على إيقاع الحرب التجارية… مخاوف من أزمة مالية تهدد العالم

على إيقاع الحرب التجارية… مخاوف من أزمة مالية تهدد العالم

مع اشتداد الأزمة التجارية بين أقطاب الاقتصاد العالمي تزيد التكهنات بشأن تعرض الأسواق لهزات عنيفة تهدد الاستقرار المالي، وتنذر بالدخول في موجات ركود تؤثر روافد الحياة الاقتصادية، مع تزايد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

اقرأ المزيد

الحرب التجارية الأميركية – الصينية هي أعظم خطر على الاقتصاد العالمي في 2019

نذر الحرب التجارية الأميركية-الصينية تشعل المخاوف في أسواق النفط
في حديثهم مع “إندبندنت عربية”، قال خبراء اقتصاديون متخصصون، “إن القلق يجتاح الأسواق العالمية إزاء الحرب التجارية التي تشتد حيناً، وتهدأ تارة بين أميركا والصين، ما دفع قطاعاً عريضاً من المستثمرين للبحث عن الأصول الآمنة، وشككوا في قدرة الاقتصاد العالمي على تحمل تبعات إجراءات حمائية لأكبر اقتصادين عالميين”.

بينما رجح بعض الخبراء، “أنه من المبكر وضع سيناريوهات متشائمة في ظل مفاوضات من حين لآخر ينجم بعضها عن التوصل لاتفاق أو الاختلاف بشأن بعض النقاط، بينما تمارس الدول ضغوطا للوصول لأفضل وضع تفاوضي يساعدها في الخروج بوضع المنتصر من الحرب التجارية”.

وفي تقرير سابق لصندوق النقد الدولي يرجح أن الأمد الطويل للحرب التجارية سوف يؤثر على الجميع، ومن المتوقع تأثر الأسواق العالمية بموجات ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤثر على أسعار الفائدة، وانخفاض النمو للاقتصادات المرتبطة.

وتشير مجموعة من المؤشرات الاقتصادية إلى أن النزاع الذي دام عاما له تأثير متزايد على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت الصادرات الأميركية إلى الصين بنسبة 30% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2019، فيما انخفضت الصادرات الصينية إلى أميركا بنسبة 9% وانخفضت بنسبة 2.7% على أساس سنوي في أبريل (نيسان) الماضي.

توقعات خفض النمو العالمي

“البنك الدولي” خفّض توقعاته للنمو العالمي، الذي رجّح أن يصل إلى 2.6٪ هذه السنة بدلاً من 2.9٪ كما كان قد توقع في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأشار الرئيس الجديد للبنك ديفيد مالباس إلى “انخفاض في ثقة الأعمال وتباطؤ إضافي في التجارة العالمية وتراجع في الاستثمار في البلدان الناشئة والنامية”. وتوقع أن تنمو التجارة العالمية بأضعف وتيرة لها منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن. ولاحظ انخفاضاً في ثقة الأعمال وتباطؤاً إضافياً في التجارة العالمية وتراجعاً في الاستثمار في البلدان الناشئة والنامية.

أما “صندوق النقد الدولي” فعدّل توقعاته لنمو ثاني لأكبر اقتصاد في العالم، وخفضها إلى نسبة 6.2٪ هذه السنة، و6٪ في السنة 2020، وهذا أقل من توقعاته السابقة (على التوالي 6.3 و6.1٪) فيما اعتُبر أبطأ وتيرة له في عقدين.

وأوضح تقرير له “أن المحرك الصيني بدأ في التباطؤ لأسباب هيكلية وداخلية، لكن اختبار القوة المتزايد مع واشنطن حوّله إلى حرب اقتصادية شاملة، مع تداعيات ضارة به لا محالة”. وأضاف “أنه منذ مايو (أيار)، فرض دونالد ترمب ضرائب عقابية جديدة على شريكه واعداً بالمضي قدماً فيها”، في وقت تتهيأ بكين للرد، مع تعريفات وتهديدات بالانتقام من شركات أجنبية تطلق عليها لقب “غير موثوق فيها”.

وتخوفت كريستين لاغارد، العضو المنتدب لـ”صندوق النقد”، “من أن تخفّض حرب التعريفات الجمركية الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.5% في 2020”. وسيشكل ذلك في تقديرها “خسارة نحو 455 مليار دولار أميركي، وهو مبلغ أكبر من حجم اقتصاد جنوب أفريقيا”.

وكان كينيث كانغ، نائب مدير منطقة آسيا والمحيط الهادئ لـ”صندوق النقد الدولي”، أكد “أنه إذا تعرضت التجارة الدولية للتهديد أو لأضرار، فإن نمو الاقتصاد العالمي سيتراجع”. ويثير هذا التصعيد انزعاج المستثمرين، بحيث سجلت أسواق الأسهم الصينية تدفقات قياسية لرأس المال في شهري أبريل ومايو (قرابة 12 مليار دولار)، وفق أرقام مورغان ستانلي.

مخاوف حقيقية

ومن جهته قال نادر حداد، المستشار الدولي في الأسواق المالية، “إن كل المؤشرات تبعث على مخاوف حقيقية في السوق المالية، وخصوصا الانعكاس الواضح على عائد السندات الأميركي الذي يعتبر أهم مؤشر كمّي يوحي بوجود أزمة مالية حقيقية تلوح في الأفق”.

وأضاف “أن الاقتصاد العالمي في العام الحالي يشهد تراجعاً، ونلاحظه في سوق السندات التي هبط فيه العائد على السندات إلى منطقة سلبية مثل السندات الألمانية والسندات الفرنسية من فئة عشرة سنوات في منطقة اليورو، إلى جانب تراجع العائد على السندات الأميركية لأقل من 2%، وهذا يفسر تراجع ثقة المستثمرين في السوق المالية في ظل أجواء تسودها عدم اليقين بسبب الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة على الصين والمتمثلة في فرض ضرائب على البضائع الصينيّة، كما أن هناك مخاوف في السوق المالية من تراجع أداء الاقتصاد الأميركي في حال مواصلة البيت الأبيض في تنفيذ سياسته الحمائية”.

وقال حداد “إن هذه الحرب ستتسبب في تراجع القدرة الشرائية الأميركيّة وارتفاع نسبة التضخم وهذا ما يؤثر بدوره على قطاع المعادن والنفط”.

آثار الحرب

بينما يري عبد العظيم الأموي، رئيس قسم الأبحاث لدى أسواق المال.كوم، “أن آثار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بدأت تظهر تأثيراتها خلال العام ومنذ اندلاعها في مارس (آذار) 2018، وتسببت في خفض توقعات النمو لكلتا البلدين بالإضافة إلى دول أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان والهند وجنوب أفريقيا”.

وقال “إن بوادر التأثر تؤكد توقعات خفض نمو الاقتصاد العالمي بنسبة أقل من 0.5% مع توقعات بضعف شديد بحجم التجارة العالمية وفقا لبيانات منظمات عالمية، ويمكن أن تطال مظاهر الضعف قيام بنوك عالمية بخفض أسعار الفائدة، وأيضا قد يدفع الفيدرالي الأميركي لخفضها أيضا في 31 يوليو (تموز) الحالي، وتزيد تلك المظاهر من بواعث القلق حول مستقبل الاقتصاد العالمي”.

وعن مدى تأثر الأصول بفعل الخلافات التجارية، قال الأموي “إن الأسهم العالمية وخصوصا الأميركية حققت ارتفاعات قوية”، مشيرا إلى” أن الأزمة المالية العالمية لم تحدث في 2008 إلا وقد سجلت الأسهم ارتفاعات مشابهة، وكان الصعود الواضح بالأسهم الأميركية نتيجة سعي الشركات المتاجرة بالأسهم والاستفادة قرار خفض الفائدة المرتقب من الفيدرالي الأميركي”.

وبالنسبة للسندات ذكر “أن هناك طلبا عاليا جداً بغرض التحوط، الذي من شأنه يؤثر على خفض العوائد”، موضحا “أن زيادة الطلب على السندات ترفع العوائد السلبية”، مشيرا إلى “أن إجمالي إصدارات السندات العالمية يناهز 13 تريليون دولار بالعالم، ودخول سيولة مرتفعة للاستثمار بها يؤكد احتمالية وقوع أزمة وحالة من عدم اليقين بسبب تلك الخلافات التجارية”.

الأصول الآمنة

وفي ذات الاتجاه، قال محمد رمضان، الخبير الاقتصادي، “إن المستثمرين يبحثون عن الأصول الآمنة كالذهب والسندات مقابل خفض الأسهم بالمحافظ الاستثمارية والتركيز على الأسهم الدفاعية التي لا تتأثر بالأزمة الاقتصادية مثل الأدوية، فيكون التحوط على فئات الأصول بالتقليل من الأسهم وزيادة السندات ذات العائد الجيد”.

إلا أن رمضان “لا يعتقد أن الحرب التجارية قد تشعل أزمة لأن كل الأطراف لا تريد إثارة أزمة، وما يحدث مجرد تحفظات يرجى منها تحقيق المصلحة المشتركة مثلما حدث مع أزمة هواوي فبمجرد النقاش تم حل الأمر”.

عدم المبالغة بسيناريوهات متشائمة

وفي هذا الصدد، قال وضاح الطه، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، “إنه من المهم عدم المبالغة بسيناريوهات متشائمة، فرغم وجود نوع من التلكؤ وفجوة بين الولايات المتحدة والصين خصوصا فيما يتعلق بالملكية الفكرية، وقد يستغرق هذا وقتاً أكثر من اللازم، ولكن هناك جانبا إيجابيا من ناحية التوصل لحل لبعض الأمور العالقة”.

وأفاد الطه، بأن بعض البنوك العالمية الكبيرة تشير إلى “احتمال أن الحرب التجارية قد يخلق أزمة وتداعيات ضخمة على الاقتصاد الدولي وهو سيناريو مبالغ به إلى حد ما، فالتداعيات تحمل جهات رابحة وأخرى خاسرة، فمثلا الاتحاد الأوروبي والهند وبعض دول شرق آسيا قد تستفيد من الأزمة إلا أنه في نفس الوقت يتأثر النمو العالمي خصوصا أن الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم”.

وتابع: “مساءلة تفادي الصراع في بعض النقاط أمر صعب، وأحيانا يعتمد الموضوع في الأصل على حجم التبادل التجاري بين الدول المتنازعة، والأهم بالنسبة للدول المصدرة للبترول الحفاظ على سعر برميل الخام بين 60 و65 دولارا في ظل تزايد إنتاج النفط الصخري الأميركي، وعدم تأثر الطلب العالمي على النفط لأن الصراع التجاري يتسبب في تراجع الطلب على النفط خصوصا من الجانب الصيني (من أكبر مشتري النفط الخليجي)”.

وقال الطه “إنه على المدى البعيد يجب التركيز على مشكلة الديون العالمية، التي تصل لمستوى عالٍ بالولايات المتحدة والصين وتمثل حجرة عثرة أمام اقتصادات تلك الدول حال تفاقم الصراعات، من ناحية أخرى هناك توجه عالمي لتعزيز الاحتياطيات الأجنبية بالذهب مثل روسيا وأوروبا الشرقية حتى تكون قاعدة الاحتياطيات متنوعة ولا تعتمد على الدولار”.

ولفت إلى “أن تقرير الآفاق المستقبلية الأخير لصندوق النقد الدولي يشير إلى أهمية التوصل لحل كما أن لهجة الصندوق لا تصل إلى التهويل والقلق المفرط، ولكن في نفس الوقت يحذر من التداعيات على طرفي النزاع وضرورة التوصل لاتفاق”، مؤكدا “أن الحذر واجب ومطلوب تحضير سيناريوهات لأسوأ الحلول”.

ورجح الطه “ألا يخرج الموضوع عن السيطرة وينفلت للحد الذي يخلق أزمة عالمية جديدة ناتجة من حرب تجارية بين البلدين”.

بصيص أمل

من جهته، قال أحمد معطي المحلل الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة “في اى ماركتس”، “إن هناك بصيص أمل لوضع حلول للخلافات الأميركية الصينية بعد لقاء ترمب مع نظيره الصيني على هامش قمة العشرين في اليابان نهاية الشهر الماضي، بعد الاتفاق على هدنة بالحرب التجارية بين البلدين، وتم الاتفاق على بيع تقنيات الشركات الأميركية لشركة هواوي الصينية، في حين ستشتري بكين المزيد من المنتجات الزراعية الأميركية”.

ويرى معطي: “إن تصاعد إجراءات الحرب التجارية بين أميركا والصين يضر بالنمو العالمي لاسيما أن الأزمة بين أكبر اقتصادين بالعالم، والكل خاسر منها، وستتجلى آثارها في الأسواق الهشة التي تعتمد على أسواق البلدين سواء بالاستيراد أو التصدير”.

الشرارة الأولى

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشرارة الأولى للحرب التجارية مع الصين في 22 مارس (آذار) عام 2018، بعد أن أعلن عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار على السلع الصينية، وكردّ انتقامي من الحكومة الصينية فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجاً أميركياً، أشهرها فول الصويا.

وفي 15 يونيو (حزيران) 2018، أعلن ترمب أن الولايات المتحدة ستفرض 25% من التعريفات الجمركية على سلع صينية بقيمة 34 مليار دولار، وتم تفعيلها في 6 يوليو (تموز)، ثم 16 مليار دولار باقية ستُفعل في موعد لاحق. حينها اتهمت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة بمحاولة شن حرب تجارية وتوعّدت بالرد عليها بالمثل من خلال استهداف وارداتها التجارية. بعدها بنحو ثلاثة أيام أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً إضافية بنسبة 10% بقيمة 200 مليار دولار على الواردات الصينية؛ ثم توعّدت الصين في نفس اليوم بالردّ، فيما انطلقت مفاوضات ثنائية بين الطرفين على أمل التوصل إلى اتّفاق ثنائي، إلا أنها باءت بالفشل.

وعلى نحو مفاجئ، ووسط مشاورات ثنائية توقع البعض أن تصل إلى اتّفاق أميركي صيني يجنّب العالم الدخول في حرب تجارية، وانتهت المفاوضات بين الطرفين في مايو (أيار) الماضي من دون التوصل إلى اتّفاق، وعلى إثره رفعت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على بضائع صينية تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار أميركي، بنسب من 10% إلى 25%، بهدف الضغط على إيران وتحجيم التعاون الاقتصادي مع “بكين”، كما أصدر ترمب أمراً بالإعداد لفرض رسوم على سلع صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، وهو ما سيشمل فعليا جميع الواردات الصينية برسوم.

وفي أول رد حاسم، فرضت الصين رسوم استيراد على سلع أميركية قيمتها 60 مليار دولار بداية يونيو (حزيران) الماضي.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل استخدمت الإدارة الأميركية عدة شركات في الضغط على عملاق صناعة الهواتف الذكية في الصين “هواوي”، وأعلنت شركات أميركية مثل “غوغل” وقف التحديث الخاص بمستخدمي الهواتف الذكية التابعة للشركة الصينية، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك في خطوة تكشف مخاوف الشركات الأميركية من ردود فعل نظيرتها الصينية التي تعد لهذا اليوم منذ سنوات.

وتم إدراج هواوي، أكبر شركة منتجة لمعدات شبكات الاتصالات في العالم، على القائمة السوداء، إذ يحظر على الشركات الأميركية إمدادها بالعديد من السلع والخدمات، بسبب ما تعتبره واشنطن “أمنا قوميا”، مما قد يصبح ضربة قاصمة أدت لتصعيد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. وتنفي هواوي أن معداتها تشكل تهديدا أمنيا.

وإثر القرار الأميركي، أعلنت بكين أنها ستصدر قائمة خاصة بها للكيانات الأجنبية “التي لا يعتمد عليها” كما ألمحت إلى أنها ستحد من إمدادات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.

إلا أنه نهاية الشهر الماضي تم السماح للشركات الأميركية باستئناف إمداد بعض منتجاتها إلى شركة “هواوي”.

اندبندت