لم تمض ساعات على إعلان تركيا أن نقاطها للمراقبة تعرضت للقصف من قبل النظام السوري، حتى أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها قامت بالرد على قصف نقاط حليفتها تركيا، لتعلن وزارة الدفاع الروسية قصف مواقع لـ»الإرهابيين» في إدلب، قالت إنها تلقت مواقع إحداثياتهم من الجانب التركي، ليعود الأتراك وينفون ذلك، ولكنهم تجنبوا الإشارة لوزارة الدفاع الروسية، بل ذكرت وزارة الدفاع التركية، أن الخبر المنفي صدر عن وسائل إعلام، وهذا الامر غير صحيح، ويمثل محاولة تركية لتفادي الإحراج مع روسيا.
من المستبعد تماما أن تكون روسيا قد أصدرت ذلك التصريح باختلاق تفاصيله كاملة، بل يبدو أنها أضافت له، لتنتج رواية تناسب سياستها القائمة في سوريا، فمن الطبيعي أن الأجهزة الأمنية التركية والروسية تواصلت بعد الهجوم على النقطة التركية، وتبادلت معلومات تخص العملية، ولكن روسيا وصفت الأهداف التي هاجمتها بالإرهابية، بينما قالت تركيا إن القصف جاء من قبل قوات النظام، فهل قصفت روسيا النظام السوري مثلا؟ بالطبع لا، ولكن يبدو أن تركيا أبلغت الروس بمواقع إطلاق القذائف، واتهمت النظام، وطلبت من الروس الرد، والروس قاموا بالرد على طريقتهم، متجاهلين معلومات وبيان الجانب التركي. ما حصل يظهر، أن روسيا تدير دفة التواجد العسكري التركي في سوريا، لمصلحة رؤيتها السياسية والعسكرية، التي تهدف لتعزيزالأسد، فحتى إن قصف النظام السوري نقاط تركية، فمن سيتعرض للعقاب هم «الإرهابيون «وليس الأسد.
من الجانب العملي، قلنا منذ شهور طويلة، إنه لا معنى لوجود النقاط التركية في إدلب، فهي لم ولن تقوم بمهمتها في ضمان وقف إطلاق النار، كدولة ضامنة لاتفاق دولي يخص منطقة خفض التصعيد، وكذلك، لن تشكل هذه النقاط أي عائق لاستمرار العملية العسكرية في إدلب التي دخلت شهرها الثاني، حتى إن جنود النظام السوري سيوشكون على تجاوز إحدى النقاط والتقدم شمالا، وسواء بقيت هذه النقاط في إدلب أو انسحبت، كما هو متوقع لاحقا، فإن هجوم النظام وروسيا سيتواصل على إدلب.
روسيا تدير دفة التواجد العسكري التركي في سوريا، لمصلحة رؤيتها السياسية والعسكرية، التي تهدف تعزيزالأسد
النقطة الثانية، تخص التعامل الإعلامي مع ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، فقد تم إغفال الخبر تماما من قبل وسائل إعلامية، ترى أن الخبر يمثل إحراجاً لموقف تركيا، بينما نشرته وسائل إعلام حكومية تركية في البداية، قبل أن يقوم بعضها بحذفه لاحقا، ومن ثم نشرت تلك المؤسسات الإعلامية نفسها النفي التركي على الخبر، الذي لم تنشره لجمهورها أصلا.
من المفهوم أن تقوم وسائل إعلام تركية مقربة من السلطات بانتقاء الأخبار وفق اعتبارات مسيسة فقط، لكن مجرد الإيحاء للجمهورالعربي بأن تصريحات الروس كاذبة، سيقابل برد سريع عن مدى مصداقية مئات التصريحات الرسمية التركية بخصوص سياساتها في سوريا والعراق، تبدأ بخطوط حمر شرق الفرات ولا تنتهي بمهاجمة منبج «في أي لحظة»، ولعل أكثر الحوادث المشابهة لما حصل حول الرد الروسي على اتهام تركيا للنظام بقصف نقاطها، هو مشاركة القوات التركية في قصف، مواقع للإرهابيين في الموصل، خلال هجوم قوات الحكومة العراقية على الموصل قبل عامين، لتخليصها من سيطرة تنظيم «الدولة»، فبعد معارضة الحكومة العراقية مشاركة القوات التركية، أصرت أنقرة على مشاركة قواتها في كردستان العراق بالهجوم، وانتقدت حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق لمنعها من ذلك ومطالبته للقوات التركية بمغادرة العراق، وتمكنت أنقرة في النهاية من استحصال موافقة أمريكية عراقية لاحقا لتنفيذ بعض الضربات المدفعية على الموصل من قاعدتها في بعشيقة، ليخرج المسؤولون الأتراك يعلنون الخبر باعتباره نصرا وقيمة مضافة للدورالتركي في شمال العراق، لقد ردوا على الرفض الحكومي العراقي لبقاء قواتهم في بعشيقة بقصف الارهابيين في الموصل، بمشاركة قوات الحكومة العراقية تماما، كما ردت روسيا على قصف الأسد للنقاط التركية بقصف الإرهابيين أيضا.
عدا مناطق النفوذ الامريكي في مناطق الأكراد شمال سوريا، وكذلك في كردستان العراق، فإن كل الأطراف التي يسمح لها بالدخول لحلبة النزاع في سوريا والعراق، كتركيا ودول الخليج، تم استثمارها لخدمة اللاعبين الاثنين الأقوياء، ايران وروسيا.
القدس العربي