الأستاذ الدكتور غادة عامر
استاذ هندسة الطاقة وزميل أكاديمية ناصر العسكرية
لقد كتب منذ حوالي ثلاثة أشهر مقال بعنوان ” دور التكنولوجيا في قرع طبول الحرب في الخليج العربي”، أشرت فيه إلي أن العملية الإرهابية التي استهدفت أربع سفن شحن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية والهجوم الإرهابي الذي وقع في المملكة العربية السعودية بطائرات بدون طيار على محطتين ضخ النفط التابعتين لشركة أرامكو في أيار/ مايو الماضي دون أن تستطيع أي جهة تحديد من هي الجماعة أو المنظمة أو الدولة التي قامت بهذا العمل بشكل قاطع، يعني أن منطقة الخليج تتعرض للحروب اللامتماثلة. والآن بعد تصاعد أحداث كثيرة منها الهجوم بسرب طائرات مسيرة على منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة “أرامكو” السعودية العملاقة صباح السبت 14أيلول/ سبتمبر 2019م – حسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس” عن وزارة الداخلية- وأدت الي خفض إنتاج السعودية بمقدار النصف ورفعت درجة التوتر في المنطقة إلى حالة غير مسبوقة، و كذلك الهجوم الممنهج الخبيث الذي يشن علي مصر باستخدام الإعلام التفاعلي وتكنولوجيا صناعة المقاطع عميقة التزييف التي تستخدم في أكثر من منصة، (أشار الي خطورته تلك التكنولوجيا الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في فيسبوك في مقال لمجلة إم أي تي تكنولوجي ريفيو في العدد الصادر في 16 أيلول/سبتمبر 2019م)، تأكدت من أمرين: الأول أن منطقتنا الآن تحت نيران حرب من الحروب اللامتماثلة، الثاني أن مخطط تفتيت المنطقة الذي فشل في عام 2011م، يتم تنفيذه الآن مره أخري لكن باستخدام أدوات الحروب اللامتماثلة التي تعتمد علي التكنولوجيا الحديثة والخبيثة، والتي لها قدر علي أن تفقد الضحية توازنها بأقل تكلفة و بكفاءة اعتداء عالية دون أن يظهر العدو علي الساحة.
لقد كتب برنارد لويس مخططا لتقسيم الشرق الأوسط، ملحقا به خريطة جديدة، يتفتت فيها العالم العربي إلى عدة دويلات صغيرة على أساس العرق والدين، و ذلك حتى يكون من الطبيعي أن تقام دولة اليهود علي أساس ديني خالص وتكون الأكبر والأقوى. و لكي تعرف باختصار من هو برنارد لويس، هو مهندس الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها كونداليزا رايس قبل أحداث 2011م، ففي سبعينيات القرن العشرين، انتقل برنارد لويس للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل أستاذا للتاريخ في جامعة برنستون. والتحق بالطاقم الاستشاري للسيناتور هنري جاكسون، صاحب الرؤى اليمينية المتطرفة. وعندما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق “زبغنيو بريجنسكي”، مخترع “تنظيم القاعدة”، عن مخططه لـ”تصحيح حدود سايكس بيكو”، وإعادة تقسيم الشرق الأوسط، تمت الاستعانة بـ برنارد لويس كخبير أساسي في عملية التقسيم المنشودة.
لكن دعوني أعود لما تواجهه دولنا الآن، لان ما يهمني هو التكنولوجيا الفائقة التي تستخدم، ففي هجوم سعودية تم استخدام أسراب من الطائرات بدون طيار بطريقة تحكم متزامنة و دقيقة، وحسب ما قاله وزير الدفاع البريطاني إن أسراب طائرات صغيرة بدون طيار تربك وتطغى على الدفاعات المضادة للطائرات، وأن هذا أمر من شأنه أن يمثل تطورًا كبيرًا في الحرب التي يدعمها الإنسان الآلي، وان هذه التكنولوجيا حديثة، بل أن بريطانيا العظمي بعلمائها ومعاملها التي تدعم كل أدوات الحروب الحديثة، أعلن وزير دفاعها “غافن ويليامسون” في معهد رويال يونايتد للخدمات، إن بريطانيا ستمول تطوير أسراب سرب من طائرات بدون طيار، مشيرًا إلى أن هذه المركبات ستكمل أسطول مقاتلات F-35 ، و ذلك في شهر فبراير الماضي -أي أنها تكنولوجيا حديثة- فهل يعقل أن تمتلك جماعة الحوثي هذه التكنولوجيا الفائقة الآن؟؟؟؟
الأمر الأخر كيف تمكن الحوثيون من اطلاق طائرات بدون طيار من قواعدهم في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية إلى الركن الشمالي الشرقي، على بعد أكثر من 1500 كم، وكيف تم التحكم في هذا السرب وتوجيه عن بعد، وهذا أمر لا يحدث ألا عن طريق استخدام أقمار اصطناعية حديثة ؟، وعفوا، لا توجد دوله ولا جماعه في المنطقة العربية تمتلك التكنولوجيا لتسيير عشر طائرات بدون طيار لمئات الكيلومترات بدون أن تفقد طيارة واحدة . وهل يعقل أن عشرات الطائرات المسيرة تطير طول وعرض السعودية وهي طائرات بطيئة جدا ويسهل تتبعها ولا تكتشفها الأقمار الأمريكية التي كشفت أكثر الأمور تعقيدا في التخفي وتعرف بالضبط من أين جاءت؟!، أسئلة تحتاج الي تفكير عميق حتي نعي ما يحدث حولنا.
وبالعودة الي الحملة الممنهجة التي تشن علي مصر، باستخدام تكنولوجيا التسويق الإلكتروني الذكي، والأعلام التفاعلي الذي يدحض أي فرصة للمشاهد في أن ينكر ما يبثونه بهجوم إلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك تكنولوجيا الفوتوشوب والتزييف العميق، ولكي تكتمل الحبكة لابد من تسويق شخصيات أقرب للمسخ المجوف الذي لا يمتلك لا علم و لا سيرة ذاتية و لا عفوا كاريزما علي انه بطل، مستغلين سطحية البعض لو عدم قراءة السواد الأعظم من الشعب العربي للتاريخ.
أن تلك الهجمات التي أشرت إليها أعلاه هي جزء بسيط مما يشن علينا من الحروب اللامتماثلة (الحروب الحديثة) لنشر الفرقة ولزعزعة الأمن والاستقرار، وذلك لتحويل دولنا الي دول فاشلة مسلوبة الإرادة، يسهل السيطرة عليها وتفتيتها لتحقيق خريطة برنارد لويس المزعومة، وذلك دون أن يخسر العدو جندي واحد، بل وبأقل تكلفة فمثلا هجوم سرب الطائرات الذي شن علي السعودية و كبلها الكثير من الخسائر (تقريبا 2.2 مليار دولار) لن تزيد تكلفته عن 150،000 دولار (بافتراض أن كل طائرة بدون طيار تكلف 10000 دولار)، ألم اقل لكم أهلا بكم في المستقبل!