجعة هيكليته التنظيمية.

ورجحت مصادر سياسية أن يلعب العبادي دورا سياسيا أكبر داخل الحزب، في حال العودة إلى نظام القيادة الجماعية، وإبعاد المالكي عن هرم القيادة، في ظل نجاح سياسة التهدئة التي اتبعها في التعامل مع مختلف الأطراف السياسية.

وتشير المصادر إلى أن إعلان العبادي استقالته من المواقع القيادية في الحزب، كان بمثابة ضمانة لمؤيديه، بأنه لا ينوي الاستحواذ على الأمانة العامة للحزب، وهو ما يؤكد التزامه بخيار القيادة الجماعية.

وفي حال فشلت الجهود الإيرانية في دعم المالكي داخل حزب الدعوة، فإنه ربما يضطر إلى مغادرة الحزب، في ظل تزايد التيار الرافض لسياسته المتشددة في التعاطي مع الأطراف المختلفة.

واعتبر مراقب سياسي عراقي الانقلاب على المالكي قرارا مبيتا بعد أن أصبح حجر عثرة بين حزب الدعوة والمشاركة الفعالة في العملية السياسية التي اعتبر المالكي نفسه مخترعها ومرجعها الوحيد.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” بالرغم من الخسائر التي مني بها العراق أثناء ولاية المالكي والانهيار الاقتصادي الذي تعرض له بسبب انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة بطريقة غير مسبوقة عالميا كان لا ينظر إلى خصومه وأصدقائه باعتبارهم أندادا له وهو ما أدى إلى أن يُطوق حزب الدعوة بجدار من العزلة.

وتساءل المراقب “إذا كان قياديو حزب الدعوة يسعون إلى التخلص من المالكي باعتباره ورقة محروقة سياسيا فإن آمالهم في أن يستعيد الحزب مكانته السابقة في الحياة السياسية ستبوء بالفشل بسبب التغير الكبير الذي طرأ على المزاج الشعبي إضافة إلى أن الدور الذي صار يلعبه زعماء الميليشيات الموالية لإيران في الحياة السياسية لا يمكن الاستهانة به”.

ولا يستبعد مراقبون عراقيون أن تقف إيران، وهي عرابة العملية السياسية في العراق، إلى جانب زعماء في الميليشيات مقابل تقديم النصح للمالكي بتوخي الحذر من خلال اختفائه من المشهد لقاء التعهد بالضغط على سياسيي العراق المتنفذين بعدم فتح أوراق المرحلة التي كان فيها المالكي الرجل الأوحد الذي استبد بالمشهد السياسي من خلال قرارات خاطئة توجت بهزيمة الجيش العراقي أمام تنظيم داعش في نينوى عام 2014.

وبالرغم من أن استبعاد المالكي من تفرده بقيادة حزب الدعوة لن يكون بالأمر اليسير فإن تلك العملية قد تؤدي إلى أن يفقد الحزب تماسكه بما ينذر بإمكانية تشظيه وقفز الكثير من أعضائه الأساسيين من مركبه وانتقالهم إلى مراكب أخرى. وهي العملية التي سيحرض عليها المالكي إذا شعر باليأس من إمكانية استمراره زعيما.

ويتسارع الحراك الداخلي في داخل حزب الدعوة لمراجعة الإخفاقات التي أدت إلى خسارته منصب رئيس الوزراء في البلاد، لأول مرة منذ العام 2005.

ووفقا لمصادر وثيقة الصلة بالحزب، فإن المالكي عمل بجدّ على حرمان حليفه السابق في حزب الدعوة، وغريمه الحالي، رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي من ولاية ثانية في منصبه، عندما بدا أنه يقترب من الحصول عليها، بعد أداء لافت في ملف الحرب على داعش والعبور بالبلاد من أزمة انهيار أسعار النفط وتبعاتها على عوائد بغداد المالية، فضلا عن تحطيم جدار العزلة العربية، والانفتاح الكبير في ملف العلاقات الخارجية.

وشجع المالكي أطرافا سياسية عراقية قريبة من إيران على تبني أي بديل يتولى رئاسة الوزراء غير العبادي، فيما فسر مراقبون صمته عن ترشيح مقتدى الصدر للسياسي الشيعي المخضرم عادل عبدالمهدي، لتشكيل الحكومة بعد انتخابات مايو 2018، على أنه قبول، بالرغم من علاقته المتوترة للغاية بالأخير.

وتسرب إلى العلن، خلال مفاوضات اختيار رئيس الوزراء الجديد، أن المالكي على استعداد لمنح تأييد كتلته البرلمانية المكونة من 25 نائبا، لأي منافس يواجه العبادي، ما اعتبر في الأوساط القيادية للحزب مغامرة كلفت الدعوة خسارة منصبه الأثير، الذي هيمن عليه في أربع دورات متتالية منذ 2005.

ولم يتردد المالكي في الإطاحة بالجعفري من منصب الأمين العام للحزب، بمجرد توليه السلطة لأول مرة في 2006.

وبالرغم من أن الحزب حافظ على التزام معظم قياداته التقليدية بدعم هيمنته على السلطة، فإن المالكي استغل وجوده على رأس الحكومة والحزب في الوقت نفسه، ليقرب نجله وصهريه من مراكز القيادة الكبرى في الموقعين، وهو ما فتح باب التنافس الداخلي.

وربما هذا ما يفسر انشقاق الحزب إلى فريقين عندما طرح اسم العبادي ليشكل حكومة 2014، بعدما وصلت محاولات المالكي للحصول على ولاية ثالثة إلى طريق مسدود، إذ دعم الفريق الأول علنا تكليف العبادي، فيما صمت الفريق الثاني ولم يبد اعتراضا على ذلك.

وخلال سنوات العبادي الأربع في السلطة تعمقت عزلة المالكي داخل أوساط حزب الدعوة، بالرغم من أنه على رأس قيادته.

العرب