الباحثة شذى خليل*
بضع مئات الأمتار تفصل بين مدينة البوكمال السورية ومدينة القائم العراقية ، وتربط بين المدينتين، تاريخياً علاقات قبلية وعائلية، وعلى امتداد عقود، ولها أهمية استراتيجية بالنسبة إلى البلدين،( العراق وسوريا ) .
وبعد خمس سنوات من إغلاقه بسبب سيطرة تنظيم داعش الارهابي عليه عام 2014. ، أعلنت هيئة المنافذ الحدودية العراقية وبأمر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي افتتاح معبر “القائم” على الحدود العراقية السورية الذي يمثل بوابة اقتصادية حيوية تخدم البلدين.
ويعد موقع مدينة “البوكمال ” موقعا استراتيجيا على ضفاف نهر الفرات في محافظة دير الزور شرقي سوريا، ما جعل منها ولفترة طويلة نقطة جذب عسكرية للقوات الأجنبية.
إذ ترتبط سوريا مع العراق بثلاثة معابر حدودية، اثنان منهما تحت سيطرة القوات الأمريكية، الأول هو “اليعربية – ربيعة” الذي يربط أقصى شمال شرق سوريا بالأراضي العراقية، وتسيطر عليه قوات التحالف الأمريكي متخذة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) واجهة لها على المعبر، والثاني هو معبر “الوليد-التنف” الذي تسيطر عليه القوات الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر.
أما المعبر الثالث فهو “البوكمال-القائم”، الذي تمكن النظام السوري والقوات العراقية وحلفاؤهما على طرفي الحدود من السيطرة عليه نهاية 2017 من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، والذي أغلق عام 2014 على مدينة القائم العراقية، وبدأ الحديث عن إعادة تأهيله في آذار/ مارس الماضي.
وتأجلت عملية الافتتاح في فترات سابقة، بسبب أشغال الصيانة والترتيبات اللوجستية المتعلقة بالكهرباء والماء على وجه التحديد.
وكانت أول خطوة لإعلان إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين من جديد، في نيسان/ أبريل الماضي، عندما عبرت حافلتان لزوار من العراق إلى سوريا من معبر القائم الحدودي من الجانب العراقي.
معبر البوكمال بوابة طريق طهران بغداد بيروت:
في خطوةٍ تحمل رسائل عسكرية – سياسية، قبل أن تكون اقتصادية، كون الطريق من البوكمال نحو دمشق ما زال في عداد الطرق غير الآمنة تماماً، لوجود خلايا “داعش”، في جيوب صحراوية، قريبة من بلدات الشولة وكباجب والسخنة، التي يمر الطريق نحو دمشق قريباً منها.
تتجه حكومة النظام السوري، بالتنسيق مع نظيرتها العراقية، لإعادة فتح معبر البوكمال – القائم بين العراق وسورية وإيران .
تحمل عملية فتح المعبر أهمية للبلدان الثلاث، لأنها تشكل مكانة استثنائية لطهران، التي تواجه حزمة العقوبات الأميركية الثانية، التي دخلت حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشملت قطاعي النفط والمصارف بصورة رئيسية.
وتعمل طهران وبحزم على فتح متنفسٍ لها من هذه العقوبات، عبر البلدان التي لها نفوذٌ في الشرق الأوسط، وتحديداً العراق، على الرغم من أن الأخير أعلن رسمياً، في أغسطس/ آب الماضي، على لسان رئيس وزرائه السابق، أنه “من حيث المبدأ، نحن ضد العقوبات في المنطقة، لكننا سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا”.
ويربط الأوتوستراد، الذي يمر بالمعبر، البلدين، إذ يأتي من بغداد نحو الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة وصولاً للقائم، ثم يدخل سوريا بعد ذلك، متجهاً شمالاً نحو مدينة الميادين ثم دير الزور، ويتفرع هناك إلى طريقين، أحدهما نحو حلب واللاذقية على البحر المتوسط، والثاني يتجه جنوباً، مروراً ببلدتي كباجب والسخنة بالبادية السورية، ثم مدينة تدمر، ومنها يتفرع بطريقين، أحدهما نحو الفرقلس ثم مدينة حمص، والثاني يتجه نحو القلمون الشرقي بريف دمشق، وصولاً إلى العاصمة السورية، حيث يرتبط بالطرقات الدولية التي تصل دمشق بلبنان، وبجنوب سوريا.
إلا أن أولوية الأهمية العسكرية – السياسية للمعبر، بالنسبة لإيران والعراق وسوريا، لا تلغي الأهمية الاقتصادية، إذ أنه يتيح إعادة طريق التجارة البري، من طهران وبغداد، إلى دمشق ثم بيروت، كأول معبر لسورية يُفتح أمام حركة التجارة البرية مع دول الجوار، منذ سنوات، باستثناء المعابر مع لبنان، التي بقيت مفتوحة أمام حركة المسافرين والتجارة.
من جهته، يفسر الخبير الاستراتيجي علي فضل الله، خطوة إعادة فتح معبر القائم-البوكمال، بأنها تأتي في ظل “التنسيق الكبير بين الحكومتين العراقية والسورية”، مستدركا بقوله: “المشكلة أن هذا المعبر يقع ضمن منطقة ملتهبة ومهددة أمنيا “.
ويضيف، ان “حدود المنطقة الغربية للعراق لا تزال بعض الجيوب الإرهابية متواجدة فيها، وكذلك الأراضي السورية تعتبر أصعب، لأن هناك خلافات وتقاطعات بين أكثر من قوة متواجدة بسوريا، ولا تزال المنطقة بالعموم تشهد عمليات أمنية على كلا الطرفين”، وهناك تنسيق وتبادل معلومات بين الحكومة العراقية والسورية من أجل تأمين المسار الذي يؤدي إلى المعبر، مشيرا إلى أن أهمية المعبر تكمن في بعدين، الأول استراتيجي والثاني اقتصادي”، كما أن “العراق يستشعر من خلال دمج الاقتصاد بالسياسة، أنه سيشكل ورقة ضغط على النظام السوري لتأمين المنطقة”، إلى جانب أهميته على التجارة العالمية، في ظل وجود صراع حول هذا الطريق، ليكون في المستقبل مسارا للتجارة الدولية.
ويعتقد فضل الله، أن الاستفادة ثلاثية، حيث ان الجانب العراقي من المعبر سيخضع لسيطرة القوات العراقية دون الرجوع لأية قوة أجنبية، فيما قد يستعين النظام السوري من جانبه بقوات ثانية مثل الميليشيات الإيرانية أو غيرها”، معللا ذلك بأن “سوريا تعاني من هشاشة في الوضع الأمني والموارد البشرية للجيش، ما يدفع طهران للمساهمة في تأمين نقل البضائع والتبادل التجاري بين العراق وسوريا”، إضافة إلى الاستفادة السياسية والاقتصادية للعراق وسوريا من إعادة فتح المعبر، وأن ذلك “يتمثل في طريق التجارة المدنية وليس العسكرية، لأن سوريا تعاني، وإيران لا تريد أن تنكسر سوريا، وتريد أن يبقى الخط اللوجستي بين العراق وسوريا، معتقدا أن أميركا ستحاول منع فتح المعبر، أو على الأقل عدم وصوله للطاقة الاستيعابية الكاملة.
أما إيران فأنها تعمل جاهدة على الحفاظ على معبر البوكمال الحدودي تحت سيطرتها، وهو المعبر السوري العراقي الوحيد الواقع تحت السيطرة الإيرانية، بهدف تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، والتخفيف من حدّة تأثير العقوبات الأمريكية.
وخلاصة القول، نتسائل: هل سيكون هذا الممر البري، على المدى القريب، ثروة حيوية كبيرة للنظام الإيراني الذي يعمل على توسيع التجارة والتقليل من تأثير العقوبات الأمريكية على اقتصاده؟ أم أن افتتاح معبر البوكمال سيشكل قفزة كبيرة على مستوى التبادل التجاري العراقي السوري، بما يعود بالخير والفائدة على الشعبين.
تؤدّي الحدود السورية-العراقية دوراً جديداً في الخصومة الإقليمية الناشئة بين إيران وإسرائيل، فالدولتان الآن تعتبران أن للحدود أهمية استراتيجية، ففي نظر طهران، تعني السيطرة على الحدود امتلاك القدرة على نقل القوات الإيرانية والميليشيات إلى سوريا ولبنان، في حال اندلاع نزاع أوسع مع إسرائيل والاخيرة، تسعى الى منع حدوث ذلك.
وستبقى أهمية المعبر أهمية استراتيجية في المستقبل، فقد أصبحت المدينتان أكثر بكثير من مجرّد معبر حدودي، وتُجسّدان في هذا الإطار تخوماً ذات تداعيات على المستوى الإقليمي.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية