بعد سنوات من التراجع عقب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2009، صعد الذهب في الأشهر الماضية بشكل لافت جعله يلامس أعلى مستويات أسعاره منذ ست سنوات، وذلك لأسباب عديدة أبرزها تصاعد المخاوف من الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم، أميركا والصين.
كما أسهمت في صعود المعدن النفيس تأثيرات عدد من الاضطرابات السياسية في مناطق مختلفة من العالم، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات بين أميركا وإيران، زيادة على خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة الذي دفعت الدولار إلى التراجع.
ويناهز سعر الذهب حاليا 1561 دولارا للأوقية.
كل هذه العوامل وغيرها دفعت المستثمرين في العالم لزيادة مشترياتهم من الذهب بحثا عن ملاذ آمن لأموالهم، ولجني عائد أكبر من السندات والأسهم، إلا أن المعدن الأصفر يخضع تاريخيا لعاملين رئيسيين يحددان حجم الطلب عليه من مختلف الأطراف، سواء الناس العاديون أو البنوك المركزية والشركات الاستثمارية وغيرها، وهما: تجارة الحب وتجارة الخوف.
تجارة الحب
تتجلى “تجارة الحب” في رغبة الناس منذ القديم في تملك المعدن الأصفر لحفظ مدخراتهم تحسبا للأوقات العصيبة، أو لإهدائه على شكل حلي ومجوهرات للزوجة والأقارب والأصدقاء في مناسبات اجتماعية مثل الزواج والولادة.
ويمثل الطلب على الذهب في أكبر بلدين في العالم سكانا (الصين والهند) قرابة نصف الاستهلاك العالمي السنوي من المعدن النفيس.
وفضلا عن وزنهما البشري، فإن الصين والهند معروفتان بتنظيم احتفالات ومهرجانات في أشهر معينة تشكل مناسبات لشراء الذهب بكميات كبيرة، من أبرزها موسم الزواجات في الهند، وهي مناسبات لا تتم دون حضور الذهب، وتقام سنويا في ذلك البلد الآسيوي 20 مليون زواج.
وتشير تقارير اتحاد سوق السبائك في لندن إلى أن الذهب يعرف كل سنة ارتفاعات في أشهر بعينها، وهي يناير/كانون الثاني (أكثر من 3%) وأغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني (أكثر من 2%)، ويعزى ذلك إلى ما تشهده هذه الفترة من احتفالات ومهرجانات دينية ضخمة في الصين والهند، مثل احتفالات السنة الصينية (في يناير/كانون الثاني)، ومهرجان ديوالي في الهند (نوفمبر/تشرين الثاني)، فضلا عن موسم الأعراس في فترة الصيف (أغسطس/آب).
وفي هذه المناسبات الاجتماعية والمهرجانات الشعبية، تقبل أعداد ضخمة من الهنود والصينيين على شراء الذهب من أجل الزواج، ولأنه أيضا مخزن للمدخرات ووسيلة للأمان المالي، ولا سيما من قبل النساء والأرامل وسكان البوادي في الهند، إذ يأتي المعدن النفيس في المرتبة الثانية -بعد النفط- ضمن أكبر بنود فاتورة مستوردات الهند.
تجارة الخوف
يتمثل هذا العامل الأساسي الذي يحدد مستويات الطلب على الذهب، وبالتالي يؤثر بشكل كبير على الأسعار العالمية في سلوك الأفراد في عدد من الدول الصناعية المتقدمة مثل أميركا وألمانيا واليابان، إذ يفزع الناس إلى شراء الذهب كوسيلة تحوط تجاه تردي الأوضاع الاقتصادية، ومنها تراجع قيمة العملات المحلية، وتفاقم نسبة التضخم وتراجع أسعار العقار.
ويضاف إلى ذلك مخاوف المتعاملين في الأسواق العالمية من الاضطرابات السياسية والحروب التجارية وفقدان جاذبية السندات الحكومية وأسهم الشركات المدرجة في البورصات، وهو ما يدفعهم للذهب كملاذ آمن في أوقات الضبابية والشكوك التي تسود الأوضاع السياسية العالمية.
أين يستهلك؟
تستهلك صناعة المجوهرات والحلي أكثر من نصف ما يضخ في الأسواق العالمية من ذهب (52% أي 2233 طنا)، وتليها السبائك والعملات الذهبية (27% أي 1177 طنا) ثم قطاع التكنولوجيا (9% أي نحو 384 طنا) إذ يستعمل المعدن النفيس في صناعات النانو والأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب والهواتف المحمولة والاستعمالات الطبية، وذلك لأنه موصل عالي الكفاءة للطاقة.
وفي المرتبة الرابعة من حيث استيعاب إمدادات الذهب، نجد البنوك المركزية (8% بـ341 طنا)، ثم صناديق الاستثمار في الذهب والعقود الآجلة، وغيرها من أشكال التداول في الأسواق (3% بنحو 147 طنا).
عيارات الذهب
للذهب عدة عيارات مختلفة تقيس مدى تركيز المعدن الأصفر فيه:
1- الذهب الأصفر عيار 24: ذهب خالص لا يشوبه أي معدن آخر.
2 – الذهب الأصفر عيار 22: 91.7% من الذهب و5% من الفضة و2% من النحاس، و1.3% من الزنك.
3- الذهب الأصفر عيار 18: 75% ذهب، 15% فضة، 10% نحاس.
4- الذهب الأصفر عيار 14: 58.3% ذهب، 30% فضة، 11.7% نحاس.
5- الذهب الأصفر عيار 10: 41.7% ذهب، 52% فضة، 6.3% نحاس.
6- الذهب الأصفر عيار 9: 37.5% ذهب، 42.5% فضة، 20% نحاس.
أكبر المنتجين
الصين: 404 طنا (12% من الإنتاج العالمي)
أستراليا: 315 طنا
روسيا: 297 طنا
الولايات المتحدة: 221 طنا
كندا: 189 طنا.
والسودان أكبر دولة عربية وثالث أكبر دولة أفريقية من حيث إنتاج الذهب، إذ بلغ إنتاجه نحو 76 طنا في عام 2018، وتسبقها في القارة السمراء كل من غانا بـ130 طنا، ثم جنوب أفريقيا بـ129 طنا. وتحتل مصر المرتبة الثانية عربيا في إنتاج المعدن النفيس بـ14.7 طنا.
أكبر المستهلكين
الصين: 984 طنا سنويا.
الهند: 849 طنا سنويا.
الولايات المتحدة: 193 طنا سنويا.
ألمانيا: 124 سنويا.
تايلند: 90 طنا.
العرض والطلب
ناهز متوسط حجم الإمدادات السنوية لأسواق الذهب في العالم بين عامي 2008 و2017 نحو 4306 أطنان، واستحوذت مناجم الذهب على حصة الأسد في تأمين هذه الإمدادات بنسبة 67%، تلتها كميات الذهب المستخلصة من عمليات إعادة التدوير بنسبة 33%.
وكان متوسط الطلب العالمي على الذهب بين عامي 2008 و2017 قد ناهز 4282 طنا.
بورصة الذهب
تبلغ قيمة تجارة المعدن النفيس في بورصات الذهب عبر العالم 112 مليار دولار يوميا، وتوجد كبرى البورصات في لندن ثم في نيويورك، وتستحوذ الأولى على أكثر من نصف حجم التداول (65 مليار دولار) والثانية على أكثر من ثلث حجم التداول (37 مليار دولار)، ويجري بقية التداول في بورصات الذهب في شنغهاي وزيوريخ وموسكو وطوكيو ودبي وإسطنبول.
الجزيرة