بعد قيام الحرس الثوري الإيراني – الخميس الماضي- بإسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار ، سواء كان الإسقاط داخل الأجواء الإيرانية أو فوق أعالي البحار، ذلك اليوم، لم يكن يوما عاديا في تاريخ ترامب السياسي، ففيه عاش لحظات عصيبة وأوقاتا دقيقة كان عليه أن يتخذ خلالها قرارا لم يكن يسيرا بأي حال، فكيف أدار الأمر؟ وكيف مرت تلك الساعات “العصيبة” وربما الطويلة في البيت الأبيض؟
تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية “سي إن إن” و “نيويورك تايمز” و “واشنطن بوست” خبر مفاده ان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وافق على خطة لضرب أهداف إيرانية. ثم أفادت وسائل الإعلام بأن ترمب تراجع في اللحظة الأخيرة عن تنفيذ تلك الضربة بعد تلقيه اتصال مطول من رئيس الوزراء الإسرائلي بنيامين نتنياهو. فما تناقلته وسائل الإعلام عن تراجع ترمب عن الضربة مجرد استهلاك إعلامي للداخل الأمريكي وخارجه.
ونظرًا لأهمية إسقاط الطائرة الأمريكية والرد الأمريكي عليها فإن مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، يرى أنه لم يكن هناك أية ضربة أمريكية على أهداف إيرانية وأن ترمب لم يكن بحاجة إلى اتصال من نتنياهو كي يتراجع عن قراره. وهناك عدة مؤشرات تدل على صحة التحليل السياسي لمركز الروابط : أولًا: بأن الإدارة الأمريكية لم تطلب من أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بغداد مغادرة العراق، كما أنها لم تطلب من قواتها المسلحة رفع درجة حالة التأهب إلى أقصى مدى. ثانيًا: لم تقم الإدارة الأمريكية بإبلاغ أقرب حلفائها على المستوى الدولي والإقليمي والعربي بأن واشنطن تعتزم توجيه ضربة عسكرية في العمق الإيراني ويمكن أن نستدل على ذلك بأن حلفاء واشنطن من الدول في العراق لم تطلب لبعثاتها الدبلوماسية في بغداد مغادرة العراق. فأي قرار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في استهداف إيران عسكريّا دون علم حلفائها سيجعلهم عرضة للإستهداف الإيراني في العراق. لذلك يتوجب على واشنطن إبلاغ حلفائها بقرار بهذا المستوى من الخطورة. وهذا ما لم يحدث. وعليه فإن هذه المؤشرات الدقيقة تنسف كل التقارير الإعلامية الأمريكية وغيرها بأن هناك نية أمريكية للرد على إيران.
هناك لوبيان يتنافسان داخل البيت الأبيض في الأسلوب الذي يجب أن يتم التعامل به مع إيران وخاصة بعد استهداف الحرس الثوري طائرة الإستطلاع الامريكية، الأول: وهو اللوبي القوي الذي يتزعمه مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي يرى من الضروي بمكان اتباع سياسة حازمة جدا مع طهران كاستخدام القوة العسكرية لردعها. أما الثاني أقل حضورًا في الإدارة الأمريكية من اللوبي الأول، والذي يمكن أن نطلق عليه بأنه اللوبي العقلاني الذي يدعو إلى الركون إلى الأدوات الدبلوماسية في التعامل مع إيران وتحييد الخيار العسكري قدر الإمكان لما له من نتائج قد تكون مؤلمة ليس فقط على الإدارة الأمريكية وإنما على الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الوقت الراهن الغلبة للوبي الثاني على الأول في البيت الابيض بمعني ليس هناك أي نية في توجيه ضربة أو ضربات عسكرية ضد إيران ولكن كما يقول المثل “للصبر حدود” بمعنى على طهران أن لا تستمر بالقيام بأعمال من شأنها استفزاز واشنطن، هذه المرة -ربما- استوعبت واشنطن اسقاط طائرتها من قبل طهران. لكن في المرة القادمة ربما لا طاقة لها على قبول اي اعتداء إيراني جديد، فاستفزاز طهران المتكرر لواشنطن قد يفتح باب الاحتمالات وقد تحدث كوارث لا يحمد عقباها.
وقد تكون هناك عوامل أخرى تؤخر أو تؤجل الضربة الأمريكية على إيران، منها الانتخابات الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر القادم، والانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020، ويبدو أن نتنياهو وترمب لا يرغبان بأية مفاجآت غير سارة في حال الحرب مع إيران قد تؤثر على مستقبليهما السياسي.
إيرانيّا، كانت الدولة الإيرانية في حالة تأهب شديدة لأية ردة فعل أمريكية، فالدولة الإيرانية بشقيها دولة الحرس الثوري والدولة الموازية له دافعت بكل قوة على استهداف الطائرة الأمريكية، وأن قرار استهدافها لم يكن قرارا “غبيا” كما أدعى ترمب، وإنما القرار الإيراني مدروس بعناية فائقة. ولاشك أن الاستهداف الإيراني سيكون الرد الأمريكي عليه اقتصاديًا لذلك ربما قررت الدولة الإيرانية بأعلى مستوياتها التكيف مع العقوبات الأمريكية عليها، والتي تصل إلى مستوى الحصار الاقتصادي.
أما عراقيًا: اللية الماضية كانت أطول الليالي وربما أصعبها على عراق ما بعد عام 2003م، فقد عاش العراق حالة من الترقب الشديد لما ستؤول إليه الأوضاع بعد الاستهداف الإيراني للطائرة الأمريكية، لأنه في حال اشتعال الحرب بين واشنطن وطهران فإن جغرافية العراق ستكون الحلبة الرئيسة لتلك الحرب.
خلاصة القول إن سلوك إيران المستند على استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية يقابله استراتيجة أمريكية متصاعدة ذاث ثلاث أبعاد ؛للتجاوب معه: عزل إيران دبلوماسيّا على المستوى الدولي، وعقوبات اقتصادية تصل إلى مستوى الحصار الإقتصادي، والتكثيف العسكري الأمريكي في الخليج العربي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية