إن المحاولة الإشكالية من جانب الرئيس دونالد ترامب لتجاوز رفض الكونغرس تمويل بناء السور بين الولايات المتحدة والمكسيك بالإعلان عن حالة طوارئ خاصة في مجال الهجرة، أثارت في الأشهر الأخيرة انتقاداً لاذعاً. حين تأخذ السلطة التنفيذية لنفسها صلاحيات متطرفة باسم “الطوارئ” المزعومة، فإن الأمر يعدّ في العالم الديمقراطي مساً شديداً بالتوازنات والكوابح الحيوية للحفاظ على سلطة القانون. غير أن التوازنات الإسرائيلية يبدو أن لها عاصفة جماهيرية نشبت في هذا الموضوع مثل عاصفة في فنجان. فما هو الشأن العظيم؟ عندنا إعلان دائم عن حالة طوارئ منذ قيام الدولة.
مؤخراً، اهتمت الكنيست مرة أخرى بتجديد الإعلان، وكالمعتاد مر الموضوع بهدوء. ولكن هنا أيضاً، للإعلان آثار بعيدة المدى. أولاً، يتيح للحكومة بوضع أنظمة طوارئ بوسعها أن تغير قوانين الكنيست. صحيح أن الحكومة لا تلجأ إلى الاستخدام الواسع لهذه الصلاحيات في السنوات الأخيرة، ولكنها تستغلها أحياناً كي تتدخل في نزاعات العمل في الخدمة العامة. ففي آب 2017 أصدرت أنظمة طوارئ كي تسمح بإصدار أوامر منع الإضراب ضد العمال في لجنة الطاقة الذرية ممن اتخذوا إجراءات عرقلة عمل. ثانياً، هناك جملة من القوانين التي يشترط سريان مفعولها بوجود الإعلان. مثل قانون الاعتقالات الإدارية الذي يمنح وزير الدفاع صلاحيات شاذة لحبس الناس بلا محاكمة حين يعتبرهم خطيرين على أمن الدولة.
في العام 1999 رفعت جمعية حقوق المواطن التماساً إلى محكمة العدل العليا للمطالبة بإلغاء الإعلان عن حالة الطوارئ بدعوى أنه عديم المبرر الموضوعي ويتسبب بمس شديد بسلطة القانون وبحقوق الإنسان. وفي أعقاب ضغط القضاة، وعلى خلفية التفهم بأن السبب الوحيد لاستمرار الإعلان هو عدد القوانين التي يتعلق سيريان مفعولها به، بدأت الحكومة والكنيست بالعمل على خطوة شاملة لقطع القوانين المختلفة عن الإعلان. ففي العام 2012 شطبت المحكمة الالتماس، في ظل مناشدتها الدولة مواصلة المهمة. اليوم، بعد نحو عشرين سنة من ذلك، لم تنته هذه الخطوة بعد.
إحدى الخطوات المركزية التي اتخذت في إطار السعي لإلغاء حالة الطوارئ كانت تشريع قانون مكافحة الإرهاب في العام 2016، الذي جاء ليحل محل جزء من تشريع الطوارئ في ترتيب حديث وجديد. ولكن على الأقل جزء من الترتيبات التي يتضمنها القانون الجديد يمنح الحكومة صلاحيات متطرفة. وإذا كانت نتيجة خطوة إلغاء حالة الطوارئ ستكون تنصيص صلاحيات تعسفية في التشريعات الدائمة لدولة إسرائيل، دون تحديد توازنات تعكس جوهرياً إلغاء حالة الطوارئ، فقد نجد أنفسنا نطبع الترتيبات التي تمس بنفسها بسلطة القانون.
في الكنيست القادم ستستأنف المداولات في المشروع الحكومي لقطع صلاحيات الاعتقال الإداري عن الإعلان عن حالة الطوارئ والسماح بحبس المواطنين قيد الاعتقال بدوافع أمنية حتى في الأيام العادية. يدور الحديث عن صلاحيات إشكالية على نحو خاص تسمح بحبس الإنسان لفترة قد تكون غير محدودة استناداً إلى أدلة سرية لا يطلع عليها المعتقل أو محاميه. كما أن الاقتراح الحكومي يتضمن ترتيباً مفصلاً لفرض جملة واسعة من أوامر التقييد الإدارية على مشبوهين لا توجد نية لتقديمهم إلى المحاكمة – من الإقامة الجبرية وحتى حظر الدخول إلى مناطق معينة أو مغادرة البلاد.
إن استمرار وجود إعلان الطوارئ، في واقع لا توجد فيه حقاً حالة طوارئ متطرفة في الدولة، هو وضع غير معقول على نحو ظاهر. على الكنيست القادمة أن تنهي حالة الطوارئ، وتكيف الترتيبات التي يتم تبنيها مع الواقع المناسب للديمقراطية الإسرائيلية في القرن الـ 21. وإلا فإن أجرنا سيضيع في خسارتنا.
القدس العربي