على الرغم من انضمام كل الكتل النيابية في الحكومة التي شكلها الدكتور عادل عبدالمهدي، إلا أن حكومته تتعرض إلى انتقادات من قبل تلك الكتل، فالظروف السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية التي رافقت تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي جعلت منها حكومة ذات طابع اقتصادي وتوازني بين واشنطن وطهران والقوى السياسية في العراق.
أمام حكومة عادل عبدالمهدي العديد من التحديات الجمة، الأمر الذي يتطلب من القوى السياسية في العراق وواشنطن وطهران ودول الجوار، الوقوف إلى جانبها، للخروج بالعراق من أزماته وتحدياته، فعادل عبدالمهدي يعد رئيس وزراء العراق الوحيد الذي ليس له أي ظهير نيابي بمجلس النواب العراقي، بمعنى آخر ليس له في مجلس النواب أي نائب محسوب عليه، كما تحتاج حكومته من وسائل الإعلام العراقية بكافة أشكالها تسليط الضوء على بعض انجازات حكومته حتى لو كانت تلك الانجازات بسيطة من وجهة نظرهم وعدم التقليل من شأنها.
هناك انسجام واضح بين برهم صالح رئيس جمهورية العراق، وعادل عبدالمهدي في تحديد أولويات سياسة العراق الداخلية والخارجية، ولا سيما بالنأي في العراق عن التوترات السياسية والاقتصادية في المنطقة، لكنهما يصطدمان بمشكلات البلاد الكثيرة، فالعراق يتعرض اليوم إلى جملة تحديات خطيرة جدا، وهي تنقسم إلى عدة مستويات:
أولًا: على المستوى الأمني في الداخل العراقي، تفيد الوقائع على الأرض بأن هناك مجموعات مسلحة منفلتة تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار فيه، خارجيّا، التهديد العسكري الإسرائيلي خلال فترة قصيرة من الزمن، إذ كان العراق مسرحًا لعمليات عسكرية كاستهدافه بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولكن من أصل 11 عملية عسكرية هناك عمليتان عسكريتان اللتان استهدفتا آمرلي والقائم على الحدود العراقية-السورية، فالتقارير الاستخبارية والإعلامية تفيد بأن إسرائيل هي من تقف خلفها، كما تفيد التقارير الاستخبارية بأن هناك أيادٍ داخلية قامت بتلك العمليات العسكرية.
المستوى الثاني: الفساد المالي والإداري الذي كان ولا يزال من أهم معضلات إعادة بناء الدولة العراقية، لأنه مرتبط بشكل كبير بالمسؤولين العراقيين، وهناك أمثلة عديدة على ذلك منها: وجود وزراء مفروضين على رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، كتائبهم هي التي تدير عمل وزراتهم، كما أن الفاسدين الكبار كقطط السمان لا يزالون محتارون بالطريقة التي من شأنها أن تسهل لهم تهريب الأموال التي سرقوها من العراق، ومن صور الفساد الاقتصادي في العراق أيضًا الصراع بين الفاسدين في السيطرة على ملف الطاقة، فمن المعروف أن 97% من إيرادات الدولة العراقية تعتمد على قطاع الطاقة، وفي هذا السياق يقدم عادل عبدالمهدي كل الدعم لوزير النفط للقضاء على الفساد في قطاع النفط.
المستوى الثالث: المشكلات الاجتماعية، والتي تتمثل بالمشكلات العشائرية وخاصة في مدينة البصرة، ومشكلات نينوى وسهل نينوى ومشكلة كركوك، ومشكلات النازحين، حيث أعربت جينين هينيس بلاسخارت، ممثلة الأمم المتحدة في العراق عن قلقها إزاء أوضاعهم غير الإنسانية.
أمام هذه التحديات، يحاول عادل عبدالمهدي أن ينأى بالعراق عن الصراع بالوكالة، ولكن المهمة صعبة جدًا إن لم تكن شبه مستحيلة، لأن القوى العراقية السياسية في حالة استقطاب شديد، فهي منقسمة حيال ذلك الصراع إلى ثلاثة أطراف، الأول: إيراني بامتياز، والثاني: أمريكي-غربي- عربي بامتياز أيضًا، أما الطرف الثالث: فهو نفعي بامتياز “برغماتي”، فهو في مجلس الأمريكيين أمريكي وبمجلس الإيرانيين إيراني، وهذا الطرف في اجتماعات أعضائه المفروض أن تكون سرية، فما يترشح عن اجتماعاته يزودها للأمريكيين والإيرانيين على حد سواء، والمفارقة هنا بأن هذا الطرف أيضًا يلقى دعمًا من قبل بعض الدول العربية وطهران وواشنطن، ويمكن القول بأن هذا الطرف يناور ويلعب على الطرفين السابقين.
يسعى رئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي، أن ينهض بالعراق اقتصاديّا، ففي شقه الزراعي يكثف جهوده في أن يحقق للعراق الاكتفاء الذاتي الزراعي، والفائض منه يصار إلى تصديره إلى خارج العراق، وفي سبيل تحقيق ذلك، شجع أبناء القرى على البقاء بقراهم وعدم مغادرتها والتوجه إلى المدن، والدليل على اهتمامه بقطاع الزراعة قيام الحكومة العراقية بدفع أموال الحنطة للمزارعين، وهذا ما لم يحدث منذ عام 2003م، كما أنه يعمل على تحسين جودة الحنطة نظرًا للشكاوى التي وجهت لوزارة التجارة بخصوص عدم جودتها.
يحتاج عادل عبدالمهدي إلى ثلاث سنوات مقبلة كي يحول العراق إلى دولة منتجة وليس مستهلكة، وهذه المهمة ليست مستحيلة، ولكنها تحتاج إلى تكاتف كل القوى السياسية والمدنية، وجهاز إداري كفوء، وعلى الكتل السياسية أن تقدم الفاسدين إلى مجلس مكافحة الفساد لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، لإنجاح هذه الخطة الوطنية، فالعراق سيصل عدد مواطنيه إلى 40 مليون نسمة في عام 2021م ، ولابد له من سياسات اقتصادية تحفز على الانتاج وتقليص من مساحة الاستيراد، وإلا سيصبح الاستيراد إحدى أوراق الضغط المستقبلية على العراق.
خارجيّا، اتسمت علاقة الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي مع الدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية والغربية بالإيجابية، فعادل عبدالمهدي يسعى بكل جهد أن يعيد العراق إلى الخارطة السياسية العربية والإقليمية والدولية، ولكن هناك بعض المتربصين يدعمون فكرة تقسيم العراق إلى دويلات هزيلة، فعلى الدول المعنية في استقرار ووحدة العراق كالولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيران أن تدعم وحدة العراق وأن تقف موقف حازم من فكرة التقسيم الهدامة، لأن من مصلحة تلك الدول الإبقاء على العراق موحدًا قبل أن تكون من مصلحة العراق، لأن خطر تقسم العراق – لا قدر الله- لن يقتصر على الجغرافيا العراقية وحدها، بل سيمتد إلى دول الجوار وفق نظرية “العدوى”، لذا على جميع الدول أن تقف إلى جانب عادل عبدالمهدي خدمة لهم وللعراق، لأن عادل عبدالمهدي، يكاد يكون السياسي العراقي الوطني الذي يمثل الفرصة الأخيرة للنهوض بالعراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية