أنشئ حرس الثورة الإيرانية في عام 1979 من قبل آية الله الخميني، وقد كان في البداية تنظيمًا شبه عسكري، ولم يتوقّف بعد ذلك عن تنويع مهامه؛ ليتوسّع نفوذهفي المجتمع والاقتصاد، وحتّى في السياسة الداخلية والخارجية في إيران. ففي أيّ سياق أنشئ؟ وكيف تطوّر؟
الثورة الإسلامية في عام 1979 وظهور التنظيم
في يناير 1979، بعد أكثر من عامين من المظاهرات الشعبيّة ضدّ نظامه، أجبر شاه إيران محمّد رضا بهلوي على مغادرة الحكم. ويوم غرّة فبراير، عاد آية الله الخميني (الزعيم الديني للشيعة الإيرانيين) إلى إيران بعد 14 عامًا من النفي. وأشاد به الملايين من مواطنيه باعتباره أحد منسقي الثورة، وسرعان ما تمكّن من تحييد القوّات الموالية للشاه وأسّس (عبر استفتاء أجري يوم 1 أبريل 1979) الجمهورية الإسلامية.
وبعيد بضعة أسابيع فقط من الإعلان عن النظام الجديد، أسّس الخميني بمرسوم صدر يوم 5 مايو 1979 الـ “سپاه پاسداران” -پاسداران من پاسدار بالفارسية والّتي تعني الحرس- انقلابًا إسلاميًا (حرس الثورة الإسلامية)؛ وكلّف عناصره المعينين بعدّة مهامّ رسمية، مثل محاربة الثورة المضادّة ومكافحة نفوذ القوى الكبرى في إيران والتعاون مع الجيش الوطني والعمل من أجل تأسيس الجمهورية الإسلامية.
فلماذا قرّر حاكم الدولة الجديد إنشاء هذا التنظيم شبه العسكري في حين كان بإمكانه تكليف الجيش الإيراني بهذه المهام؟ في الواقع، في الأشهر الأولى الّتي تلت الثورة، لم يعط الخميني ثقته الكاملة للجيش؛ إذ اعتبره لا يزال مرتبطًا بنظام الشاه؛ فلم يرغب في أن يعهد له بدور قيادي خشية من أن يتحوّل إلى قوّة معارضة. ومنذ ذلك الحين، قسمت المادّة الثالثة من دستور الجمهورية الإسلامية القوّات المسلّحة في النظام الجديد إلى جسمين: الـ”أرتش” الجيش التقليدي، والـ”پاسداران” حرس الثورة.
وبات على الپاسداران، المكوّن من العناصر الأكثر إخلاصًا للجمهورية والمختارين بعناية، العمل على حماية مكتسبات الثورة؛ في حين كان الأرتش مكلّفًا -شأنه شأن أيّ جيش تقليدي- بضمان أمن البلاد والدفاع عن الوحدة الترابية.
يعكس الحرس الثوري -الّذي أنشئ من قبل الجمهورية الإسلامية ومن أجلها- مُثلها ورمزيّتها الشيعية. ومن أجل تحقيق الأهداف الموكلة إليه، بات على الحرس الثوري أن يصبح تشكيلًا ذا بعد ديني؛ إذ بعيدًا عن الخصال العسكرية البحتة، ينتدب عناصره لتقواهم وإخلاصهم الثابت لنظام الخميني. ولئن وقع اختيار اللون الأخضر ليكون لون ملابس الپاسداران، فإنّ اختياره لم يكن تقليديًا؛ حيث إنّ اللون الأخضر يستخدم عادة للزيّ الموحّد العسكري؛ بل لأنّه يعتبر مرجعية للرسول محمد والإسلام.
وأخيرًا، استخدمت جميع الأساطير المتعلّقة ببدايات التشيّع من أجل انخراط الحرس الثوري في استمرارية لتاريخ هذا المذهب الإسلامي؛ إذ يحتفل سنويًّا بالپاسداران في يوم ميلاد الإمام الحسين -الابن الثاني للإمام علي الّذي استشهد في عام 680 خلال معركة كربلاء ضدّ الخلافة الأمويّة. وغالبًا ما تستحضر هذه الشخصية الإسلامية -الرمزية للكفاح ضدّ الظلم والقوى السنيّة- للتأكيد على شرعية الپاسداران.
المراحل الكبرى من التاريخ السياسي والعسكري للپاسداران:
- مرحلة ما بعد الثورة (1979–1980)
فرض الحرس الثوري الإيراني نفسه تدريجيًا كتنظيم شبه عسكري رئيس للنظام الإسلامي، ولم تكن هيمنته واضحة للغاية في أعقاب الثورة؛ ففي عام 1979 لم تكن الجمهورية إسلامية حقًّا، باعتبار أنّ الإطاحة بالشاه كانت نتيجة مشاركة أنصار الخميني والقوميين والليبراليين وأيضًا الشيوعيين؛ حيث سعت كلّ حركة للدفاع عن مصالحها، ولم يكن بإمكان آية الله الاستيلاء على السلطة مباشرة. وعلى سبيل المثال: لم يكن رئيس الحكومة المؤقتة (مهدي بازركان) مصطفًا تمامًا خلف أفكار الخميني، ورغب في إنشاء نظام أكثر ليبرالية وأقلّ اعتمادًا على الدين الإسلامي، مفضّلًا الاستمرار في اللجوء إلى القوّات العسكرية الكلاسيكية بدلًا من الپاسداران.
في الأيّام الأولى للجمهورية، كان على الحكومة مواجهة بعض التهديدات الّتي تتشكّل على وجه الخصوص من قبل الملكيين. ولكن كانت القوّات المسلّحة أقلّ فعالية في مواجهة المتمرّدين من الپاسداران الّذين يتحرّكون خارج سيطرة الحكومة ويستجيبون مباشرة إلى أوامر آية اللّه. تدريجيًا، سعى الحرس الثوري إلى فرض شرعيته من خلال تقديم نفسه كأفضل ضامن لأمن الجمهورية.
بعد سقوط حكومة بازركان يوم 11 نوفمبر 1979، أنشأ الخميني كيانًا جديدًا: ميليشيات بسيج. ومثل العديد من الأنظمة المنبثقة عن الثورات، شكّلت الجمهورية الإيرانية جيشًا شعبيًّا حقيقيًّا.
ومن خلال تعيينات كبرى من بين أنصار آية الله، كلّفت البسيج بالتلقين والقضاء على المعارضات الداخلية، كما كان التنظيم الملقّب بـ”شبكة المعلومات ذات الـ36 مليون عنصر” مكلّفًا بتقديم معلومات إلى أجهزة المخابرات؛ وبالتالي أضيفت البسيج بعد أقلّ من عام من إنشاء الپاسداران إلى القوّات الموالية للخميني، وسرعان ما استخدمت لقمع الانتفاضات الشيوعية والكردية وتجنّب محاولة الانقلاب في يوليو 1980. ثمّ تعزّز نفوذ الپاسداران والبسيج على وجه الخصوص خلال الحرب الإيرانية العراقية (حرب الـ8 سنوات بين عامي 1980 و1988).
- الحرب الإيرانية العراقية (1980–1988)
بمبادرة من الرئيس العراقي صدام حسين، كانت الحرب اختبارًا كبيرًا للجمهورية الإيرانية الشابّة. ومع ذلك، كانت وسيلة لتوطيد دعائمها وتعزيز سلطات رجال الدين الشيعة؛ ففي الأشهر الأولى للحرب، تعرّضت القوّات الإيرانية إلى نكسات ثقيلة؛ حيث واصل الجيش العراقي غزو إيران في سبتمبر 1980. وفي الوقت نفسه، ضعف النظام الإيراني بسبب الاضطرابات الداخلية. وردًّا على الهجوم على مقرّ حزب الخميني من قبل حزب مجاهدي خلق الماركسي (سازمان مجاهدين خلق إيران) في 9 فبراير 1981، أعدم البسيج 7 آلاف من أعضائه. استبعدت قوّات البسيج من الجبهة العراقية لانعدام خبرتها؛ لتنشغل بحماسة بالأمن الداخلي.
ولكن، في مواجهة انتكاسات الأرتش (القوّات العسكرية التقليدية)، أرسلت قوّات البسيج في نهاية المطاف إلى ساحات القتال بهدف تعويض نقص التدريب والمعدّات لعناصر الميليشيات بشبابهم وحماسهم الديني وعددهم الكبير (نحو 200 ألف عنصر). واعتقد زعيم البسيج (حجّة الإسلام سالك) أن التكتيكات العسكرية التقليدية ولّى زمانها وابتكرت قوّاته ببراعة “فنّ الحرب الإسلامية”، أمّا الپاسداران فاستفادوا من جانبهم من هذا التغيير الاستراتيجي باعتبار أنّهم يؤطّرون معظم عناصر الميليشيات ويدرّبونهم.
في عام 1982، مرّ النظام الإيراني على ما يبدو بمرحلته الأكثر أهمية وتفادى وقوع كارثة. ففي يونيو، غادرت معظم قوّات صدام حسين الأراضي الإيرانية، ورفض الخميني -الّذي انتخب رئيسًا في نهاية السنة السابقة- رغم ذلك مقترح السلام الّذي تقدّم به الرئيس العراقي بناءً على نصائح الپاسداران المقتنعين آنذاك بضرورة الحرب لتعزيز سلطتهم وشرعيتهم. وفي ذلك العام، تمّ افتتاح وزارة الحرس الثوري وتكرّست أهميتها. وأخيرًا في عام 1986، أدرجت وحدات بحرية وجوية في الحرس الثوري الّذي كان مقتصرًا حتّى ذلك الحين على الدور البريّ.
- من أعقاب الحرب إلى انتخاب أحمدي نجاد (1988-2005)
هل شكّلت الحرب الإيرانية العراقية ذروة الحرس الثوري؟ بعد الصراع، وجد الحرس الثوري نفسه أقلّ تأثيرًا على السياسة الداخلية للنظام. انتهت الفترة الثورية مع وفاة الخميني في عام 1989 وتعيين خامنئي مرشدًا أعلى جديدًا، ولم يتمّ تحديد دور الپاسداران بوضوح في فترة السلام، وتزايدت الإشاعات القائلة بأنّ الطبقة الحاكمة الجديدة في إيران تفكّر في تسريحهم. ولكن، بالنظر إلى المصلحة الاستراتيجية والأيديولوجية؛ تمّ الحفاظ على حرس الثورة الإسلامية مع القيام ببعض التغييرات.
إذا كانت الحماية الداخلية للجمهورية الإسلامية لا تزال رسميًّا من بين صلاحية الحرس الثوري الإيراني، فإنّه يواجه منافسة من قبل وزارة المخابرات والأمن القوميّ ومن قبل قوّات تطبيق القانون التابعة لوزارة الداخلية الّلتين أسستا على التوالي في عامي 1984 و1992. وعلاوة على ذلك، في عام 1989، استخلصت الحكومة الدروس من نقص التنسيق بين الأرتش والپاسداران خلال الصراع مع العراق؛ وقرّرت بالتالي إلغاء وزارة الحرس الثوري وتجميع القوّتين في كيان جديد: وزارة الدفاع ودعم القوّات المسلّحة.
وفي الوقت نفسه، كلّف الحرس الثوري الإيراني فيما يتعلّق بالقضايا الخارجية للجمهورية، بداية من السنوات الـ 1990، بقيادة وحدة جديدة: قوّة القدس. وهي بمثابة تشكيل سريّ لقوّات النخبة، مكلّف بتصدير الثورة وخدمة مصالح النظام خارج الحدود الإيرانية.
دشّن الرئيس الجديد رافسنجي (الّذي انتخب في عام 1989) مرحة التحرّر الاقتصادي الهادفة إلى تحديث البلاد وإعادة بنائها بعد أنّ خرجت مفقرة من حرب الـ8 سنوات. وفضلّ ببراغماتية تحييد جزء من السلطة السياسية للحرس الثوري من خلال حثّه على الدخول في الدائرة الاقتصادية لموازنة ميزانيته.
على الرغم من طرده النسبي من السلطة السياسية الداخلية، أُوكل دورٌ جديدٌ إلى الپاسداران في عام 1991. ففي ديسمبر، تمّ التصويت على قانون يعطي لمجلس الحرس مسؤولية الموافقة من عدمها على ترشيح أحد السياسيين إلى منصب رئيس الجمهورية. وبات الحرس الثوري بذلك قادرًا على استبعاد المرشّح على أساس ديني (ليس تقيًّا بما يكفي، يشكّ في ولائه لرجال الدين وغيرها) ولم يتردّد في استخدام هذه الصلاحية لحماية مصالحه.
بداية من عام 1997 وانتخاب رجل الدين الإصلاحي محمّد خاتمي رئيسًا، استعاد الحرس الثوري أهميته السياسية؛ إذ إنّ برنامجه للتحرير الاجتماعي وتشجيع المجتمع المدني والتحول الديمقراطي أخاف المحافظين الّذين رؤوا فيه خطرًا على الجمهورية الّتي تصوّرها الخميني. ولئن وافق بعض أعضاء الپاسداران على نتائج الانتخابات؛ فإنّ العديدين قد ظهروا كأشد المنتقدين للزعيم الجديد. واستمرّ العداء بين الرجل القويّ الجديد في طهران والحرس الثوري في النموّ في السنوات الأولى لولايته.
في أبريل 1998، هدّد القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني (يحيى رحيم صفوي) رجل الدين الإصلاحي بقطع رأسه إذا ما استمرّ في تهديد النظام بسياسته. وفي عام 1999، أجبرت صحيفة سلام التقدمية على الإغلاق لكشفها عن مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بخاتمي؛ لتندلع يوم 8 يوليو مظاهرات طلابية ضدّ الرقابة في جميع أنحاء البلاد، ردّت عليها البسيج بمظاهرات مضادّة. ومن ثمّ؛ كتب عدّة قادة في البسيج والحرس الثوري يوم 12 يوليو رسالة مفتوحة إلى خاتمي يهدّدون فيها بالانقلاب إذا لم يقمع المظاهرين فورًا.
ولئن اعتقل العديد من الطلاّب، فإنّ خاتمي سعى لمواصلة برنامجه الإصلاحي؛ وأعيد انتخابه في عام 2001. ولكن، خلال فترة ولايته الثانية، بات تحت الهيمنة المتزايدة للمحافظين الّذين تعزّزت قبضتهم على المؤسسات الحكومية. وأخيرًا، تحوّل 91 نائبًا من أصل 154 في المجلس (البرلمان الإيراني) في 2004 إلى صفوف الپاسداران. فهل سيشهد الحرس عصرًا ذهبيًّا جديدًا؟
- ولايتا أحمدي نجاد (2005–2013) والثورة الخضراء في عام 2009
شهد عام 2005 انتصار محمود أحمدي نجاد، وبالتالي حكومة مواتية لمصالح الپاسداران؛ إذ إنّ الرئيس الجديد والعضو السابق في الحرس الثوري الإيراني قد ساهم إلى حدّ كبير في زيادة نفوذهم، بل يذهب البعض إلى حدّ القول بأنّ الحرس قد سمحوا مباشرة بصعوده إلى السلطة. وعلاوة على ذلك، أوكل 10 حقائب وزارية من أصل 25 في حكومته إلى الپاسداران والبسيج. وخلال فترة ولايته الأولى، منحت أغلبية مناصب السفراء ومدراء البنوك وحكّام المحافظات إلى رفاقه السابقين. وفي عام 2007، قرّر رسميًا وضع البسيج تحت قيادة الپاسداران موسّعًا إلى حدّ كبير من عدد الوحدات الخاضعة إلى سيطرة الحرس الثوري الإيراني.
في عام 2009، اعتبرت إعادة انتخاب أحمدي نجاد غير قانونية من قبل الآلاف من الإيرانيين الّذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على فوزه، وكان الپاسداران من بين المسؤولين الرئيسين عن قمع هذه “الثورة الخضراء”. كما اتّهموا أيضًا بتنظيم التزوير الانتخابي ليعكسوا خلال هذه الأحداث حجم نفوذهم. وفي عام 2013، نهاية ولاية أحمدي نجاد الثانية (ولم يعد بإمكانه الترشّح من جديد)؛ اتّخذت الاحتياطات اللازمة لمنع تكرّر المظاهرات. وهكذا تمّ اعتقال أنصار حسن روحاني -المرشّح المعتدل- لهتافهم برسائل داعمة لـ”موسوي”، المرشّح الخاسر أمام أحمدي نجاد في عام 2009. وأخيرًا، أصبح روحاني رئيس الجمهورية الجديد.
- الپاسداران وحسن روحاني (من 2013 إلى الآن)
هل سيردّ الپاسداران على انتخاب “معتدل” من خلال الالتحاق بصفوف المعارضة المحافظة مثلما فعلوا في ظلّ رئاسة خاتمي؟ لم يسعَ روحاني حتّى الآن إلى انتقاد حرس الثورة الإسلامية بشكل تواجهي؛ باعتبار أنّ الحرس لا يزال تابعًا في المقام الأوّل لخامنئي ولا يمكن أن يسعى الرئيس الجديد إلى الحدّ من نفوذهم دون موافقة آية الله.
عيّن الرئيس الجديد عددًا أقلّ من الپاسداران داخل الدولة، ولم يرفع من ميزانية حرس الثورة الإسلامية، كما حدّ من ميزانية البسيج. وفي ديسمبر 2014، تحدّث عن حجم الفساد في إيران ودعا إلى مكافحة الاحتكارات. ولئن تحدّث بشكل عام، فإنّ الكثيرين رؤوا في تصريحاته إشارة إلى الپاسداران، وسعى للحدّ من دورهم من خلال توجيههم نحو الدائرة الاقتصادية؛ مدركًا الأهميّة الاستراتيجية الّتي يشكّلونها في المجال الصناعي، ولكن راغبًا في تجنّب المنافسة مع القطاع الخاصّ.
وفيما يتعلّق بالنقاش حول المسألة النووية، شكّل روحاني نقطة تحوّل مقارنة مع سابقه؛ فمنذ عام 2002، بعد اكتشاف موقعين نوويين سريين، اتّهمت إيران من قبل العديد من الدول الغربية (ومن بينها الولايات المتّحدة) بالسعي لتخصيب اليورانيوم من أجل إنتاج أسلحة الدمار الشامل. ولكن، وفقًا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الّتي وقّعت عليها إيران في عام 1968، يجب أن يقتصر البرنامج النووي الإيراني فقط على الاستخدام المدني. ولئن نفت طهران أيّ عمليّة تخصيب غير مشروعة؛ فإنّ الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي متشككون، وصوّتوا من أجل فرض عقوبات اقتصادية على الجمهورية الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين، دارت عدّة جلسات للتفاوض بين الدول الغربية وإيران من أجل التوصّل إلى اتّفاق حول وقف البرنامج النووي ذي الطابع العسكري. ولكنّ تعنّت أحمدي نجاد قدّم بانتظام ضربات قاضية للمفاوضات.
أمّا حسن روحاني فقد جعل من إنهاء العقوبات واحدًا من أهدافه ذات الأولوية. وهكذا استأنف في سبتمبر 2013 اتّصالاته مع الولايات المتّحدة من خلال مهاتفة الرئيس باراك أوباما (أوّل مكالمة هاتفية منذ عام 1979). وتتابعت المفاوضات وأدّت في نهاية المطاف، في بداية أبريل 2015، إلى اتّفاق تاريخ من المتوقّع أن يسمح برفع العقوبات إذا ما احترمت إيران التزاماتها. فما هو رأي الپاسداران؟ رحّب محمد الجعفري -قائد الحرس الثوري- بالمبادرات الدبلوماسية للرئيس إذا ما كانت قادرة على إنهاء العقوبات، ولكنّه يدين التقارب مع الولايات المتّحدة الّتي لا تزال في نظره العدوّ رقم واحد للجمهورية.
التنظيم وطريقة عمل الحرس الثوري
لئن كان من الصعب معرفة العدد الدقيق لپاسداران، فإنّ عددهم يقدّر بنحو 150 ألفًا، دون احتساب ميليشيات بسيج. وفي الواقع، من الصعب أيضًا تحديد حجم هذه القوّات المساعدة، ولكنّ عدد الأشخاص المرتبطين بالبسيج والملتزمين بالتعبئة خلال فترة الأزمة يرتفع على ما يبدو إلى مليون عنصر. ويبتلع الپاسداران وحدهم 43% من ميزانية وزارة الدفاع، في حين أنّ عددهم أقلّ بثلاث مرّات من الجيش الكلاسيكي.
أصبح القائد السابق في البسيج الجنرال محمد الجعفري منذ عام 2007 القائد العام للحرس الثوري الّذي يتبع نظريًّا لهيئة الأركان العامة للقوّات المسلّحة (الّتي تشمل الپاسداران والبسيج) الّتي تخضع لسلطة وزارة الدفاع. ولكن القرارات المتعلّقة بالپاسداران تتّخذ في كثير من الأحيان على مستوى أعلى، أي داخل المجلس الأعلى للأمن القومي، الجسم الّذي يتبع إلى آية الله نفسه. ومن خلال هذا التسلسل الهرمي، يسيطر المرشد الأعلى على الحرس الثوري. وبالتالي للتنظيم المنقسم إلى 5 فروع (القوّات البرية والقوّات الجوّية والقوّات البحرية وميليشيات بسيج وقوّة القدس) أهمية استراتيجية كبرى.
المكوّن البرّي
تجمع القوّات البرية نحو 120 ألف رجل، وتتمتّع كلّ محافظة من المحافظات الإيرانية الـ30 بكتيبة پاسداران، باستثناء العاصمة الّتي خصّصت لها كتيبتان. وتكمن مهمّة هذه الكتائب في مراقبة السكّان المدنيين، وضمان الولاء للنظام بالنسبة لقوّات الشرطة والجيش الكلاسيكي أرتش، وإجراء حرب غير متكافئة في حالة غزو الأراضي من قبل دولة أخرى (مثلما حدث في الصراع الإيراني العراقي).
في الواقع، يستعدّ المكوّن الأرضي في حالة وقوع حرب غير تقليدية مع القوّات الأشدّ قوّة (ولاسيّما الغزو الأمريكي)؛ وهكذا يصرّ على معدّات ذات صلة باستراتيجية حرب العصابات مثل الأسلحة المضادّة للدبّابات والمضادّة لطائرات الهليكوبتر. ويتمّ تنظيم عمليّات محاكاة لهجمات بطائرات هليكوبتر أمريكية من نوع AH-64 يجب على الپاسداران تدميرها باستخدام صواريخ أرض جو. وهناك أولوية أخرى ربّما تكمن في البحث عن تكتيكات التمويه (الزيّ الرسمي والمركبات وأنظمة تشويش الرادار والأقمار الصناعية وغيرها).
المكوّن الجوي
يعدّ نحو 5 آلاف رجل، بالإضافة إلى مئات التقنيين. وفي البداية، لم يكن القسم الجوي وحدة مقاتلة؛ بل كان دوره مقتصرًا على نقل مسؤولي النظام، بالإضافة إلى المعدّات الحساسّة، ولكنّه طوّر صواريخ “أرض-أرض” و”أرض-جو” الّتي بإمكانه استخدامها إذا ما اقتضت الحاجة. ولئن كان من الصعب معرفة التقدّم الدقيق في الأنظمة البالستية للپاسداران؛ فإنّ آخر الصورايخ من نوع “شهاب” ذي الوقود السائل يبدو قد استلهم من الأنموذج الكوري الشمالي (تايبودونج 2). ولكن، تتعلّق المخاوف الأساسية للمجتمع الدولي بالترسانة النووية واحتمال أن يكون المهندسون الإيرانيون -على الأقلّ قبل وصول روحاني إلى الحكم- قد كيّفوا طائراتهم مع نقل الرؤوس النووية.
المكوّن البحري
يتمتّع سلاح الجوّ التابع للپاسداران بنحو 20 ألف رجل، بالإضافة إلى أسطول مسلّح بصواريخ مضادّة للسفن وصورايخ “ماء-أرض”. وينشط في مضيف هرمز، في حين يراقب سلاح الجو الإيراني الكلاسيكي خليج عمان. ومثل القسم البريّ، يتخصّص سلاح الجو في الحرس الثوري في الحرب غير المتكافئة؛ ويكلّف في حالة الصراع بتنظيم إغلاق المضيق وتخريب السفن الراغبة في عبوره.
ميليشيات البسيج
دعا الخميني في عام 1979 إلى إنشاء قوّة شعبية مكوّنة من 20 مليون عنصر. ولئن يبدو هدفه اليوم طوباويًّا؛ فإنّ ميليشيا بسيج قد تطوّرت خارج الفترة الثورية. والبسيج مكوّنة من متطوّعين ينتدبون في صفوف الشباب الإيراني، ويتمّ تأطيرهم وتدريبهم من قبل المكوّن البريّ للپاسداران (بصورة رسمية منذ عام 2007). ويكلّف البسيج بمراقبة أنشطة المواطنين وإيقاف النساء اللاتي لا يلتزمن بقواعد اللباس الّتي يضعها النظام (ارتداء الحجاب) ومصادرة كلّ معدّات تعتبر “غير لائقة”.
تتواجد الميليشيات في معظم المدن الإيرانية، وتتمتّع بمكتب في المساجد الرئيسة في البلاد؛ ويكمن قلب البسيج في الأوساط الجامعية من خلال منظمة الأساتذة البسيج ونظيرتها الطلاّبية. وقد تمّ إنشاء نحو 2500 كتيبة (“عاشوراء” بالنسبة للرجال، و”الزهراء” للنساء) من أجل تكوين جيش شعبي. ولكن، يبدو أنّ بعض الإيرانيين لا يلتحقون بالبسيج عن اقتناع، بل عن حاجة؛ باعتبار أنّ العضوية توفّر مزايا (أجور ومنح جامعية ومزايا اجتماعية وغيرها) للشباب المنتدبين، الفقراء في أغلب الأحيان.
قوّة القدس
تأسست قوّة القدس في بداية السنوات الـ1990، وهي مكلّفة بمهام الپاسداران خارج الحدود، وقد وضع مقرّها في الأهواز (في الجنوب الغربي لإيران). وتقدير عدد العناصر أصعب من تقدير حجم أيّ فرع آخر؛ نظرًا للطبيعة العسكرية لمهامها.
وفي عام 2008، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي رفع عدد أعضائها إلى 15 ألفًا، ولكن لم يتمّ حتّى الآن الحصول على أيّة معلومات ملموسة.
في البداية، كان ضمان تصفية القوّات المعارضة للنظام من بين المهام الأساسية لقوّة قدس؛ وهكذا قادت عمليّات مطاردة لأعداء الجمهورية. ولكن، سرعان ما توسّعت مهامها لتشمل مجالات أخرى: تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الشيعة في الدول الأخرى والمخابرات.
كما جعلت قوّة القدس من الشرق الأوسط ساحة نشاطها المفضّلة؛ إذ دعمت حزب الله اللبناني من خلال تقديم نصائح استراتيجية وأسلحة وقيادات عسكرية، بالإضافة إلى أكثر من 3 آلاف عضو من حزب الله تدرّبوا على يد الپاسداران. وتتواجد قوّة القدس في الضفّة الغربية وفي قطاع غزّة؛ حيث تدعم حماس ومنظّمة الجهاد الإسلامي (حيث إنّ جناحها العسكري يحمل اسمه “سرايا القدس”).
وتوجد فروع لـ “القدس” في العراق ولبنان وفلسطين وتركيا والأردن والسودان ودول المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية ودول آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان والهند، وحتّى في دول غربية، واليوم تبدو حاضرة على وجه الخصوص على ثلاثة مسارح: سوريا والعراق واليمن.
في سوريا، يعدّ نظام بشّار الأسد حليفًا لطهران. وهكذا، منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، تقاتل قوّة القدس -بمساعدة حزب الله اللبناني- إلى جانب الجيش السوري. وفي يناير 2015 قتل أحد جنرالات وحدة النخبة محمد الله دادي برفقة القائد السابق في حزب الله، جهاد مغنية.
وفي العراق، أثار تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية منذ بداية عام 2014 مخاوف إيران؛ إذ يكنّ التنظيم (السني المتطرف) في الواقع كرهًا شرسًا للمسلمين الشيعة من الشعب العراقي. وإيران مرتبطة على نحو خاصّ بالطائفة الشيعية العراقية، وخاصّة آية الله علي السيستاني. وبالتالي؛ لا يمكن أن تسمح إيران بتواجد جهاديين سنة على حدودها معادين لمصالحها. وهكذا اشتهر قائد قوّة القدس منذ عام 1998 قاسم سليماني من خلال قتال تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة تكريت.
وفي اليمن، تدعم “القدس” لوجيستيًا منذ عام 2014 تمرّد الشيعة الحوثيين ضدّ الرئيس هادي من أجل زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية، الخصم التاريخي لإيران وحليفة الرئيس اليمني. وقد أدّى فرار الرئيس هادي في يناير 2015 إلى التدخّل العسكري السعودي يوم 25 مارس في اليمن لعدم القبول بتدخّل إيران في شؤون شبه الجزيرة العربية. وفي هذه الحرب بالوكالة بين طهران وإيران، تلعب قوّة النخبة في الپاسداران دورًا مهمًّا في دعم الحوثيين.
تنوّع دور الپاسداران: بناء إمبراطورية صناعية وتجارية
رسميًا، حرس الثورة الإسلامية تنظيم شبه عسكري يتبع لوزارة الدفاع، ولكن توسّع دوره ليشمل الاقتصاد؛ ففي السنوات الـ1990، حثّ الرئيس رافسنجي المؤسسات الحكومية على المشاركة في الأنشطة الخيرية من أجل إدارة الموارد بطريقة مستقلّة.
وأعطت هذه المبادرة للحرس الثوري الفرصة للانخراط بقوّة في أنشطة إعادة بناء البلاد. وأكّد محمود أحمدي نجاد خلال ولايته الرئاسيتين (2005-2013) على هذا التنوّع في دور الپاسداران، من خلال إعطائهم عقودًا في الصناعة النفطية واستخراج الغاز وبناء الأنابيب. وهكذا أنشأ الحرس الثوري الإيراني منذ السنوات الـ1990 إمبراطورية تجارية وصناعية تقدّر بملايين الدولارات.
بعد الحرب، سيطر الپاسداران على المصانع وأسّسوا فيها “معاونت خودکفایی” -هيئة الاكتفاء الذاتي- و”معاونت نوسازی” -هيئة إعادة الإعمار. ومن خلال هذين المركزين، أسّست عشرات الشركات (النشطة في قطاع الزراعة والمعادن والنقل وغيرها) وانبثق عن هذا النظام المركّب الصناعي “خاتم الأنبياء”.
وقامت مؤسسة خاتم وفروعها الكثيرة بقيادة 1220 مشروعًا حكوميًا بين عامي 1990 و2007. وقد أكّد نائب مديرها -مشيرًا إلى علاقاته مع الپاسداران- إلى الصحافة الإيرانية أنّ مؤسسته مرتبطة بنسبة 70% بالدوائر العسكرية. وإلى جانب خاتم، يتمتّع الحرس الثوري بشبكة كاملة من الشركات الصناعية أو التجارية.
أمّا الـ”بنياد” -المنظمات الإنسانية الّتي تسيطر على ثروات- فترمز من جهتها إلى السيطرة الّتي حصل عليها الپاسداران بطريقة غير مباشرة. وقد وجدت هذه المنظمات في عهد الشاه وتمّ الحفاظ عليها مع تحويرها بعد الثورة. ولهذه البنياد وضع المنظمة غير الحكومية، في حين أنّ المرشد الأعلى هو من يعيّن مديريها. وتلتزم هذه المنظمات بتحويل جزء من عائداتها إلى المحتاجين وبإمكانها استثمار البقية في المؤسسات الّتي تمتلكها.
أمّا المؤسستان الرئيستان فهما: “بنیاد مستضعفان” (مؤسسة المستضعفين) و”بنیاد شهید وامور جانبازان” (مؤسسة الشهداء وشؤون المحاربين القدامى)، والأولى هي الأهمّ؛ إذ إنّها تمتلك أكثر من 350 شركة نشطة في الزراعة والصناعة والنقل والسياحة، وتسيطر على ربع الناتج القومي الخامّ تقريبًا. أمّا الثانية فتسيطر أيضًا على العديد من الفروع. وتشترك الاثنتان في أنّ إدارتيهما توكلان للقادة القدامى في الپاسداران.
الخلاصة
“إن دور القوّات المسلّحة أوسع بكثير من القيام بالحرب“: هذا ما توصّل إليه الباحثان الجامعيّان ديفيس ديان وأنطوني بيريرا؛ إذ سرعان ما تمكّن الپاسداران من الخروج من المجال العسكري الّذي وضعهم فيه دستور الجمهورية، ووسّعوا دائرة نفوذهم في معظم المجالات، في الاقتصاد والمجتمع والسياسة الإيرانية، إلى درجة أنّ الحرس الثوري قد أصبح لاعبًا بارزًا لا يمكن تجاوزه في النظام الإسلامي.
ولكن الإيرانيون لا يدعمون جميعهم التنظيم. فلئن يشير الحرس الثوري دائمًا إلى الحرب الإيرانية العراقية لتصوير دوره في الدفاع عن الأمّة؛ فإنّ البعض يتّهم الپاسداران على وجه الخصوص بإطالة أمد الصراع دون داعٍ. ولمسؤوليتهم في قمع الثورة الخضراء في عام 2009، وضعوا إلى جانب المحافظين من خلال التحالف مع جزء من الطلبة الإيرانيين.
أمّا حسن روحاني، الّذي قدّم على أنه محافظ معتدل خلال انتخابه للرئاسة في عام 2013، إلى التوصّل إلى اتّفاق حول النووي، وبالتالي القرب من القوى الغربية؛ فإلى أيّ حدّ بإمكانه الاستمرار في هذه السياسة، في حين أنّ الپاسداران ينظرون إليه على أنّه يقوّض المبادئ الأساسية للجمهورية ومصالحهم؟
لاي كلاي دي موايان أوريون
التقرير