في 26 يونيو/حزيران، قامت مجموعة تتخذ من السعودية مقرا وتتبع تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو ما يعرف باسم «داعش»، بشن هجوم إرهابي على مسجد الإمام الصادق التاريخي، الواقع في قلب العاصمة الكويتية. وقد فجر الانتحاري نفسه بحزام ناسف بينما كان بين 2000 من المصلين الشيعة في صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل 27 وإصابة ما يزيد على 227. ويؤكد الهجوم، الذي تم شنّه خلال شهر رمضان المبارك، نية داعش إثارة الفتنة الطائفية ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضا في الممالك العربية الصغيرة في منطقة الخليج.
طوال العقد الماضي لم تشهد الإمارة الغنية والمستقرة نسبيا، الكويت، اضطرابات الفوضى والعنف الطائفي التي عاثت فسادا في الدول العربية الأخرى. والمرة الأخيرة التي شهدت الكويت عملا من أعمال الإرهاب على هذا النحو كان في عام 2005، عندما قامت إحدى المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، كانت تسمي نفسها أسود الجزيرة، بتبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في مدينة الكويت، ما أدى إلى وفاة 13 شخصا. وكان هجوم يوم الجمعة الماضي بمثابة تطور خطير للسلطات الكويتية، والتي عليها أن تواجه حقيقة أن «داعش» قد وضعت عينها على الكويت، حيث ما يقرب من ثلث السكان من الشيعة. وعلاوة على ذلك؛ فإن احتمال أن الهجوم الإرهابي تم بالتنسيق مع الشبكات المحلية هو دليل إضافي على أن «داعش» لديها موالين بين السلفيين المتشددين في الكويت.
وبعد وقت قصير من الانفجار، نشرت «ولاية نجد» التابعة لـ«داعش» رسالة على تويتر تعلن مسؤوليتها. وذكرت الرسالة أن واحدا من أعضائها فجر نفسه في «معبد الروافض»، في إشارة مهينة للشيعة. وكانت مقاطعة نجد أيضا وراء هجمات مميتة على المساجد الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية خلال صلاة الجمعة يوم 22 و29 مايو / أيار.
وبعد يومين من الهجوم الذي وقع في الكويت، حددت السلطات الشاب المواطن السعودي «فهد سليمان عبد المحسن آل القباع» على أنه الانتحاري الذي قام بالهجوم. وقال مسؤولون إنه كان قد طار إلى مطار الكويت الدولي من البحرين عدة ساعات قبل أن يفجر نفسه، ويعني التوقيت أنه قد تم بالتعاون مع الشبكة المحلية. ويبقى من غير الواضح إن كان الهجوم مرتبطا بشكل مباشر بالهجومين الآخرين (إما بتدبير داعش أو مستوحى منها) واللذين وقعا في فرنسا وتونس في نفس اليوم.
خمسة من المشتبه بهم على صلة بهجوم إرهابي يواجهون إجراءات قانونية. وقالت وزارة الداخلية إن السائق وصاحب السيارة اليابانية الصنع التي حملت القباع إلى مسجد للشيعة تم حبسهم. السائق الذي قيل إنه مقيم غير شرعي، يبلغ من العمر 26 عاما، اسمه «عبد الرحمن صباح إيدين»، وعثر عليه مختبئا في منطقة الرقة. وذكرت الوزارة أن صاحب المنزل الذي اختبأ به إيدين كان مواطنا كويتيا يعتنق «الفكر الضال» (وهو مصطلح تستخدمه سلطات الخليج العربي للإشارة إلى داعش) وتم اعتقاله بعد قليل من الهجوم. وألقي القبض على شقيق صاحب السيارة وشقيق صاحب المنزل أيضا لتورطهم المزعوم.
وبينما تبدو الكثير من الحقائق المحيطة بالهجوم على مسجد الإمام الصادق لا تزال غير معروفة للجمهور، فإن هناك الكثير لقوله عن السياق الذي بموجبه استهدفت «داعش» الكويت، والتحديات التي تواجه المسؤولين الكويتيين لإحباط الهجمات الإرهابية الوهابية في المستقبل.
العلاقات الطائفية في الكويت
وفي العقود الأخيرة عاشت الأغلبية السنية والأقلية الشيعية في انسجام تام، لم يعهده أحد في بلدان مجاورة مثل العراق. حالة العلاقات الودية بين السنة والشيعة في الكويت تعزى إلى حد كبير إلى النظام الملكي بعد أن منح الشيعة المساواة في الحصول على المنافع العامة (الرعاية الصحية والسكن والتعليم ودعم الوقود والوظائف الحكومية، وغيرها)، وكذلك إدراجهم وتمثيلهم في البرلمان الوطني.
ومنذ الإطاحة بـ«صدام حسين» في عام 2003، وما أعقبه من تمدد وانتشار للنفوذ الإيراني في العالم العربي، فقد ازدادت التوترات الطائفية في الدول العربية السنية الأخرى. لكن خلال هذا الوقت، عملت الأسرة الحاكمة على معالجة قضايا الأقلية الشيعية لتغلق الطريق على المتطرفين لاستغلال الموقف، كما عملت على دمج افراد شيعية في البرلمان سدا للطريق على الطائفية القبلية أن تتوغل.
وفي عام 2011، أرسلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قوات الأمن إلى البحرين للمساعدة في قمع الثورة ضد عائلة آل خليفة التي يقودها الشيعة. ولم تنشر الكويت قوات برية، ولكن بدلا من ذلك أرسلت قوة بحرية، وكانت إلى حد كبير لأغراض رمزية. ويؤكد محللون أن الأمير «صباح الأحمد الجابر الصباح» جعل هذا التحرك ليتم قياسه من أجل إظهار التزام مملكته بوحدة مجلس التعاون الخليجي، في حين تجنب بعناية تصاعد التوترات الطائفية في الداخل.
ومع ذلك، فقد لعبت المعارك الطائفية في منطقة الشرق الأوسط في المشهد السياسي الكويتي، ما يؤكد كيف أن المملكة ليست محصنة تماما من التوتر بين السنة والشيعة. وفي 9 يونيو/حزيران 2011، اعتقلت السلطات الكويتية «ناصر أبل»، وهو مدون شيعي، لانتقاده تعامل الأنظمة السعودية والبحرينية للشيعة. وأطلقوا سراحه بعد عدة أشهر. وبعد أسبوع واحد من شن التحالف العسكري الذي تقوده الرياض عملية عاصفة الحزم، اعتقلت السلطات الكويتية «خالد الشطي»، وهو محام شيعي وعضو البرلمان السابق، لاستخدام وسائل الاعلام الاجتماعية لانتقاد الحملة السعودية في اليمن. ووجهت اتهامات للشطي بــ «تحدي الأمير وإضعاف معنويات الجنود الكويتيين، والإساءة إلى المملكة العربية السعودية، وتهديد العلاقات السعودية مع الكويت».
وقد ساهمت الأزمة السورية أيضا في التوتر الطائفي في الكويت. وفي حين حاولت الكويت لعب دور إنساني إلى حد كبير في سوريا، فقد استخدمت عددا من الكويتيين الأثرياء في الجمعيات الخيرية الإسلامية لتوجيه عشرات (إن لم يكن مئات) الملايين من الدولارات إلى الجماعات المتطرفة التي تقاتل النظام البعثي في دمشق. وفي مايو/أيار الماضي، استقال وزير العدل والشؤون الإسلامية في الكويت «نايف العجمي» من منصبه بعد أن اتهمه وكيل الولايات المتحدة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين بجمع التبرعات لجماعات تنظيم القاعدة في سوريا. وجاءت الاستقالة بعد عدة أسابيع من وصف كوهين الكويت بأنها «بؤرة لجمع التبرعات للجماعات الإرهابية في سوريا»، وأكد أن تعيين «العجمي» بــ«تاريخه المشجع للجهاد في سوريا» كان «خطوة في الاتجاه الخاطئ»
وفي يناير/كانون الثاني، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن العشرات من الجهاديين الكويتيين يحاربون في ساحات القتال في سوريا. وفي السنوات الأخيرة؛ لم تشهد الكويت تراجع في أعداد الشباب السنة المسافرين إلى منطقة البلقان والقوقاز وأفغانستان والشيشان والعراق للمشاركة في بعثات الجهادية. وبعد تصاعد مشاركة حزب الله اللبناني في سوريا مايو/يونيو 2013، فإن الخطاب الطائفي من رجال الدين السنة الكويتيين قد ازداد كثافة ما أثار مخاوف بين الشيعة، وبعضهم سافر إلى سوريا للقتال إلى جانب «نظام الأسد».
الطريق إلى الأمام
بعد يوم من هجوم مسجد الإمام الصادق، تحدى الآلاف من السنة والشيعة الكويتيين درجات الحرارة في الصيف الحارق، وخرجوا إلى الشوارع حدادا على من مات. ولوح العديد بالعلم الكويتي في حين هتف آخرون «السنة والشيعة إخوة»، وزار الأمير المسجد وأعلن أن الذين يقفون وراء «الهجوم الإرهابي الجبان» سيفشلون في تقويض الوحدة الوطنية في الكويت.
ورغم أنه بلد مسلم محافظ يحرم الخمر، إلا إن الكويت ليبرالية جدا بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية المجاورة فيما يتعلق بالحريات الدينية والأعراف بين الجنسين. ويعرض العامة التضامن مع ضحايا الشيعة، وعدم وجود فتنة طائفية كبرى في المملكة تؤكد أن أيديولوجية داعش المتطرفة لا تتماشى مع غالبية السنة في الإمارة.
ومع ذلك، يجب على السلطات الكويتية ألا تنكر حقيقة أن «داعش» له أتباعه ومتعاطفين معه داخل الدولة الخليجية العربية. ويشير الهجوم الأخير إلى أنه قد يكون هناك تنسيق بين بين عناصر من داخل الكويت وأخرى في المملكة العربية السعودية بهدف التأثير على الاستقرار، واستهداف الشيعة الكويتيين في مسعى لتخليص شبه الجزيرة العربية من «الزنادقة» و«الروافض».
القيادة الكويتية لديها الآن سبب للخوف من تدبير أعمال إرهابية مماثلة تهدف إلى إثارة الفتنة في الإمارة. تطورات مماثلة مثيرة للقلق يمكن أن تضعف في النهاية موقف الكويت الفريد من نوعه كدولة مستقرة نسبيا ومتناغمة في المنطقة بسبب العنف الطائفي والإرهاب.
هافينغتون بوست
ترجمة: الخليج الجديد