يترقب الشارع العراقي بحذر تنفيذ الحكومة للوعود التي قطعتها للمتظاهرين، والتي تضمنت توظيف العاطلين من العمل وتوفير فرص العمل وتوزيع منح مالية وقطع أراضٍ سكنية، استطاعت من خلالها أن تخفف حدة التظاهرات التي اجتاحت البلاد منذ الأسبوع الفائت عبر جذب الآلاف من المواطنين إلى شبابيك الدوائر الحكومية بطوابير طويلة غير مسبوقة.
ووسط مخاوف وتحديات كبيرة تواجه التنفيذ، فضلاً عن شكوك في النيات الحكومية، يؤكد مختصون أن الإيفاء بتلك الوعود يحتاج إلى أرضية مناسبة خالية من الفساد وفترة زمنية قد تمتد لسنوات، وأن مافيات سرقة المال العام ستكون التحدي الأكبر خلال الفترة المقبلة.
ولاحظت “العربي الجديد” في جولة ميدانية، صباح أمس الثلاثاء، احتشاد الآلاف من المواطنين أمام مباني الوزارات الحكومية، ومنها العمل والشؤون الاجتماعية، حيث طالبوا بالاطلاع على الآلية الحكومية بتنفيذ تلك الوعود. كذلك فإن المنتسبين المفسوخة عقودهم أمام وزارتي الدفاع والداخلية وغيرها، طالبوا بتنفيذ وعود إعادتهم إلى وظائفهم.
وحتى الآن لم يحصل أي من المواطنين على إجابات شافية من تلك الدوائر، بينما دعت وزارة العمل المواطنين إلى “عدم مراجعة مبنى الوزارة في الوقت الحالي، والاكتفاء بالاتصال الهاتفي وفقاً لأرقام محددة خصصتها لهذا الغرض.
وحسب مسؤول قريب من مكتب رئيس الحكومة، لـ”العربي الجديد”، فإن “الوعود التي أطلقتها الحكومة موجهة إلى العاطلين من العمل وشريحة الفقراء، حيث تؤكد تقارير رسمية أن المتظاهرين من هاتين الشريحتين.
وأوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنه ستُنفَّذ الوعود المتعلقة بتوزيع قطع الأراضي ومنح القروض، فضلاً عن صرف إعانات شهرية للعاطلين من العمل، غير أن هناك قرارات ووعوداً تحتاج إلى سنوات، مثل القضاء على أزمة السكن، أو إصلاح وضع القطاع الصحي والتعليمي، والقضاء على الفساد الذي يُعتبر مفتاح حل لكل مشاكل العراق.
وأشار إلى أن “هناك مداولات بين أطراف الحكومة والبرلمان، للخروج من هذه الأزمة، بعد أن أدرك المسؤولون أن الشعب لن يسكت من دون تنفيذ تلك الوعود”.
ويبلغ إجمالي نسبة البطالة في العراق نحو 22%، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، فيما أكد نواب في البرلمان أنها تصل إلى نحو 40% في بعض المدن المحررة في شمال البلاد وغربها. وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في شهر مايو/ أيار 2018، أن معدل بطالة الشباب في العراق يبلغ أكثر من 40%.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن البيئة العراقية وسيطرة رؤوس الفساد على مؤسسات الدولة، ستجعلان من تنفيذ تلك الإجراءات أمراً صعباً للغاية.
وقال الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إن “الوعود التي أطلقتها الحكمة تحتاج إلى تهيئة بيئة مناسبة لتنفيذها”، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، أن “الوعود هي حصيلة تظاهرات جماهيرية واسعة، لم تأتِ من فراغ، فقد تظاهر الشعب بعدما أصبحت هناك حاجة فعلية للاحتجاج، فهناك نسب بطالة مرتفعة جداً، حيث إن ربع الشعب عاطل من العمل وتحت خط الفقر”.
وتابع: “اليوم الشعب يحتاج إلى خدمات وتعليم وخدمات صحية وسكن لائق، ولا يمكن البقاء على الوعود التي امتدت لأكثر من 15 عاماً لم يحصل المواطن منها على أي شيء”، مضيفاً: “نحتاج اليوم إلى 3700 وحدة سكنية لحل أزمة السكن في البلاد”.
وأشار إلى أن “البرامج للحكومات المتعاقبة، ومنها الحالية، لم ينفذ منها شيء يذكر، ولا يرقى ما أنجزته إلى مستوى حل الأزمات التي يعاني منها الشعب”، مبيناً أن “الحكومة اليوم وضعت أرقاماً معينة لحل الأزمة، وأعلن تخصيصات معينة، لكن تبقى مشكلة التنفيذ”.
وأضاف أنطوان: “تنفيذ تلك الوعود يحتاج إلى جهاز إداري كفء ونزيه، فالفساد طغى بشكل واسع على مؤسسات الدولة، بحيث بات تحدياً كبيراً يواجه أي خطوة لتنفيذ الإصلاحات التي تخدم الشعب، ولا تصبّ في جيوب الفاسدين، إذاً فنحن نحتاج إلى إرادة سياسية قوية لتبدأ بالتخلص من جهات الفساد التي ستمنع تنفيذ تلك الإجراءات”.
وأكد أن “الحكومات المتعاقبة لم تستطع اختيار المسؤولين من ذوي الكفاءة والنزاهة، حيث إن مؤسسات الدولة سيطر عليها النفوذ الحزبي الفاسد، وهذا من أكبر التحديات التي تعوق خطوات الحكومة ووعودها، ما يفرض عليها البدء بإصلاح ذلك”.
وتابع: “نحتاج إلى خلق فرص للعاطلين من العمل، وتوفير السكن اللائق لهم، وتدعيم الصناعة المحلية التي بإمكانها أن تحلّ نحو 80 بالمائة من مشكلة البطالة”، مؤكداً أن الأرقام التي أطلقتها الحكومة والوعود قد تكون عاجزة عن تنفيذها، ما قد يؤدي إلى استمرار الاحتجاجات.
وأكد أنه “يجب أن تُتخذ إجراءات حازمة بتجميد عمل مجالس المحافظات، وقد وعد بتنفيذ ذلك رئيس البرلمان، إذ إن تلك المجالس تحولت إلى وباء وسيطرت على موارد المحافظات وجعلتها بيد الأحزاب، كذلك فإن عدداً من الوزارات لا يختلف عنها في السوء”، مشيراً إلى أن “العجز في الموازنة للعام المقبل، الذي يقدَّر بـ 60 تريليون دينار هو تحدٍّ آخر، ما يتطلب إجراءات سريعة للحكومة، كأن تقترض من البنوك وأن تجد لها المنافذ لتحقيق وعودها”.
ووضعت الحكومة نفسها على المحك بعد إطلاق تلك الوعود، بينما أكد سياسيون ضرورة أن تعمل الحكومة على تقليل رواتب المسؤولين الكبار والمستشارين وغيرهم ممن يثقلون كاهل موازنة الدولة.
وقال عضو الحزب الشيوعي العراقي، بهاء العكيلي: “على الحكومة أن تراجع سقف رواتب المسؤولين، والنواب والرئاسات الثلاث ومستشاريهم، وأن تعيد النظر بالمناصب التي لا حاجة لها، والتي أثقلت كاهل الدولة، والتي تُعَدّ باباً من أبواب الفساد فيها”.
وأوضح العكيلي لـ”العربي الجديد” أن “العلاجات الوقتية والوعود باتت لا تنطلي على الناس، فالشعب اليوم ثائر وفي حال تأخُّر تنفيذ الوعود ستجد الحكومة نفسها أمام تظاهرات جديدة لا تستطيع تداركها”.
وأضاف: “على الحكومة أن تدرس الموقف بدقة، وأن تعمل على غلق أبواب الفساد حتى تتمكن من تنفيذ الوعود، لا أن تحاول تخدير الشعب بوعود غير قابلة التنفيذ”.
وأعلن مجلس الوزراء العراقي منح مبلغ 150 ألف شخص من العاطلين من العمل، ممن لا قدرة لديهم على العمل، منحاً شهرية بنحو 150 دولاراً شهرياً ولمدة ثلاثة أشهر، وكذلك لفتح باب التقديم على أراضٍ سكنية توزع على ذوي الدخل المحدود، وتنفيذ وحدات سكنية وتسهيل عمليات الاقتراض، وهو مستمر بإطلاق الوعود، التي جاءت بعد موجة التظاهرات.
وحسب بيان للحكومة العراقية، شملت القرارات فتح باب التقديم على الأراضي السكنية المخصصة لذوي الدخل المحدود والفئات الأخرى في المحافظات كافة، واستكمال توزيع 17 ألف قطعة سكنية للمستحقين من ذوي الدخل المحدود في محافظة البصرة، وإعداد برنامج للإسكان وتنفيذه، يشمل بناء 100 ألف وحدة سكنية موزعة على المحافظات.
وتضمنت القرارات أيضاً تعزيز رصيد صندوق الإسكان، من أجل زيادة عدد المقترضين، وتكون القروض معفاة من الفوائد، بالإضافة إلى إنشاء مجمعات تسويقية حديثة (أكشاك) توزَّع على ذوي الدخل المحدود.
وتشمل حزمة القرارات إعداد برنامج لتدريب العاطلين من العمل وتأهيلهم، وتشغيل من يجتاز منهم الدورات التدريبية بنجاح في الشركات الاستثمارية العاملة بالعراق، ومنحهم قروضاً ملائمة لتأسيس مشاريع متوسطة أو صغيرة، ومنحهم قطعة أرض مخدومة لإنشاء مشروع صناعي.
وشملت القرارات أيضاً إعفاء الفلاحين من مبالغ استئجار الأراضي الزراعية، المترتبة عليهم سابقاً حتى نهاية العام الحالي، بالإضافة إلى اعتبار الضحايا من المتظاهرين والأجهزة الأمنية شهداء، وشمولهم بالقوانين النافذة، ومنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة عن ذلك.
وبحسب البيان أيضاً، تضمنت القرارات تولي وزارة الصحة تقديم الخدمات العلاجية للجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية، وتوفير الاحتياجات كاملة على نفقة الحكومة، ومن ضمنها العلاج خارج العراق، إن تطلب ذلك.
العربي الجديد