أعلنت أحزاب «تحالف اليمين الموحد» في دولة الاحتلال الإسرائيلي التوقيع المشترك على وثيقة تتعهد بالعمل على ضمّ المنطقة C التي تشكل 60٪ من أراضي الضفة الغربية وتقع في الوقت الراهن تحت سيطرة الاحتلال الكاملة ويقطنها قرابة 300 ألف فلسطيني. وأوضحت إياليت شاكيد، رئيسة التحالف ووزيرة العدل السابقة، أن الوثيقة تتضمن سلسلة مبادئ يأتي في طليعتها أن دولة الاحتلال هي «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وكذلك النص على معارضة إقامة دولة فلسطينية.
ومع اقتراب موعد انتخابات الكنيست التي تجري في 17 أيلول /سبتمبر المقبل تتسابق أحزاب اليمين الإسرائيلي في إعلان العزم على ضم أراض من الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، ولا يُستثنى من السباق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصياً سواء من داخل منطلقاته التوسعية المعروفة التي أعرب عنها مراراً وتكراراً، أو بسبب حرصه على مجاراة التنافس الحاد الذي يجابهه من أحزاب تحالف شاكيد، وكذلك مجموعات الضغط التي تمثل مصالح المستوطنين في قلب حزب الليكود ذاته.
وليس جديداً تلويح الاحتلال بضم أراض في الضفة الغربية عموماً وفي المنطقة C بشكل خاص، إذ أن سياسة القضم التدريجي ظلت معتمدة على الدوام، مترابطة مع عمليات ضم الأمر الواقع نتيجة إقامة المستوطنات وتحريم البناء في أراض واسعة بذريعة قربها من الجدار الأمني العازل وهدم البيوت «المخالفة» وشق الطرق الالتفافية وما إلى هذا وذاك من إجراءات. لكن ما يعزز خطورة الوثيقة الجديدة هو حقيقة استطلاعات الرأي التي تشير إلى احتلال «تحالف اليمين الموحد» المرتبة الثالثة في أحزاب الكنيست، وأن برامج التحالف تؤيد تكليف نتنياهو برئاسة الحكومة المقبلة.
الجانب الخطير الآخر هو موقف الإدارة الأمريكية من ملف الضم هذا، إذ سبق للسفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال ديفيد فريدمان أن أشار في حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز»، على أعتاب انعقاد مؤتمر المنامة الخاص بتأمين الدعم المالي لما يسمى «صفقة القرن»، إلى «حق» دولة الاحتلال في الاحتفاظ بجزء من الضفة الغربية. صحيح أن الخارجية الأمريكية التزمت الصمت حيال هذا التصريح، ولكن غياب أي نفي يعني كذلك أن السفير لم يكن ينطق عن هوى، خاصة في ضوء ما بات معروفاً من حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دعم نتنياهو بشتى الوسائل، كما في اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل عشية انتخابات الكنيست السالفة.
كذلك فإن لهاث بعض الأنظمة العربية، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، على التطبيع مع دولة الاحتلال مقابل ممارسة الضغوط على الطرف الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات والتخلي عن حقوق أساسية، يشجع أمثال نتنياهو وشاكيد على المضي أبعد في سياسات الاستيطان والضم والاستهتار بالاتفاقيات والقرارات الأممية والقانون الدولي. ومن المأساوي أن التحذير من مغبة ضمّ المنطقة C إلى الكيان الصهيوني لا تصدر عن أنظمة عربية تزعم الحرص على حقوق الشعب الفلسطيني، بل من بعض كبار مسؤولي الأمن في دولة الاحتلال ذاتها، على شاكلة يورام كوهين الرئيس السابق لمخابرات «شين بيت» الإسرائيلية الذي حذّر من «إراقة الدماء» في حال الإقدام على خطوة الضم.
الأمر الذي لم يردع أحزاب اليمين الإسرائيلي عن الانخراط المحموم في سباق القضم والضم والاستيطان.
القدس العربي