موازنة 2020 .. انتكاسة للواقع الاقتصادي العراقي

موازنة 2020 .. انتكاسة للواقع الاقتصادي العراقي

 

 

الباحثة شذى خليل*

يعاني الاقتصاد العراقي اليوم من تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع حجم المديونة، وتسديد مستحقاتها وفوائدها، وارتفاع نسبة العجز فيها، وتصل الى ارقام مخيفة، ويؤكد مختصون اقتصاديون ان السبب هو الفساد المالي والإداري وسوء إدارة الثروات ، وذهاب هذه الأموال إلى جيوب الأحزاب لتمويل أنشطتها بدلا من التنمية المستدامة.
كما وأكد رئيس كتلة الاصلاح والاعمار النيابية النائب صباح الساعدي، ان مقدار الاموال التي خصصت في الموازنات العامة الاتحادية للسنوات الخمس عشرة الماضية مهولة ومخيفة ومرعبة، وان مشكلة العراق ليس في الاموال بل في سوء ادارتها، داعيا مجلس مكافحة الفساد الى ان تكون نقطة شروعه من هذه الموازنات لمحاكمة من تسبب في هدر وسرقة هذه الاموال، وكانت على النحو التالي:

الجداول (خاصة بمركز الروابط ) إذ يوضح الرسم البياني التخصيصات منذ عام 2005 ولغاية 2019 .

من عام 2005 لغاية هذا العام، بلغت (1٫515٫085٫417) ترليون دينار عراقي، بما يعادل (1٫262٫500 مليار دولار أميركي) تقريبا، في حين بلغت مجموع الموازنات الاستثمارية لنفس الأعوام (419 ترليون دينار عراقي)”
إذ شرعت وزارة المالية بكتابة المسودة النهائية لمشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2020 التي ُقدرت إيراداتها بـ139 ترليون دينار، على احتساب سعر بيع برميل النفط الخام بـ53 دولارا أميركيا، كما يتضمن القانون فقرات لتسديد ديون خارجية تقدر بـ(20) مليار دولار، وتفاقم عجز الموازنة بعدما تجاوز حاجز الـ72 تريليون دينار.
ويقول عضو اللجنة المالية جمال كوجر إن “الموازنة الاتحادية للعام 2020 سُتخصص مبلغا يتراوح بين 15 إلى 20 مليار دولار لتسديد مستحقات وفوائد ديون خارجية مترتبة على الدولة العراقية”، مشدداً على أن لجنته “ستضع فقرة في الموازنة الجديدة تمنع فيها الحكومة من الاقتراض الخارجي”.
وبسبب اقتصاد البلد الهش الذي لا يتحمل مزيدا من الاقتراض الخارجي الذي يحتوي على مخاطرة تتمثل في تخفيف الدعم عن الفقراء ورفع أسعار المشتقات النفطية وزيادة الضرائب وغيرها، عملت المالية النيابية على إضافة فقرة منعت فيها الحكومة من الاقتراض الخارجي، معتبرة أن هذه الأنواع من الاقتراض تمثل خطرا على مستقبل الأجيال وتهدد وجود اقتصاد الدولة.
تراكم الديون:
نتيجة للفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية، تراكمت ديون العراق الخارجية في السنوات الأخيرة من جهة، ولجوء الحكومات السابقة إلى سياسة الاقتراض زاد عجزها، من جهة أخرى.
ويؤكد اقتصاديون ان الدين الأجنبي حاليا – وفقا لصندوق النقد الدولي- 85.3 مليار دولار، ويضم مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة وشراء الكهرباء والغاز من إيران، في حين يبلغ الدين الداخلي أربعين مليار دولار، أغلبه للبنك المركزي والمصارف الحكومية الثلاثة (الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة، وهيئة التقاعد الوطنية).
إن العراق اليوم مدين لدول الخليج بمبلغ يقارب 41 مليار دولار، اقترضها النظام السياسي السابق، بالإضافة إلى ديون دول نادي باريس البالغة تسعة مليارات دولار، واقتربت الديون العراقية من مستوى الخط الأحمر لبلوغها 55% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتوصف الديون “بأنها بغيضة” لا يمكن للدولة العراقية في ما إذا “استمرت على هذه السياسة التخلص من فوائد هذه القروض”، وانها اصبحت عبئا يثقل كاهل العراق دون وجود حلول للمشكلة”، ويحتاج العراق إلى ثلاثين عاما لتسديدها من قبل الحكومة، وهو ما سيخضع مقدرات العراق النفطية لسنوات طويلة تحت رهن البنوك والدول الدائنة.
إن مبلغ المديونية العراقية كبير جدا، وذهب جزء منه إلى جيوب الفاسدين وبعض الأحزاب السياسية، عبر المشاريع الوهمية في ظل غياب الشفافية منذ عام 2003، إذ اصبح العراق يوصف بأنه واحد من أكثر البلدان فساداً على مستوى العالم، حيث يحتل المرتبة 161 من أصل 168 بلداً في تصنيف الفساد، وان ارتفاع نسبة الفساد فيه أصبح سبباً لهدر الموارد والثروات وعدم الاستفادة منها واستثمارها.
الفساد ينمي العجز في الموازنة:
ان “حجم الموازنة الاتحادية لعام 2020 يقدر بـ139 ترليون دينار باحتساب سعر برميل بيع النفط 53 دولارا”، لكن “هذه الأرقام أولية وستكون خاضعة للتخفيض أو الزيادة اعتمادا على المتغيرات”، وتعمل الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان عبر اللجان الفنية لتسوية كل الملفات الخلافية والمتعلقة بتصدير النفط ودفع المستحقات المالية من أجل تضمينها في قانون الموازنة لعام 2020.
يبين النائب عن ائتلاف دولة القانون عبد الهادي السعداوي، أن “الاجتماعات ما زالت مستمرة بين دوائر وزارة المالية لتخفيض عجز الموازنة الاتحادية للعام المقبل دون 72 ترليون دينار”، مضيفا أن “هناك كلفا تخمينية كبيرة ترسل من قبل الوزارات والمحافظات لتضمينها في قانون الموازنة”.
ويضيف السعداوي: “في حال الأخذ بكل هذه التخمينات دون تعديلاتها من قبل دوائر وزارة المالية، ستؤدي إلى وجود عجز كبير في موازنة العام المقبل”، مضيفا أنه “من الضروري وجود إلزام من قبل وزارة المالية للحكومات المحلية وإقليم كردستان بإدخال كل الإيرادات الداخلية في الموازنة”.
وذكر مصدر برلماني في تموز الماضي أسباب تنامي العجز في موازنة العام المقبل إلى إضافة (30) ألف عنصر إلى قوات الحشد الشعبي وتثبيت العقود، والأجور اليومية في جميع الوزارات، وإعادة المفصولين للأجهزة الأمنية.
وقالت النائبة عن اللجنة المالية النيابية إخلاص الدليمي، أن هناك ديونا صرفت، وأصبح البلد ملزما بتسديد مستحقاتها وفوائدها، “ولم تذهب هذه الأموال لتحقيق التنمية وإنما لجيوب الفاسدين”.
وأضافت الدليمي، أن “نسبة القروض في كل ميزانية بعد عام 2003 تبلغ بين 20 و25٪ من إجمالي الميزانية، بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات السابقة التي تعد خططا اقتصادية بعشوائية لا تعتمد على رجال الاقتصاد، وإنما على الأحزاب ورجال الأعمال الموالين لها، والعبث بمقدرات البلد من خلال المليشيات.
كما أكد اقتصاديون أن مشكلة العراق تتمثل في غياب الرقابة على الديون، الأمر الذي جعل العديد من المنظمات الدولية ترفض إقراضه بشكل مباشر، وإنما عبر دعم مشاريع خدمية تشرف عليها، خوفا من الفساد المالي والإداري.
وقال باسم جميل أنطوان نائب رئيس جمعية الاقتصاديين العراقيين، إن “مشكلة العراق تتمثل في ضعف الرقابة، فالأموال التي دخلت البلد من النفط تقدر بترليون دولار، منذ عام 2003 وحتى الآن، وهي كفيلة ببناء البلد، وعدم الاقتراض من أية جهة خارجية أو داخلية”.
وأضاف، أن المشكلة التي رافقت الديون العراقية هي الفساد المالي والإداري، وجزء من هذا الدين ذهب إلى دعم الموازنة المالية في سد رواتب الموظفين والنفقات العامة وغيرها، في حين هناك مشاريع متوقفة مولت من أموال الدين العام، وأن الأجيال العراقية أصبحت مديونة بمبالغ كبيرة، وأنه كان من المفترض على الحكومات التفكير في بناء مستقبل جيد لهذه الأجيال عبر التنمية المستدامة.
ولا ننسى اهم مشكلة في الاقتصاد العراقي، وهي سوء التخطيط والإدارة لأموال الدولة ريعية الاقتصاد العراقي: ومن المعروف ان العراق محكوم بديناميكية الريعية التي تحتم تعميق الاعتماد الريعي الذي لا خلاص منه إلا بهدم الأساس الذي يعتمد علية الاقتصاد الريعي بمكوناته الاربعة:
1. الدخل الرئيس للاقتصاد من صادرات النفط.
2. القيمة المضافة والايدي العاملة المحلية لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من القيمة الكلية للصادرات النفطية.
3. إيرادات النفط تأتي من الخارج، ولاشي من الاستثمار الداخلي .
4. سوء تخطيط واستثمار ايرادات الدخل الريعي، فهو يذهب الى الحكومة وغلبا بمنافذ استهلاكية او بفساد مالي واداري أي “سرقة”.
ويشهد الوضع العراقي فوضى عارمة او ما تسمى بـ”الديمقراطية ” وهي تسابق بالاستحواذ على الريع، إضافة الى الفساد المالي والإداري المتفشي في كل الدول الريعية، والذي بلغ ذروته في العراق.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية