تعديلات على قانون الانتخابات المحلية في العراق تفتح الباب لمزيد من التزوير

تعديلات على قانون الانتخابات المحلية في العراق تفتح الباب لمزيد من التزوير

الانتخابات التي يعتبرها القائمون على العملية السياسية في العراق “مفخرة التجربة الديمقراطية” ليست في الحقيقة سوى أكبر مطعن في العملية ذاتها نظرا لما تحمله من عيوب كثيرة قانونية وإجرائية تحوّلها من وسيلة للمشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام إلى أداة لتزييف إرادة الشعب خدمة لمصالح فئوية ضيّقة.

بغداد – أقرّ البرلمان العراقي سلسلة من التعديلات على قانون ينظم عملية الاقتراع لاختيار البرلمانات المحلية في المحافظات، كرّست هيمنة الأحزاب الكبيرة.

ووفقا للنص المعدل الذي اطلعت عليه “العرب” فقد اختار البرلمان صيغة لتوزيع الأصوات على القوائم المشاركة، تضمّن إقصاء المستقلين والأحزاب الناشئة، وتسمح للأحزاب الكبيرة بالهيمنة على العدد الأكبر من المقاعد، في مختلف الدوائر.

وبالرغم من أن العراق لم يحدد بعد، موعدا دقيقا للاقتراع المحلي، فإن التكهنات تشير إلى أنه سيجرى في النصف الأول من العام القادم.

وتلعب البرلمانات المحلية في العراق أدوارا مؤثرة في السياسة الداخلية، وكثيرا ما كانت منطلقا للوصول إلى البرلمان والسلطة الاتحاديين.

وتجاهل البرلمان، المئات من الملاحظات التي سطرها قانونيون ومختصون في مجال الانتخابات، تتعلق بآلية توزيع الأصوات والمقاعد، وسبل الرقابة لضمان النزاهة، ووقف عمليات التزوير، ليمضي نحو تعديلات شكلية، تسمح للأحزاب المتنفذة بإحكام قبضتها على المجالس المحلية، من دون معالجة النظام الانتخابي الفاسد، الذي يقصي المستقلين ويسمح بالتزوير والتلاعب حتى بعد انتهاء عملية الاقتراع.

واللاّفت أن جميع الأطراف السياسية الكبيرة أقرّت التعديلات الجديدة ومررتها، ما يكشف حجم التواطؤ وتجميد الخصومات التقليدية، كلّما تعلّق الأمر بالمحافظة على مكاسب سياسية.

ويفسر مراقبون هذا الاتجاه السياسي بأنه استجابة لحالة الاطمئنان التي شعرت بها الأحزاب العراقية، عقب فضيحة المقاطعة الشعبية الواسعة لآخر العمليات الانتخابية التي شهدتها البلاد.

ويرى المراقبون أن الأحزاب العراقية كانت متخوفة من أن تؤدي المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات العامة في مايو الماضي إلى ضرب الشرعية الدستورية داخليا وخارجيا، لكن مخاوفها لم تكن في محلها، إذ أدركت الأحزاب السياسية، أن الشارع لم يعد معنيا بالانتخابات وأن الأطراف الدولية التي يعوّل عليها كالأمم المتحدة لا وقت لديها للغوص في المشاكل العويصة والمتشعبة في العراق، ما يسمح لتلك الأحزاب بالمضيّ قُدما.

وقادت التعديلات الجديدة إلى موجة توقعات بأن نسبة العراقيين الذين سيشاركون في الانتخابات القادمة، ستكون متدنية.

وشهد العراق في شهر مايو من العام الماضي انتخابات برلمانية شابتها خروقات كبيرة في مختلف الإجراءات بدءا بإحصاء الناخبين وترسيمهم عل القوائم مرورا بعملية الاقتراع ذاتها، ووصولا إلى فرز الأصوات وعدّها حيث احتجّت جلّ القوى المشاركة في الانتخابات وطالبت بتجاوز العدّ الآلي وإعادة الفرز يدويا وهو ما تمّ بشكل جزئي دون أن يؤثّر على النتائج.

وتوقّع جاسم الحلفي وهو قيادي بارز في الحزب الشيوعي العراقي وأحد الوجوه المؤثرة في حركة الاحتجاج، قبل أن يتحالف مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر خلال الانتخابات الماضية، أن تتسبب التعديلات الجديدة على قانون انتخاب مجالس المحافظات العراقية في انخفاض نسبة المشاركة فيها إلى 15 بالمئة.

وقال الحلفي إنّ هذه التعديلات قضت على “إمكانية التغيير في الانتخابات المقبلة”، مؤكدا أنها هيأت “للمتنفذين وأصحاب المصالح فرصة الهيمنة على الحكومات المحلية بضع سنوات أخرى، وبذلك فتح الأبواب أمام مواصلتهم التحاصص البغيض وتقاسم المنافع والامتيازات وتغذية شجرة الفساد”.

وتابع الحلفي الذي يتعرّض لضغوط كبيرة من التيار المدني لإنهاء تحالفه مع الصدريين بعدما دعموا التعديلات الأخيرة على قانون الانتخابات، “بهذا المعنى جاء التعديل ليضفي الشرعية على احتكار السلطة ويقطع الطريق على تلبية المطالبات الشعبية المتواصلة والمتصاعدة بإنهاء المحاصصة ويسد المنافذ أمام رياح التغيير ويمنع هبوبها على جسد الدولة الذي تعفنت أوصاله جرّاء المحاصصة ذاتها وبفعل الفساد والتقصير في تقديم الخدمات والتسبب في تردّي الأوضاع المعيشية”.

ومضى يقول إن “أصحاب القرار الذين أوعزوا لنوابهم بأن يصوتوا بالصورة غير المشرفة التي صوتوا بها، إنما أرادوا أن يلغوا أي تمثيل في المجالس المحلية لمن يعارضون نهجهم، ويشطبوا خصوصا إمكانية تمثيل القوى المدنية والأحزاب الجديدة والشخصيات السياسية المستقلّة الواقفة بالضد من المحاصصة والقوى والشخصيات ذات الإرادة الصلبة في التصدي لسياسات المتنفذين”.

وتابع أن “التعديل الجائر الذي أقرته أغلبية المتنفذين في مجلس النواب ضمن لهم تدوير أتباعهم في مقاعد المجالس التشريعية في المحافظات كمقدمة ضرورية ومدخل لاحتلال المواقع التنفيذية، حيث العقود والصفقات والامتيازات بعيدا عن الرقابة”.

ويرى عادل اللاّمي وهو خبير قانوني دولي في الشؤون الانتخابية سبق له أن قاد العمليات التنفيدية في الجهاز العراقي المشرف على الاقتراع أن “قانون الانتخابات الحالي من أسوأ القوانين”، مشيرا إلى أنه “لا يلبّي طموحات الشعب العراقي”.

ويرى اللامي أن “بعض الأحزاب تخالف الدستور بتضييقها للقسمة الانتخابية” عبر اختيار آلية لتوزيع الأصوات تضمن استبعاد الشخصيات المستقلة عن الساحة السياسية.

العرب