ترمب فعل مع إيران ما فعله كيندي مع كوبا!

ترمب فعل مع إيران ما فعله كيندي مع كوبا!

أسقطت إيران طائرة «درون» أميركية، فأعلنت كل شركات السفر العالمية عدم المرور فوق أجوائها. ثم إن أميركا لم ترد عسكرياً وبرر الرئيس دونالد ترمب ذلك بتجنب قتل 150 مواطناً إيرانياً. ثم قال: لست في عجلة من أمري. لكن ما هي الأهداف التي كانت تلاحقها أميركا، وما هي الطائرة التي أسقطتها إيران؟ جنرال بريطاني سابق عمل في العراق وأفغانستان مع القوات الأميركية يقول إنها طائرة استراتيجية، ليست صغيرة الحجم، بل هي بحجم طائرة بوينغ 737، طولها 54 متراً، وطول أجنحتها 140 قدماً، تستطيع أن تحلق لمسافة 14 ألفاً و500 ميل، وتبقى 32 ساعة في الفضاء، يمكنها أن تراقب مساحة بحجم آيسلندا في مهمة واحدة. إنها طائرة كبيرة كلفتها نحو 123 مليون دولار ومن السهل إسقاطها في مجال جوي متنازع عليه. لم تكن ضمن مجموعة من الطائرات للدفاع عنها ولا تحمل أسلحة وحمايتها الذاتية محدودة جداً. تختبئ بتحليقها على علو ما بين 40 و60 ألف قدم. إنها هدف سهل نسبياً لمنظومة الدفاع الجوي المرتفعة التي تمتلكها إيران. لكن ماذا كانت تفعل الطائرة؟ يقول إنها متقدمة جداً، لديها رادار وقادرة على التقاط مجموعة من الصور تدعم إيجاد الأهداف، لكن حسب اعتقادي كان دورها مجرد مراقبة.

أسأل: أميركا تقول إنها كانت في الأجواء الدولية وتدعي إيران أنها كانت في أجوائها؟ يجيب: إن عرض مضيق هرمز هو 21 ميلاً، تقول إيران إن 12 ميلاً منه يدخل في مجالها الجوي ولعُمان الأميال الباقية. ربما في حالة الطائرة، كانت تحلق بحذر على حدود ما نسميه المجال الجوي الدولي، وفسرت إيران الأمر بأنه داخل أجوائها، «لن نعرف حقيقة ذلك».

ثم حدث ما لم يكن متوقعاً، إذ تراجع القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية الرئيس ترمب في اللحظة الأخيرة عن توجيه الضربة العقابية. يذكرنا هذا بأزمة الصواريخ الكوبية على زمن جون كيندي، لكننا في زمن مختلف ومقاييس مختلفة؟ يوضح محدثي: علينا العودة إلى تلك الأزمة لنعرف ما إذا كانت المقاييس مرتفعة مثل الآن ولنعرف الحسابات. لا أستطيع أن أتذكر خلال الحرب الباردة أن دولة وبالذات الولايات المتحدة تعلن أنها ستضرب ثم تتراجع وتعلن عن ذلك. هذا أمر غير معقول ولا يمكن فعله مرتين.

وماذا بالنسبة إلى مقتل 150 إيرانياً، ما كانت تلك الأهداف؟ يوضح: ما فهمناه أن أميركا كانت ستقصف القاعدة التي انطلقت منها تلك الصواريخ التي أسقطت «الدرون»، وتقصف الرادار الذي يدعمها ومرافق التحكم. كانت ستنفذ في الليل لأن قلة يكونون في العمل، وعدد 150 يعتمد على عدد الأهداف التي كانت محددة.

بعد ضرب ناقلات النفط من قبل إيران وإسقاطها طائرة الدرون والتراجع الأميركي ما الذي سيحصل لاحقاً؟ يقول: لا يوجد نص مكتوب لهذه الأمور ولا وجود لقواعد اللعبة. إذا التزم الطرفان الحكمة لن يحدث شيء. يمكنهما إيجاد طريقة تفاوض للخروج من هذه الورطة والعيون كلها شاخصة باتجاه مؤتمر الدول الصناعية العشرين. من ناحية أخرى، إذا تصرفت إيران بطريقة عسكرية مرة أخرى، فلا شيء سيمنع أميركا من الرد، ولا يعرف أحد ما الذي سيحصل. سيكون ممر النفط في مضيق هرمز في خطر، وسيقوم عملاء إيران في العراق وسوريا بعمليات ضد المصالح الأميركية، وفي أقصى الحالات قد تلجأ إيران إلى استعمال الصواريخ الباليستية التي تضرب على مدى 2500 كلم في المنطقة، أو استعمال الصواريخ الباليستية المضادة للسفن. إذا وصلنا إلى هذه الحالة عندها سنرى وزن القوة العسكرية الأميركية بأبعد وأوسع حالاتها، سيتم تدمير القوات الإيرانية التقليدية وربما اقتصاد إيران.

أقول: تقول إيران إنها قوة عسكرية وناجحة في الهجمات الطارئة؟ يرد محدثي: في هذه الحالة علينا أن نشير إلى أن أميركا تنفق 700 مليار دولار سنوياً على الدفاع وإيران تنفق 20 ملياراً. إذا وصلنا إلى حرب تقليدية أكرر سنرى تدمير القوات العسكرية الإيرانية وتدمير بنيتها التحتية واقتصادها. لنتذكر ما جرى مع القوات العراقية عندما غزا صدام حسين الكويت، ولقد رأينا مؤخراً كيف أن إيران لم ترد إطلاقاً على قصف إسرائيل لمواقعها في سوريا. إن إيران تفعل المستحيل لتجنب حرب تقليدية، ثم إن أميركا تعرف أن الوقت لصالحها فالعقوبات تؤذي إيران كثيراً، وتستطيع واشنطن بالتالي ألا تلجأ إلى المواجهات التقليدية.

جماعات إيران تعتقد أنها انتصرت بإسقاط طائرة الدرون، لكن ماذا عن الحرب الاقتصادية والعقوبات التي شلت إيران منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي العام الماضي؟ وماذا عن وضع الشعب الإيراني؟ يقول صحافي إيراني: لا يمكن التحدث مع الناس هذه الأيام، إنهم غاضبون، لا يستطيعون شراء حاجياتهم وعلى الإيراني أن يعمل في أكثر من وظيفة لإعالة عائلته. إذا قمتِ بزيارة إلى المحلات أو المخابز تلاحظين غضب الناس. لا يتكلمون مع بعضهم، لا حوار بينهم، لأن الواضح أن الكل يعاني مالياً، وليس هناك عدد كبير يتسوق. إن الأخبار ليست جيدة. الناس لا يستطيعون دفع إيجارات منازلهم، أو فواتيرهم، الكل واقع في الديون، حتى إنهم غير قادرين على أخذ قروض من المصارف لأن النظام المصرفي غير عادل، إذا كنت تكسبين المال في نهاية كل شهر، يعطيك البنك قرضاً، لكن إذا كنت موظفة عادية، فانسي.

وماذا بالنسبة إلى الأدوية؟ يقول: النظام الصحي هنا مافيا كبيرة، إذا احتاج أحدهم إلى جراحة طارئة عليه أن يدفع سراً إلى الطبيب من أجل القفز فوق الطابور، وليس كل إيراني قادراً على ذلك لأن الفساد طال كل شيء في إيران حتى نظام الطبابة، أما مرضى السرطان فإنهم يموتون لأنهم لا يتحملون تكاليف الأدوية.

طوال 40 عاماً ركزت الحكومات الإيرانية كل جهودها على العاصمة وتغاضت عن الحاجات الأساسية التي يحتاجها أبناء القرى. مثلاً فيضانات 22 مارس (آذار) الماضي، كانت المسمار الأخير في نعوش الفقراء، الحكومة وقفت تتفرج، إن الوضع ميئوس منه!

الملاحظ حسب التقارير أن غضب الإيرانيين ينصب على بعضهم، والآن يصبون كل غضبهم على الحكومة التي تقول إنها لم ترتكب أي خطأ والتزمت بالاتفاق النووي. صاروا يسمون الرئيس حسن روحاني بـ«البطة العرجاء»، فهو وعد بعد الاتفاق بأن الحياة ستصبح وردية، لكن الأموال التي تسلمتها القيادة بعد توقيعه لم يستفد منها الشعب الإيراني بل العملاء وجيوشهم. كان الاعتقاد بأن الأموال لن تتوقف، حتى جاء ترمب وسحب أميركا، وحتى الآن يقول: لا إيران نووية ولا إيران راعية للإرهاب. روحاني لم يعد يملك أي سلطة إطلاقاً والشعب لا يثق به. وحتى فترة وجيزة كان هناك الإصلاحيون والمتشددون لكن الشعب الإيراني لم يعد يصدق أو يثق بأحد منهم. لم يعد يثق بالسياسة. الشعب الإيراني استسلم.

لقد قيل الكثير بأن إيران إذا تعرضت لأي هجوم من الخارج فإن الشعب سيلتف حول قيادته. يستبعد مراقب إيراني أن يلتقي الإيرانيون ضد أميركا ويتحلقوا حول قيادتهم أو الحكومة. هذا لن يحصل. لم يعد الإيرانيون عابئين بأي شيء لا سيما سياسييهم وقادتهم المدنيين والدينيين. الكثيرون فرحوا لفرض ترمب عقوبات على المرشد الأعلى نفسه. «لقد أعاده إلى حقيقة نسيها وهو أنه بشر».

إنها حروب داخل حروب تعيشها إيران ويدفع ثمنها الشعب الإيراني.