تعكس المستجدات الأخيرة في علاقتها بالتصعيد الإسرائيلي في كل من لبنان وسوريا والعراق، تغير نهج إسرائيل في التعاطي مع الجبهة الشمالية، وإن كان البعض يربطها بالحسابات الانتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بيروت – وصف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله التصعيد الإسرائيلي بـ“الخطير جدا جدا جدا”، مهددا بالرد.
وقال نصرالله، في كلمة ألقاها عبر الشاشة أمام الآلاف من أنصاره الذين شاركوا في احتفال حزبي أقامه الحزب شرق لبنان إن حادث الطائرتين الإسرائيليتين المسيرتين اللتين سقطتا في ضاحية بيروت، ليلة السبت الأحد، هو “أول عدوان من نوعه على لبنان منذ 2006”، في إشارة إلى الحرب التي اندلعت بين إسرائيل والحزب، على خلفية اختطاف الأخير لجنود إسرائيليين.
وتوعد نصرالله برد وشيك على عملية الضاحية” قائلا إنه “انتهى الزمن الذي تقصف فيه إسرائيل مناطق لبنان وتبقى آمنة”، مهددا بإسقاط الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تدخل بلاده.
وتزامن وعيد الأمين العام لحزب الله مع دعوات أميركية إلى ضرورة تجنب التصعيد والعمل على منع أي شكل من أشكال التدهور.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي، أجراه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي حذر بدوره من مخاطر استمرار الخروقات الإسرائيلية للقرارات الدولية وللسيادة اللبنانية وضرورة العمل على وقف هذه الخروقات.
وسقطت طائرتان مسيرتان فجر الأحد في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، وألحقت إحداهما بعد انفجارها أضرارا بالمركز الإعلامي للحزب المدعوم من إيران والذي يقاتل منذ العام 2013 بشكل علني في سوريا دعما للرئيس بشار الأسد.
وذكر الجيش اللبناني في بيان أن طائرتي الاستطلاع من إسرائيل “سقطت الأولى أرضا وانفجرت الثانية في الأجواء متسببة بأضرار اقتصرت على الماديات”. فيما قال المسؤول الإعلامي في حزب الله محمد عفيف، للوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، صباحا إن “الطائرة الثانية كانت مفخخة وانفجرت وتسببت بأضرار جسيمة في مبنى المركز الإعلامي”، مؤكدا أن “الحزب لم يسقط أي طائرة”.
ويأتي هذا التطور، بعد ساعات من غارات إسرائيلية قرب العاصمة السورية دمشق أدت إلى مقتل خمسة عناصر، بينهم اثنان من حزب الله وثالث إيراني واثنان مجهولا الهوية وفق ما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن ما أعلنته منابر إعلامية إسرائيلية من أن الطائرات المسيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت هي إيرانية الصنع، أثار ريبة في الداخل اللبناني من الروايات المتضاربة التي صدرت عن حزب الله حول الأمر. وأضافت هذه الأوساط أن إسرائيل ربما تسعى لنفي عملية أمنية كانت تنوي القيام بها في معقل حزب الله، إلا أن الأمر كشف عن اختراق خطير للمربع الأمني للحزب بما يسبب فضيحة لادعاءات حزب الله بأنه يدافع عن لبنان فيما أنه بات عاجزا عن حماية مربعه القيادي ومركز أمينه العام.
وقال خبراء عسكريون إن طراز الطائرتين المسيرتين اللتين سقطتا في ضاحية بيروت الجنوبية، فجر الأحد، هما من النوع الذي يرسل في مهمات محددة لزرع العبوات المتفجرة أو القيام باغتيالات. وأشاروا إلى أن هذه الطائرات تنفذ مهماتها ضمن احتمال كبير أنها لن تعود.
وأضاف الخبراء أن الفرضيات الأولى ترجح أن عطلا تقنيا أصاب الطائرة الأولى وأن الطائرة الثانية أرسلت في محاولة لتفجير الأولى. ولفت هؤلاء إلى أنه في العادة تقوم إسرائيل بقصف المنطقة التي تسقط فيها هذه الطائرات على منوال ما حصل سابقا في منطقة البقاع اللبناني، وأن تعقّد قصف منطقة سكنية قد يكون وراء إرسال الطائرة الثانية لتفجير الأولى.
وتبقى هذه الفرضيات غامضة طالما أنه لم يصدر تفسير إسرائيلي واضح حول ملابسات العملية.
وهناك تغير واضح في التعاطي الإسرائيلي مع الجبهة الشمالية، ويرى محللون في الشؤون الاستراتيجية أن مواقع الاحتكاك مع إيران لم تعد في منطقة الخليج ومضيق هرمز بعد أن بدا أن دولا غربية تنضم إلى العملية العسكرية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة لتأمين سلامة الملاحة الدولية، وأن الحلف الإسرائيلي الأميركي، بتواطؤ روسي في سوريا، يتولى ضرب التمدد الإيراني واستهداف أذرع طهران العسكرية في المنطقة.
وأضاف هؤلاء أن إيران، وبعد الضربات الموجعة التي تلقتها في سوريا تتعامل مع العراق كميدان لاحتضان نقاط تخزين وتدريب. واعتبر هؤلاء أن تبدل الاستراتيجية الإيرانية يدفع إسرائيل إلى توسيع نطاق عملياتها وهجماتها ضد الحضور العسكري الإيراني في كل المنطقة الفاصلة بين إيران والبحر المتوسط. ويرى مختصون في الشؤون الإسرائيلية أن العملية التي استهدفت ضاحية بيروت، حيث المربع الأمني الذي يضم مراكز قيادة حزب الله ومقر أمينه العام، هي جزء من مروحة الهجمات العسكرية التي كثفتها إسرائيل في الساعات والأيام والأسابيع الماضية ضد مواقع عسكرية في سوريا والعراق للحرس الثوري الإيراني أو تسيطر عليها ميليشيات تابعة لإيران.
ولفت هؤلاء إلى أن إسرائيل تقصدت هذه المرة إعلان مسؤولياتها عن عملياتها في العراق وسوريا، سواء من خلال تلميح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو من خلال إعلان مباشر يتحدث عن قصف المراكز القريبة من دمشق وسقوط ضحايا من الحرس الثوري الإيراني.
اختراق خطير للمربع الأمني للحزب
وردا على سؤال وجهته القناة التاسعة بالتلفزيون الإسرائيلي، قبل أيام، عما إذا كانت القوات الإسرائيلية “تتصرف في المنطقة بأكملها، بما في ذلك العراق.. ضد التهديد الإيراني”، أجاب نتنياهو “إننا نتصرف في العديد من الساحات ضد بلد يسعى إلى تدميرنا. بالطبع، لقد منحت قوات الأمن حرية التصريح والتعليمات للقيام بما هو ضروري لإحباط هذه الخطط الإيرانية”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه شن غارات جوية على أهداف في ريف العاصمة السورية دمشق، لإحباط عملية “خطط لتنفيذها الحرس الثوري الإيراني” وحلفاؤه ضد إسرائيل.
وتقول مصادر دبلوماسية إن للتصعيد العسكري الإسرائيلي ضد المواقع التابعة لإيران في المنطقة مقاصد قد تكون مرتبطة بحملة نتنياهو الانتخابية في محاولة لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بأنه الشخصية الوحيدة القادرة على الدفاع عن أمن إسرائيل. لكن هذه المصادر لم تستبعد أن يأتي هذا التصعيد ضمن خطة تسعى إسرائيل من خلالها إلى استدراج إيران إلى مواجهة لقطع الطريق على المنحى المرن الذي أظهرته واشنطن حيال المسألة الإيرانية والذي ظهر جليا في ما صدر عن قمة الدول السبع من تكليف للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتواصل مع إيران.
ويتوقف المراقبون عند ما صدر من إيران من نفي لتعرض مراكز لها بالقرب من دمشق لهجمات، كما نفى حزب الله في لبنان أنه وراء إسقاط الطائرات المسيرة التي سقطت في الضاحية الجنوبية للعاصمة. ورأى المراقبون أن هذه المواقف تؤكد رفض إيران وميليشياتها التابعة لها، بما في ذلك حزب الله، الانجرار نحو مواجهة كبرى مع إسرائيل.
العرب