السياسة الخارجية و”الناتو”.. لماذا يتبنى ترامب مبدأ “أميركا أولا”؟

السياسة الخارجية و”الناتو”.. لماذا يتبنى ترامب مبدأ “أميركا أولا”؟

تطرح مشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أعمال القمة الخاصة لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لندن -بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس الحلف- أسئلة حول رؤية ترامب لقضايا السياسة الخارجية.

ومنذ وصوله للحكم قبل ثلاث سنوات، يتساءل خبراء عن محركات ترامب في هذه القضايا، وما ضاعف صعوبة السؤال هو غياب وجود إطار أيديولوجي ينزع إليه الرئيس أو يلتزم به.

وفي الوقت الذي تبدو فيه “الفوضى” أكثر ما يميز مواقف ترامب تجاه قضايا السياسة الخارجية، ترجم بعض علماء السياسة سياسات الرئيس كترجمة لتبنيه مبدأ “أميركا أولا”.

وخلال خطابه الأول يوم تنصيبه رئيسا، عكس ترامب رؤية شعبوية أميركية تلائم القرن 21.

وتركز تلك الرؤية على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التي وجهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين خلال العقود الأخيرة، لكنها لا ترد على سبب اتخاذ بعض السياسات التي لا يجمع بينها أي نسق أو إطار واحد.

ورث سياسة فاشلة
يقول روبرت بلاكويل الخبير بمجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في عدة إدارات جمهورية “أتابع ترامب وسياساته الخارجية منذ وصوله للحكم قبل ثلاث سنوات، وأستطيع أن أؤكد أنه الرئيس الأول منذ إيزنهاور الذي لا يهتم بما تقدمه له مؤسسات صنع السياسة الخارجية من وزارة خارجية أو أجهزة استخبارات أو كبار المستشارين”.

ويعتقد بلاكويل -كما جاء في دراسة له نشرها مجلس العلاقات الخارجية تحت عنوان “سياسات ترامب الخارجية أفضل مما تبدو عليه”- أن ترامب ورث نتاج فشل إدارات سابقة في عدة قضايا خارجية هامة على رأسها الملف النووي لكوريا الشمالية، وحروب لا تنتهي سواء في العراق أو أفغانستان.

ويعتقد أن مبدأ الرئيس في السياسة الخارجية يظهر وتتضح معالمه بعد تبني الرئيس عدة مواقف واتخاذ بعض القرارات، ومنها يخرج نسق يفيد في توقع الخطوات والقرارات القادمة، إلا أن الوضع يختلف في حالة الرئيس ترامب، فلا يمكن لأحد أن يتوقع القرار القادم.

ويرى أن “الرئيس ترامب يتأرجح بين البدائل السياسية تجاه قضية ما عدة مرات في نفس اليوم ونفس الأسبوع، ولا يمكن التعويل على وجود إستراتيجية أو مبدأ للرئيس يمكن من خلاله توقع القرار القادم لترامب”.

ويعتبر أن ترامب ناقض نفسه تجاه حلف الناتو، فقد اعتبر أن حلف الناتو لم يعد له أي جدوى، وأن الدول الأوربية تعتمد على بلاده في الجانب الدفاعي، وعبر لاحقا ان الحلف هو عماد إستيراتيجية واشنطن الدفاعية.

وسخر ترامب من أفكار بعض الساسة الأوروبيين حول ضرورة الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة، وغرد قائلا “لم تنجح فكرة الجيش الأوروبي بشكل جيد في الحرب العالمية الأولى والثانية. لكن أميركا كانت هناك من أجلكم وستظل كذلك دائما. كل ما نطلبه منكم أن تدفعوا نصيبكم العادل لحلف الناتو. ألمانيا تدفع 1% في حين تدفع أميركا 4.3% من ناتجها القومي الأكبر لحماية أوروبا. نريد الإنصاف”.

عقيدة قومية
ويظهر مبدأ يحكم السياسة الخارجية في عهد ترامب في كتاب “عصر القوة.. رؤية محافظة شعبوية للسياسة الخارجية” الصادر عن دار نشر جامعة أوكسفورد للبروفيسور كولين دويك.

وانتقد البروفيسور دويك القائلين إن سياسة ترامب الخارجية تتسم بالعشوائية والفوضى. وعدد أربعة عناصر تسهل من فهم سياسة الرئيس بالخارجية، وتشمل ضغطا كبيرا على الحلفاء والأعداء:

أولا: ضغط جيو-إستراتيجي على المنافسين وخاصة الصين وكوريا الجنوبية وإيران وروسيا. واستشهد دويك بالتصعيد ضد نظام بيونغ يانغ وصولا لعقد اجتماعات قمة غير مسبوقة بين الطرفين.

ويدعم ترامب بصورة كبيرة حلفاء واشنطن في مواجهة توسع نفوذ بكين في بحر جنوب الصين من خلال تقديم دعم عسكري كبير لفيتنام والفلبين. وقام ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران واتبع سياسة الضغط الشديد وأعاد فرض المزيد من العقوبات، وأرسل قوات وتجهيزات عسكرية للخليج العربي لردع الأنشطة الإيرانية العدائية كما تراها واشنطن.

ثانيا: ضغط جيو إستراتيجي على الحلفاء، فقد أقدم ترامب على الضغط غير المسبوق على حلفاء واشنطن الأهم في حلف الناتو أو الحليفين الكبيرين في شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية) أو حلفاء واشنطن في الخليج العربي.

وينادي ترامب بضرورة زيادة حجم الإنفاق الدفاعي لدول حلف الناتو لتصل إلى 2.5% من الناتج القومي الإجمالي. كما يضغط على سول وطوكيو لتغطية تكلفة وجود عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين في بلادهم والتي تقدر بمليارات الدولارات سنويا.
اعلان

من ناحية أخرى لا يتوقف ترامب عن طلب أن تتكفل دول الخليج العربي وخاصة السعودية بتكلفة حماية نظامها الحاكم.

ثالثا: ضغط اقتصادي على المنافسين وخاصة الصين. ويظهر ذلك جليا في الحرب التجارية الدائرة بين أكبر اقتصادين في العالم، والتي نتج عنها فرض تعريفات وتعريفات مضادة من واشنطن وبكين مع عدم ظهور مؤشرات بتوقف هذه الحرب في المستقبل القريب.

رابعا: ضغط اقتصادي على الحلفاء الآسيويين والأوروبيين. ولم تفلت الدول الحليفة من حروب ترامب التجارية، فقد أقدم الرئيس على الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرية مع دول المحيط الهادي، وأعاد التفاوض حول اتفاقية نافتا مع الجارين المكسيك وكندا.

ولم يتردد ترامب في فرض تعريفات جمركية على واردات من كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما دفع الدولتين لإعادة التفاوض مع واشنطن حول اتفاقيات تجارة حرة تمنح ترامب بعض المكاسب.

لا مجانية
ويتبنى ترامب سياسة خارجية قومية يراها أكثر انصافا للمصالح الأميركية المادية التي تجاهلتها الإدارات السابقة، كما أنه لا يريد أن تنفق واشنطن على تكلفة وجود قواعد عسكرية لحماية بعض الدول كما الحال مع كوريا الجنوبية واليابان.

ولا ينتظر أن تغير الإدارات القادمة في عصر ما بعد ترامب من هذا النهج الذي يلقى دعما من الجمهوريين والديمقراطيين. وربما تدشن قومية السياسات الخارجية في عهد ترامب مبدأ أو عقيدة سياسية تنتهجها الإدارات المستقبلية.
اعلان

المصدر : الجزيرة