يعيش رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي وضعا مشابها للذي عايشه سلفه حيدر العبادي على مستوى تأثير الخلافات الشيعية على الحكومة وسلطة الحشد الشعبي والميليشيات التابعة لإيران، كما تأثيرات العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وبقية دول المنطقة. ويرى الخبراء في استمرار هذه الأزمة حتى بعد تغيّر الحكومة نذير صراع جديد قد يشهده العراق وسيكون هذه المرة بين الفصائل الشيعية في ما بينها، وقد يتحول إلى حرب أهلية بين الميليشيات الموالية للدولة العراقية والميليشيات العراقية الموالية لإيران، والتي تبدو اليوم في غنى عن مثل هذا الصدام.
بغداد – عندما ظهر داعش في العراق سنة 2014 ملأ فراغا سياسيا وأيديولوجيا. استغل هذا التنظيم مشاعر السنّة الذين يشعرون بالتهميش إضافة إلى النقمة على الفساد وعجز حكومة بغداد. لا تزال هذه المشاعر حاضرة لكن من غير المحتمل أن يحشد العراقيون السنّة قواهم للمستقبل المنظور بعد أن أنهكتهم الحروب ضد داعش والقاعدة والصراع الداخلي مع الميليشيات الشيعية والحكومات الموالية لإيران.
لكن، بدلا من ذلك من المرجح أن يشهد العراق حجرا أهلية جديدة أفرادها هذه المرة الفصائل الشيعية-الشيعية التي صعّدت خلافاتها القديمة على السطح بعد أن انتهى السبب الذي كان يجمعها برحيل تنظيم داعش.
ويعيش العراق وضعا سياسيا هشّا، ويشهد موجة خلافات غير مسبوقة بين قادة قوات الحشد الشعبي وأخرى بين سياسيين موالين إجمالا لإيران، ما يهدّد استقرار البلاد ومستقبل رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي لم يمر على حكومته سوى 11 شهرا، والذي يستمد نفوذه من تعايش قائمتي سائرون التي يدعمها رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، وتحالف الفتح، الممثل السياسي لقوات الحشد الشعبي، داخلها وداخل البرلمان.
لكن، التصدعات التي ظهرت، منذ سنوات، وأثرت في حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، كبرت وقد تتحول إلى زلزال ستكون ارتداداته حربا جديدة في العراق بدلا من طي صفحة الإرهاب والفوضى. وأخطر ما فيها هو السلاح الذي تمتلكه الميليشيات التي تعجز الحكومة عن السيطرة عليها والتي تدين بالولاء لإيران لا للدولة العراقية.
العراق يشهد خلافات غير مسبوقة بين قادة قوات الحشد الشعبي وأخرى بين سياسيين موالين لإيران، ما يهدد استقرار البلاد ومستقبل رئيس الوزراء
ويعتبر هذا الخلاف داخل التحالف الشيعي العراقي الأخطر منذ عام 2003. ويرجع ذلك إلى خلافات عدة نشبت بين الأحزاب الشيعية، أهمّها تلك المتعلِّقة بأزمة الحشد الشعبي وأخرى بالعلاقات الأميركية الإيرانية.
ويقول رئيس المركز العراقي للفكر السياسي إحسان الشمري “الوضع مرتبك، الأحزاب السياسية تقوم بإعادة تموضع والتحالفات الكبيرة تفككت”.
ويتوقع الشمري أن ينهار “تحالف تكتيكي” بين الصدر والفتح في ظل تزايد انتقادات الصدر للحشد الشعبي لحيازة الأخير على السلاح وتحركه، بحسب بعض التقارير، لتشكيل قوة جوية خاصة به.
وقال الصدر الأسبوع الماضي في تغريدة على تويتر إن العراق يتحول من دولة “القانون” إلى دولة “الشغب”. وبعد أيام قليلة، ظهر الصدر في صور خلال زيارة غير معلنة قام بها إلى إيران التي تلعب دورا رئيسيا على الساحة السياسية العراقية.
ويقول الشمري بهذا الخصوص، إنه من المحتمل أن يكون الصدر قصد إيران ليشتكي من الحشد الشعبي أو للحصول على المزيد من الدعم، بما في ذلك الرأي حول رئيس الوزراء القادم في حال سحب الثقة من الحكومة الحالية.
ويضيف “الصدر ما زال هو الراعي الأكبر للحكومة، لكن إذا لم تحرز الحكومة تقدما على صعيد حل المشاكل، سيقدم الصدر على الأرجح على سيناريو التظاهرات ونرى بوادر لذلك”، في إشارة إلى التظاهرات التي قام بها أنصار الصدر في 2016 و2017 للمطالبة بالإصلاح، والتي وضعت الحكومات في وضع صعب. وفي مؤشر لما يمكن أن يحدث، قدّم وزير الصحة علاء العلوان المدعوم من الصدر، استقالته الأحد، تحت مبرر الفساد الإداري.
تزايد نفوذ الأحزاب الشيعية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين إثر الهجوم على العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وهيمنت على المناصب الحكومية المهمة والمؤسسات الأمنية في البلاد منذ سنة 2003.
وتشكلت قوات الحشد الشعبي بفتوى أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني عام 2014 بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح وسيطر على ثلث مساحة البلاد آنذاك، قبل أن يتم دحره نهاية عام 2017.
ويقول الباحث في مركز تشاتام هاوس البريطاني ريناد منصور عن السياسيين، إنهم منقسمون منذ سنوات بين موالين لإيران والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، والداعمين للمرجع الشيعي في العراق آية الله علي السيستاني.
وقبل أن تتحد إثر فتوى السيستاني، وصلت الخلافات بين الميليشيات الشيعية بعد سقوط نظام صدام حسين إلى حد خوض فيلق بدر، أقدم ميليشيا في العراق، (تكوّن في الثمانينات في إيران) معارك دامية مع مقتدى الصدر الذي كان معارضا للغرب وجيش المهدي الموالي له. وقد تمت تصفية جيش المهدي في معركة صولة الفرسان، في البصرة، التي قادها نوري المالكي.
ويوضح ريناد منصور أن “هناك غموضا الآن وهشاشة أكثر، وأن العامل الأكبر لذلك هو التحدي الذي يواجهه الحشد في التحول إلى مؤسسة عراقية، بعد (انتهاء) تنظيم الدولة الإسلامية”.
ويقول منصور “الجبهة جفّت الآن، لم تعد الفصائل قادرة على تحقيق موارد وأصبحت تتنافس الآن مع بعضها البعض من أجل المناصب السياسية”.
كشفت الضربات الجوية التي اتهمت بها إسرائيل خلال الصيف عن خلاف آخر بين القائد الرسمي للحشد فالح الفياض ونائبه أبومهدي المهندس، المقرب بشكل كبير من إيران، ويعتقد بأنه صاحب السلطة الحقيقية على الحشد الشعبي.
واتهم المهندس واشنطن وإسرائيل بالوقوف وراء تلك الضربات، لكن الفياض اعتبر أن الاتهام لا يعكس الموقف الرسمي للحشد الشعبي.
وبعد أسابيع قليلة، كشفت وثيقة تحمل توقيع المهندس تخويلا يسمح للحشد الشعبي بتشكيل قوة جوية خاصة به، الأمر الذي قوبل بنفي من مكتب الحشد. ويقول منصور إنها “المرة الأولى” التي يختلف فيها القادة علنا وبهذا الشكل.
يواجه عبدالمهدي جملة من التحديات من أجل دفع حكومته إلى مرحلة ما بعد ميلادها الأول. ويهدد نواب البرلمان باستدعاء وزراء لعدم إحراز تقدم في الخدمات وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد. ويرى منصور أن “إقالة رئيس الوزراء ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار، فذلك لم يحدث أبدا” من قبل.
وترى رندا سليم، الباحثة في معهد الشرق الأوسط، أن تزايد الضربات على الحشد الشعبي سيعقد جهود بغداد في موازنة علاقاتها مع طهران وواشنطن. وبالتالي، قد تكون إيران سبب بقاء عبدالمهدي في منصبه. وتشير سليم إلى أن “إيران تريد أن تبقى الأمور كما هي في بغداد اليوم، وتريد إقناع الصدر بالتعايش مع عبدالمهدي حاليا”.
العرب