“كنت أسمع من العائدين إلى بلدي نيبال عن فرص عمل متنوعة في العراق تقابلها بطالة متوحشة عندنا، ربما لم أكن متحمسا في بداية الأمر للسفر، لكن ما شاهدته من رفاهية لدى الراجعين إلى البلاد ومن تحسّن ملفت للنظر في المستوى المعيشي الذي قربهم من طبقة الأغنياء في أعوام وجيزة، جعلني على قناعة تامة بأن السفر إلى العراق فرصة لا تعوض”، هكذا كانت بداية الرحلة للنيبالي “لُك حكم” في البحث عن العمل في العراق.
ويكمل حكم حديثه للجزيرة نت بأنه عندما وصل للعراق عام 2016 لم يتفاجأ من كثرة العمال من بلاده ومن بنغلاديش، مشيرا إلى أن التجار في العراق يفضلون العامل النيبالي على العراقي، وهو ما شجع النيباليين على القدوم والاستقرار وإحضار بعضهم أسرهم.
تخبط حكومي
فقدان الضوابط بات أمرا طبيعيا في ظل ضعف وتخبط الحكومة في قراراتها، حسبما يقول أستاذ القانون التجاري والشركات في كلية الحقوق في جامعة تكريت الدكتور ممتاز مطلب خبصي، معتبرا أن ذلك أدى لتوافد أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية صاحب التطورات التي يمر بها العراق منذ 2003 حيث شهد انفتاحا على مختلف الصعد.
وأشار خبصي إلى وجود كارثة تشريعية، إذ إن قانون العمالة الأجنبية اشترط على العامل الوافد الحصول على إجازة العمل بمدى حاجة العراق إلى الأيدي العاملة الأجنبية، ولم ينص على شرط الكفاءة الذي من المفترض توفره في العامل الأجنبي في حال عدم توفرها في العامل العراقي.
ولم يذهب الخبير الاقتصادي همام الشماع بعيدا عما قاله خبصي، مشيرا إلى إهمال الحكومة الموضوع بشكل مفرط رغم أهميته، ومؤكدا على عدم وجود أي مناقشات في هذا الصدد تحت قبة البرلمان، وأن هذا التجاهل سبب لتفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة.
بحجة افتقار العامل العراقي للمهارات في العمل والتطوير، تمادت الشركات العاملة ومكاتب التوظيف في استقدام العمالة الأجنبية وخاصة الآسيوية منها، لكن الحقيقة تكمن في ضعف أجر العامل الأجنبي مقارنة بالعراقي، وهي المعضلة الأساسية كما يراها خبصي وأيّدها الشماع، الذي أشار إلى أن ارتفاع إنتاجية العمال الأجانب سبب رئيسي يوازي انخفاض أجورهم.
وأضاف الشماع أن العمال الأجانب في الأغلب لا يطالبون بإجازات يومية أو استراحات طويلة كون أغلبهم يسكن في مكان العمل أو قريب منه بخلاف العامل العراقي.
ظاهرة العمالة الأجنبية أشبه بتهريب شرعي للأموال العراقية، فقد وصل عدد الأجانب العاملين عبر تعاقد الشركات الأجنبية مع القطاع الحكومي إلى 200 ألف عن طريق 1022 شركة، بحسب إحصائيات شارك فيها خبصي مع جهات مختصة، مشيرا إلى صحة ما قاله الشماع بوجود آلاف دخلوا بطرق غير قانونية لم يتم احتسابهم.
ولفت خبصي إلى أن الأعداد الكبيرة من العمالة الأجنبية فسحت المجال أمام حوالات بمليارات الدولارات سنويا تخرج من العراق عن طريق العاملين الأجانب، وهو استنزاف لاقتصاد البلاد وقد يودي به للموت السريري.
المخالفة القانونية
القانون العراقي رقم 137 لسنة 2016 أقر ضمان العمل للشاب العراقي في المادة الرابعة من الفصل الثاني للعمل باعتباره حقا لكل مواطن قادر عليه، وتعمل الدولة على توفيره على أساس تكافؤ الفرص دون تمييز.
كما حدد القانون العراقي نسبة العمال الأجانب في المؤسسات الخاصة عند نسبة 5%، بحسب ما أوضحه المحامي الاستشاري في محكمة أربيل (شمالي العراق) حتم جعفر شريف، إلا أنه عزا السبب في انفلات الضوابط وتخطيها إلى بعض الشركات التي تعمد إلى التحايل على القانون بالاتفاق مع مكاتب استقدام اليد العاملة الأجنبية وتهريبهم إلى سوق العمل، وبالتالي أدت إلى ازدياد البطالة في البلاد.
واعتبر أن الحل الأمثل لتفادي هذا الانفلات هو صياغة البرلمان قوانين صارمة، وضرورة تدخل نقابة العمال لضبط الإنتاجية لتشجيع تشغيل اليد العاملة المحلية.
انعكاسات سلبية
تفشي البطالة بين العراقيين دفع إلى لجوء البعض إلى طرق مشبوهة للحصول على المال، فنشطت تجارة المخدرات وكثر الحديث عن حالات الانتحار وارتفاع عمليات الخطف والاغتصاب والسرقات.
المصدر : الجزيرة