على الرغم من التزايد المستمر للوعي بضرورة حماية البيئة وإدراك الرأي العام مضار استخدام الوقود الأحفوري فإن الغاز الطبيعي حافظ على أهميته في سوق الطاقة العالمية.
وقد أدى تزايد الطلب لدى القوى الاقتصادية الصاعدة، وتركيز وسائل إنتاج الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى تعزيز الحاجة لمصدر طاقة يكون جاهزا عند الطلب.
وفي هذه الحالة، فإن الخيار الوحيد المتاح حاليا هو الغاز، وبفضل هذه التطورات فإن الدول الغنية بهذا المورد بصدد قطف ثمار تحولات هذا القطاع وتحقيق زيادة في حجم صادراتها.
وفي مقال نشره موقع “أويل برايس” الأميركي، قال الكاتب فانان مليكستيان إن أوروبا وآسيا الشرقية لا تزالان أكبر منطقتين مستوردتين للغاز الطبيعي، وذلك بفضل أسواقهما الضخمة وقلة الخيارات المحلية، ولكن خلال هذا العام واجهت ثوابت هذا السوق بعض التقلبات، بسبب التطورات غير المألوفة التي شهدها.
تاريخيا، كان انتشار خطوط أنابيب الغاز بين آسيا وأوروبا في خدمة آسيا التي كانت قادرة على جذب الشحنات بفضل تقديمها أسعارا أعلى، ولكن اليوم تجعل مجموعة من العوامل الجديدة مهمة التجار في الاختيار أصعب، بما أن الوجهة التي تقدم لهم أفضل المكاسب لم تعد واضحة.
السمات التاريخية للسوق
كانت أسعار الغاز الطبيعي في آسيا تميل نحو الارتفاع، بسبب قلة الإنتاج الإقليمي وضخامة السوق المحلي، والقرار السياسي الذي كان يفضل الغاز الطبيعي المسال على الأنواع الأخرى.
وقد أدت الكارثة التي جدت في مفاعل فوكوشيما الياباني إلى إغلاق كل المنشآت النووية في هذا البلد، وهو ما أدى إلى طفرة في الطلب على الغاز الطبيعي المبرد، ليصبح هذا البلد الآسيوي أكبر مستورد للغاز المسال.
وفي الصين المجاورة أيضا، أدت سياسة الانتقال من الاعتماد على الفحم نحو الغاز إلى نفس الآثار.
واليوم، يتم استيراد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال من أجل التخلص من سحابة التلوث التي تغطي المدن الصينية.
ومن بين الأسباب الأخرى التي جعلت المنتجين يفضلون الأسواق الآسيوية على الأوروبية تكاليف المرور من بحر لآخر عبر قناة السويس، إذ إن تكلفة شحن الغاز المسال إلى أوروبا وعودة السفن التي حملته أعلى من تكلفة التنقل في الطريق الشرقي نحو آسيا.
كما أن أوروبا تتمتع بخيارات إضافية فيما يتعلق باستيراد الغاز الطبيعي، وقد كان للمنافسة بين الغاز المنقول في الأنابيب والمنقول في السفن تأثير سلبي على الأسعار، باعتبار أن المستهلكين يمكنهم التوجه نحو الاعتماد على بنية تحتية ثابتة لجلب الطاقة من روسيا والجزائر والنرويج.
تغيير الأسواق
إن الفرق بين الأسعار في أوروبا وآسيا تقلص بشكل ملحوظ، إذ إن ظروف الطقس المعتدلة أدت لترشيد الطلب، وهو ما أدى إلى تكدس المخزون، وبالتالي انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال في كلتا المنطقتين.
وهذا الفرق الضئيل بين آسيا وأوروبا كان له تأثير إيجابي على شحنات الغاز المسال المتجهة نحو أوروبا خلال الشهرين الأولين من هذا العام عندما وصل عدد قياسي من الشحنات نحو السواحل الأوروبية.
لكن هذه الوضعية يمكن أن تتغير بشكل سريع، إذ إن التقلبات التي تشهدها أوضاع السوق تتطلب من التجار تفكيرا سريعا من أجل تحصيل أكبر قدر من الأرباح.
وتقلص الفرق بين السوقين الأوروبي والآسيوي مع تكلفة الإنتاج يعني أنه يمكن تغيير وجهة الشحنات في اللحظات الأخيرة، فعلى سبيل المثال غيرت شحنة من الغاز المسال الروسي اتجاهها قبل بلوغ وجهتها الأخيرة في منشأة زيبروش لتخزين الغاز المسال، وذلك بسبب وجود أسعار أفضل في أماكن أخرى.
وحسب رئيس قسم صفقات الغاز الطبيعي المسال في مؤسسة “إس سي بي بروكرز” الوسيطة جون كريستيان هاينز، فإنه يمكنك أن تلاحظ أن الظروف متاحة لحدوث تغييرات، ومن الصعب الاعتقاد بأن الأسعار في سوق آسيا الشرقية سترتفع في وقت قريب، إلا أن أسعار السوق الأوروبي يمكن أن تنخفض أكثر بما أن منشآت التخزين تشهد تكدسا.
وفي الوقت الحالي، وصلت نسبة الامتلاء في المخازن الأوروبية إلى 74%، وهو ما يعني ارتفاعا بنسبة 17% مقارنة بمعدل السنوات الخمس الأخيرة.
ويظل السؤال المحوري والأساسي: كيف ستتطور الفوارق في الأسعار بين أوروبا وآسيا؟
وأضاف هاينز أنه عندما تغيرت الوضعية لمصلحة أوروبا خلال الشهرين الأولين فإن آسيا كانت لها الكلمة العليا خلال الفترة الأخيرة عندما تعلق الأمر باجتذاب الشحنات نحو أسواقها.
والفارق الضئيل بين السوقين في كلتا القارتين يعني غياب وضوح الرؤية بالنسبة للمشترين والبائعين على حد سواء.
ووفقا لهاينز، فإنه في مرحلة معينة سيقوم السوق بتعديل نفسه بنفسه، وإذا شاهدنا بعض الشحنات متجهة نحو آسيا فإن ذلك سيساعد على استعادة التوازن، ولكن المخازن مليئة لدرجة أن انخفاضا طفيفا في عدد الشحنات لن يكون كافيا لتغيير الصورة.
المصدر : مواقع إلكترونية