برز رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد (43 عاما) على الساحة السياسية بدفع من الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وبات يطمح إلى الوصول إلى قصر قرطاج رافعا لواء حزب أسسه منذ أشهر قليلة.
ترأس يوسف الشاهد الحكومة التونسية عام 2016 عن سن تناهز الأربعين عاما، ليكون بذلك أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس، ولم يكن معروفا لدى عامة الشعب ولدى الأوساط السياسية في البلاد آنذاك.
ودخل الشاهد، المهندس المتخصص في الهندسة الزراعية، معترك الحياة السياسية بعيد ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي بتأسيس حزب صغير “طريق الوسط”.
ثم شارك الأستاذ المحاضر السابق، الخبير الدولي في الزراعة، في تأسيس “الحزب الجمهوري” في 2012، قبل أن يلتحق بحزب السبسي “نداء تونس”، ويصبح عضوا في المكتب التنفيذي في الحزب الذي فاز في 2014 بالانتخابات التشريعية والبرلمانية.
وشغل الشاهد في شباط/ فبراير 2015 منصب كاتب دولة مكلف بالصيد البحري في حكومة الوحدة الوطنية التي قادها الحبيب الصيد، وبعد سنة تم تعيينه وزيرا للشؤون المحلية.
ومثّل آب/ أغسطس 2016 نقطة فاصلة في مسيرته السياسية، إذ اقترحه السبسي رئيسا للحكومة خلفا للحبيب الصيد بعد سحب البرلمان الثقة من حكومة الأخير.
ولقي صعود الشاهد ترحيبا واسعا من التونسيين الذين انتخبوا رئيسا ثمانينيا في 2014 إثر “ثورة الشباب”.
وأعلن الشاهد في العام 2017 “حربا على الفساد”، ووجهت له انتقادات مفادها أن حربه “انتقائية”.
وفي إعلان ترشحه أخيرا إلى الانتخابات الرئاسية، قال لأنصاره إن الترشح خطوة من أجل “القطع مع المنظومة القديمة والفساد”.
وكان ينظر إلى الشاهد في مرحلة أولى على أنه الرجل الذي يحظى بثقة السبسي، لكن العلاقة توترت. وبسبب الخلافات الداخلية على قيادة حزب “نداء تونس”، خصوصا مع نجل الرئيس الراحل حافظ قائد السبسي، انشق السياسي الطموح عن الحزب وأسس مطلع 2019 حركة “تحيا تونس”.
والتحق بالحزب عدد من السياسيين الذين كانوا غادروا “نداء تونس” فالتفوا حول الشاهد، وبات حزب “تحيا تونس” ثاني أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب بعد كتلة حركة “النهضة” الإسلامية.
اشتد الخلاف بين الباجي قائد السبسي والشاهد إلى درجة طالب هذا الأخير في 2018 برحيل رئيس حكومته، لكن “النهضة” رفضت وتشبثت به، معللة ذلك بضرورة الإبقاء على الاستقرار السياسي في البلاد، فبقي في منصبه. إلا أنه أعلن بعد ترشحه للرئاسة، أنه ليس مدعوما من “النهضة”.
– حصيلة
ويشغل الشاهد رئاسة الحكومة منذ ثلاث سنوات ليكون الشخصية السياسية الوحيدة الأطول بقاء في هذا المنصب منذ ثورة 2011.
ولم تظهر حصيلة عمل حكومة الشاهد في مجال مكافحة الفساد، ويؤخذ عليها عجزها عن معالجة ملفات حارقة كانت مطالب أساسية في ثورة 2011، وهي البطالة والتضخم، ما ساهم في بروز وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مجددا.
وتصل نسبة البطالة إلى حوالى 15 في المئة، بينما ترتفع نسبة التضخم إلى سبعة في المئة مع تراجع قيمة العملة المحلية، الدينار، أمام اليورو والدولار، في بلد يبلغ فيه الراتب الأدنى حوالي 400 دينار (حوالي 120 يورو)، ما دفع صندوق النقد الدولي للتعبير عن تخوفه على الوضع الاقتصادي في تونس التي يطالبها بإصلاحات عميقة.
وتمنح استطلاعات الرأي الشاهد مواقع متقدمة في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية ما بين الترتيب الرابع والخامس.
وتعرض الشاهد لانتقادات لكونه وظّف وسائل الدولة في خدمة حملته الانتخابية، فعمد في نهاية آب/ أغسطس إلى تفويض صلاحياته مؤقتا إلى وزير في حكومته حتى انتهاء الحملة الانتخابية.
ودعا الشاهد الذي يوصف بالليبيرالي في حملاته الانتخابية إلى الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد.
وقال خلال ندوة نظمت في فندق كبير في العاصمة التونسية أمام جمع من مؤيديه: “أنا ضد الليبرالية المتوحشة (…) التعليم والصحة جزء من دور الدولة، لكن هناك العديد من المجالات التي لن تتدخل فيها الدولة”.
ويعاني العديد من الشركات العامة التونسية، مثل الخطوط الجوية أو شركة “قفصة” للفوسفات، من صعوبات كبيرة في الإدارة والتمويل.
في عام 2016، منح صندوق النقد الدولي تونس قرضا بقيمة 2,4 مليار يورو على مدار أربع سنوات شرط التزامها بتنفيذ إصلاحات كبيرة.
ويقول الشاهد إنه يريد إنشاء “منطقة تجارة حرة مع الجزائر”.
وتقدمت رئاسة الحكومة في حزيران/ يونيو الماضي بمقترح قانون تمت المصادقة عليه لاحقا في البرلمان يرفض ويلغي ترشح كل من يتبين قيامه أو استفادته من أعمال ممنوعة على الأحزاب السياسية والإشهار السياسي خلال السنة التي تسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ووجهت للشاهد اتهامات بمحاولة إقصاء منافسين سياسيين لهم ثقلهم في المشهد السياسي التونسي.
لكن السبسي لم يوقع في حينه على التنقيحات التي أقرها البرلمان، والتي كان من شأن إصدارها إقصاء رجل الإعلام القوي وصاحب قناة “نسمة” التلفزيونية، نبيل القروي، من الترشح إلى الانتخابات الرئاسية.
والقروي موجود في السجن اليوم للاشتباه بتورطه في قضايا “غسل أموال”، لكنه ماض في حملته الانتخابية. وقال الشاهد تعليقا على توقيفه، إنه لن يتدخل في شؤون القضاء.
القدس العربي