ينصح الكاتب جيمس ستافريديس الولايات المتحدة وحلفاءها بالحذر من التقارب المستمر بين قوتين كبيرتين، ويقول إن كلا من هاتين القوتين تشكل خطرا بمفردها، لكنهما باتحادهما تصبحان تهديدا عالميا من نوع آخر.
ويرى ستافريديس في مقال رأي نشره موقع شبكة بلومبيرغ الأميركية، أن التزاوج بين هاتين القوتين قد ينتج كتلة متحدة تهيمن على “القارة الأوراسية”، وهو ما قد يكون أهم تحول في الجغرافيا السياسية في القرن 21. إنه تقارب متعدد الأوجه بين روسيا والصين، وفقا للكاتب.
يقول المقال إن من العلامات الواضحة على هذا الخطر المتعاظم، الجرأة المتنامية لدى القوات البحرية الروسية التي صارت تواجه السفن الحربية الأميركية في أنحاء العالم.
ومن أحدث تلك المواجهات وأخطرها ما كاد يبلغ حد التصادم حين اقتربت مدمرة روسية من السفينة الحربية الأميركية تشانسلورسفيل لمسافة مئة قدم (30 مترا) فقط في غرب المحيط الهادي، وهي مياه أصبح الصينيون يرونها ملكا لهم.
خلال حقبة الحرب الباردة، حافظ كل من الاتحاد السوفياتي والصين في معظم تلك الفترة على مسافة من الحذر بينهما. غير أنه في السنوات الأخيرة تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس شي جين بينغ أخذ الجانبان يتقاربان رويدا رويدا.
مناورات فوستوك
في الخريف الماضي جرت مناورات فوستوك 2018 على الحدود السيبيرية بين روسيا والصين، وكانت أكبر تدريبات عسكرية شهدها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة. وانضم الجنود الصينيون إلى مئات الآلاف من الجنود الروس، وأظهرت الصور الضباط من الجانبين وهم يتعانقون. فضلا عن ذلك تجري تدريبات بحرية بين الجانبين بوتيرة متزايدة، ليس في المحيط الهادي فقط، بل أيضا في بحر البلطيق والمحيط المتجمد الشمالي.
وفي الآونة الأخيرة أمضى الرئيسان شي وبوتين أياما عدة في روسيا سويا، وأعلنا أنهما “أعز صديقين”. وتضاهي العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين الجانبين ذلك التزاوج العسكري الذي يتكشف أمام أعيننا.
وهذا التزاوج له منطق معين، فالصين صاعدة كقوة عالمية ولها تعداد سكاني هائل لكنها تفتقر لكثير من الموارد الطبيعية الحيوية. أما روسيا فهي متداعية اقتصاديا وتعدادها السكاني يتناقص لكنها مليئة بالغابات والمياه والمعادن والذهب والنفط والغاز الطبيعي.
ويتشارك البلدان في حدود طويلة، وكلاهما محكوم بنظام سلطوي صارم يهيمن عليه في واقع الأمر حزب واحد وشخص واحد. وفوق كل ذلك تشترك الدولتان في مخاصمة الغرب عموما، وفي بغض الولايات المتحدة خصوصا. وكل هذه القواسم المشتركة تكفي لرفع مستوى التعاون بين الجانبين وحتى لإقامة تحالف عسكري رسمي وإن لم يحدث هذا بعد.
الشريك المهيمن
بيد أن روسيا عليها أن تحذر في تطلعاتها. فالقادة الصينيون ينظرون في شوق إلى سيبيريا وأطرافها المترامية وأراضيها غير المأهولة والغنية بالموارد. وربما يقع بوتين صاحب الحنكة الإستراتيجية في خطأ المبالغة في الركون إلى هذا الصديق إذا أقدم على إقامة تحالف رسمي.
فمع مرور الوقت ستكون بكين هي الشريك المهيمن وليس موسكو. لكن في الوقت الراهن، ستمنح العلاقات الوثيقة روسيا أسواقا جديدة ودعما سياسيا، وأهم من ذلك قوة توازن قوة الولايات المتحدة.
وبينما تتمزق أوروبا بفعل قوى عديدة، إذ هنالك البريكست في الشمال، والسخط الإيطالي على الاتحاد الأوروبي في الجنوب، والاستبداد المتزايد في بولندا والمجر في الشرق، تضمحل قدرة القارة على الشراكة مع الولايات المتحدة.
ومثل هذا الضعف يعظم من قيمة الشراكة الصينية الروسية في أعين الشريكين. علاوة على ذلك تزداد مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” الصينية بريقا بالنسبة للدول الصغيرة في أطراف القارة الأوراسية عندما تشارك فيها روسيا.
نبوءة قديمة
ومثل هذا التحول الهائل في الجغرافيا السياسية كان قد تنبأ به قبل أكثر من قرن الجغرافي والمحلل السياسي البريطاني هالفورد ماكيندر. ففي ورقة بحثية لافتة قدمها إلى الجمعية الجغرافية الملكية عام 1904، شرح ماكيندر نظرية “قلب الأرض” التي تقول بأن أي أمة (أو أمم) تستطيع الهيمنة على “الجزيرة العالمية” (أوراسيا وأفريقيا)، ستهيمن على العالم في نهاية المطاف.
وفي غضون تلك الفترة، ظهرت فرضية مقابلة قدمها الضابط البحري والإستراتيجي الأميركي ألفريد ثاير ماهان، إذ قال إن القوى البحرية -الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وحلفاءهم- ستتمكن من منافسة تلك القوة الأوراسية المهيمنة.
وعلى الرغم من أن أيا من النظريتين لا تصف العالم الراهن وصفا دقيقا أو كاملا، فإن النمط الأساسي فيهما سيكون هو الحاضر المتكرر في الجغرافيا السياسية للقرن 21.
في الوقت الراهن ما يعنيه ذلك هو ضرورة أن تنتبه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى التعاون المتنامي بين روسيا والصين، وأن تركز جهود مخابراتها على فهم الحدود المحتملة لهذا التعاون، وأن تقوم بكل ما في وسعها لتشجيع الوحدة الأوروبية وتقوية شبكة التحالفات والشراكات والصداقات في أطراف آسيا.
الجزيرة