طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية حزيران الماضي، أثناء لقائه بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، «مبادرة» ترمي إلى جمع دمشق والرياض وأنقره وعمان، وربما عواصم أخرى، في تحالف واسع ضد تنظيم «داعش». ولكن المعلم اعتبر أن مثل هذه المقترحات تحتاج إلى «معجزة حقيقة»، مُركزا على الوعود التي حصل عليها من بوتين بمواصلة دعم دمشق سياسيا واقتصاديا وعسكريا ودعم الرئيس الأسد باعتباره رئيسا شرعيا. ويمكن فهم ما قاله الوزير السوري عن «معجزة بوتين» بأنه تعبير ديبلوماسي عن «عدم واقعية» تحالف دمشق مع دول تتهمها الحكومة السورية بتمويل ودعم الإرهاب. أما الدول الأخرى التي ذكرها الرئيس الروسي في مبادرته، فتلتزم الصمت على المستوى الرسمي حتى اللحظة.
بيد أنه يُفهم من التعليقات غير الرسمية في تلك العواصم بأنها تنظر لمقترحات الكرملين على أنها «غير واقعية» أيضا. في السادس من تموز الجاري، كسر الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا الصمت عندما أعلن «أن تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون مشاركة بشار الأسد هو السبيل الوحيد لمكافحة «الدولة الإسلامية» في سوريا»، لافتا إلى أنه ناقش هذا الموضوع خلال اتصال هاتفي جرى مؤخرا مع الرئيس فلاديمير بوتين. وهذا الاتصال الهاتفي، الذي يتحدث عنه أوباما جرى في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، أي قبل زيارة المعلم إلى موسكو بأربعة أيام. إن تصريحات أوباما دفعت الرئاسة الروسية، على لسان ناطقها الرسمي دميتري بيسكوف، إلى التأكيد أن بوتين وأوباما ناقشا بالفعل خلال اتصالهما الهاتفي عدداً من الآراء حول التسوية في سوريا، مشيرا إلى أن الموقف الروسي معروف جيداً وجرى تأكيده خلال هذا الاتصال. وهو ما يعني أن المباحثات، التي تجري بين موسكو وواشنطن خلف الكواليس بشأن الأزمة السورية، لم تُضيّق «الفجوة» بينهما سواء بالنسبة إلى مصير الرئيس السوري أو بالنسبة إلى محاربة «داعش». وهذا على عكس ما تردد في الفترة الأخيرة عن قرب حلحلة التسوية في سوريا، خاصة بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى روسيا ولقائه الرئيس الروسي في حزيران الماضي.
إن «معجزة» الرئيس الروسي بُنيت، غالبا، على أساس إدراك موسكو لعدم إمكانية الحسم العسكري في سوريا واتساع الهجمات الإرهابية المتصاعدة في أكثر من مكان في منطقة الشرق الأوسط. وبناء على ذلك، اعتبرت القيادة الروسية أنه يمكن التوصل إلى توافق ما على ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة في ظل «امتعاض» السعودية من واشنطن بسبب إيران، وفي ظل الأزمة اليمنية. ويُردد مراقبون روس أن واشنطن رفضت مؤخرا توسيع العمليات العسكرية للمعارضة المسلحة نحو دمشق والساحل، فيما تعمل موسكو مع دمشق للمضي في العملية السياسية ومواجهة «داعش» وفق تفاهمات إقليمية تسمح باختراقات سياسية وتفاهمات عسكرية مع احتمال قرب التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والسداسية. وربما هذا ما دفع الرئيس الروسي إلى طرح «مبادرته» لجمع «الأضداد» في الحرب على «داعش» كأولوية روسية تختصر الأزمة السورية في محاربة الإرهاب، وهو ما يقترب كثيرا من فهم دمشق لهذه الأزمة.
برغم عدم تضييق الفجوة بين موسكو وواشنطن بشأن الوضع في سوريا، وهو أمر ينطبق أيضا على الفجوة بين موسكو والرياض وتركيا وغيرهما من العواصم التي ترى ضرورة إطاحة الأسد من الحكم، نلاحظ أن الجانب الروسي يسير في اتجاه عدم استبعاد تنظيم جولة ثالثة من المشاورات بين النظام والمعارضة السورية في العاصمة الروسية، على أن تخرج هذه الجولة بنتائج عملية، خاصة أن الجولتين السابقتين لم تسفرا عن نتائج ملموسة على مستوى حلحلة التسوية السورية. ولذلك نرى أحمد الجربا، الرئيس السابق «للائتلاف الوطني السوري»، يزور موسكو في الثاني من الشهر الجاري ويجري مباحثات خلف الأبواب المغلقة مع ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، بحضور فيتالي نعومكين المنسق الروسي للحوار السوري السوري. ومن المفهوم أن موسكو تركز في هذه الحوارات على ضرورة لمّ شمل النظام والمعارضات السورية لمحاربة «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية كمدخل لإمكانية إجراء تسوية سياسية، ربما تتضمن انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في سوريا. ويتردد أن موسكو قد تميل مستقبلا إلى تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية في سوريا مع تقليص صلاحيات الرئيس السوري ومنح هذه الصلاحيات لهذه الحكومة، وهو ما يتشابه إلى حد ما مع بيان «جنيف ــ 1» الذي تبدو روسيا متمسكة به حتى الآن. ولعل تصريحات نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية في العاصمة الروسية مطلع تموز الجاري، بشأن إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا جاءت في هذا السياق. ولكن كما يقال فإن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، لا سيما في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري.
ويمكن القول إن القيادة الروسية جددت مؤخرا، من دون مواربة، دعمها للنظام في سوريا. وهذا، في حد ذاته، ينفي ما تردد مؤخرا من أن موسكو قد غيرت أو في طريقها إلى تغيير موقفها من النظام السوري بعد لقاء ولي ولي العهد السعودي بالرئيس الروسي في بطرسبورغ. ويمكن تلخيص الموقف الروسي حاليا بعبارة واحدة: «نحارب «داعش» والإرهاب أولا، وبعد ذلك أو في أثناء ذلك نبحث عن سبل التسوية السياسية في سوريا». أما الموقف الأميركي الذي عبّر عنه باراك أوباما مطلع هذا الأسبوع، فيمكن تلخيصه في: «نحارب «داعش» والارهاب من دون مشاركة الأسد في أي تسوية». ونعتقد أن هاتين الرؤيتين عاجزتان حتى اللحظة عن إخراج الأزمة السورية من الدوران في حلقة مفرغة، تدور بعيدا عن أهداف الثورة السورية التي انطلقت في ربيع 2011.
هاني شادي
صحيفة السفير اللبنانية