أسعار النفط الخام تهبط إلى القاع.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

أسعار النفط الخام تهبط إلى القاع.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

Untitled-1

انفض الاجتماع الوزاري لأوبك يوم الجمعة؛ الرابع من كانون الأول (ديسمبر) الحالي؛ دون التوصل إلى اتفاق حول سقف الإنتاج.
وتركت المنظمة السقف المستهدف البالغ 30 مليون برميل يوميًا عند 31.5 مليون برميل يوميًا بزيادة مليون ونصف برميل يوميا عن الهدف المعلن.
ولم يأت البيان الختامي على رقم محدد؛ تاركًا للدول الأعضاء الإنتاج وفق قدراتهم.
كما أنه لم يأخذ في الحسبان عودة اندونيسيا للمنظمة والتي يتراوح إنتاجها بين 800 إلى 900 ألف برميل يوميًا.
وجاءت ردة فعل الأسواق سلبية إزاء هذه التطورات؛ إذ شهدت الأسعار انخفاضًا مقلقًا بلغ في نهاية التداولات يوم الجمعة الموافق 11 كانون الأول (ديسمبر) الحالي أقل من 40 دولارًا للبرميل في بورصتي لندن ونيويورك، إذ سجل خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط  37.9 و35.6 دولار على التوالي، وهو الأدنى لهما منذ أكثر من سبع سنوات.
ويذكر الانخفاض الحالي بالانخفاض الكبير إبان الأزمة المالية التي عصفت بالعالم الصناعي العام 2008.
إن الانخفاض في الأسعار جاء لتضافر عوامل عديدة لعل من أبرزها:
أولا: التخمة في المعروض، إذ تشهد السوق اليوم زيادة كبيرة في الإمدادات نتيجة ثورة الوقود الصخري في الولايات المتحدة أو ما يعرف بالنفط المحكم Tight Oil ما أفضى إلى تقليل اعتمادها على الواردات بما في ذلك وارداتها الشرق أوسطية.
على الصعيد الآخر شهد الإنتاج داخل أوبك (السعودية والعراق) والإنتاج خارجها (روسيا والذي وصل إلى 10.6 مليون برميل يوميًا) زيادة كبيرة.
إلى ذلك؛ فإن عودة إيران الوشيكة للسوق بعد رفع العقوبات الاقتصادية بداية العام القادم سيعني إضافة 500 ألف برميل يوميًا لسوق نفطية تعاني من التخمة أصلاً.
ثانيا: ارتفاع المخزونات التجارية، وصلت المخزونات التجارية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD- التي تأسست العام 1960 وتضم في عضويتها 34 دولة تتوزع بين قارات أربع (الأمريكيتين وأوروبا وآسيا)  إلى حوالي 3 تريليون برميل منها 488 مليار برميل في الولايات المتحدة التي تحتفظ كذلك بمخزون استراتيجي يزيد على 700 مليار برميل – وهو الأكبر عالميًا.
إن الاحتفاظ بهذه المخزونات يأتي ضمن المسار الذي اختطته وكالة الطاقة الدولية لدولها الأعضاء للاحتفاظ بمخزونات طوارئ – إضافة إلى المخزونات التجارية – تغطي 90 يومًا من الواردات بعد تجربة الحظر النفطي العربي العام 1973.
ثالثا: انخفاض الطلب؛ عمل التراجع في معدلات النمو في الاقتصاد العالمي إلى تآكل الاستهلاك في دول محورية على رأسها الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، بالإضافة إلى الركود في الاقتصاد الياباني الذي دخل مرحلة الانكماش.
رابعا: ارتفاع سعر صرف الدولار، كان لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى (اليورو – الين – الجنيه الإسترليني) بالغ الأثر في تحجيم الاستهلاك لا سيما في الدول التي تعتمد على وارداتها لمقابلة الطلب، إذ ما يزال تسعير النفط مقومًا بالدولار ما يجعل من ارتفاع سعره ذات تكلفة باهظة للدول المستوردة له.
ويرى مراقبون أن الارتفاع في سعر صرف الدولار والتحسن في الأداء الاقتصادي الأميركي الذي أوجد أكثر من 200 ألف وظيفة في الشهر الماضي وانخفاض معدلات البطالة إلى 5 %، كلها عوامل ستدفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة ما سيضغط على الأسعار نحو الأسفل.
مما ذكر يتبلور شبه إجماع اليوم لدى خبراء الطاقة بأن الأسعار ستبقى في حدها الأدنى وربما لامست 30 دولارا للبرميل قبل أن تعاود رحلة الصعود من جديد في النصف الأول من العام 2016 في أحسن الأحوال، لا سيما وأن إصرار الدول الخليجية داخل أوبك على الإبقاء على سقف إنتاجها دون تغيير له ما يبرره، إذ تخشى الأوبك من فقدان حصتها السوقية لصالح دول منتجة ذات تكلفة أعلى ما لم يتم التنسيق بين الدول الأعضاء والدول المنتجة خارجها (روسيا – المكسيك- النرويج- البرازيل).
بيد أن هناك ما يشي بأن سياسة أوبك الحالية أخذت تؤتي أكلها كما يعبر عنه التراجع المستمر لإنتاج الوقود الصخري في الولايات المتحدة بدلالة منصات الحفر هناك من 737 منصة Oil Rigs في ديسمبر الحالي مقابل 1183 منصة في الشهر المقابل من العام المنصرم.
وبانتظار ما ستؤول إليه الأسعار في الأشهر القليلة القادمة، يرى العديد من المراقبين أن ما يشهده السوق من تذبذبات لا يعد  جديدًا، بل يعيد إلى الأذهان بشكل يكاد يكون شبه متطابق الأجواء التي سادت في مطلع التسعينات من القرن الماضي – وخاصة الأعوام 1997: 1999-.  ومن “المقاربات” الجديرة بالاهتمام يمكن تأطير ما يلي:
* الزيادة الكبيرة في إنتاج أوبك؛ الإشارة هنا إلى إنتاج فنزويلا الذي ارتفع من 2.2 مليون برميل يوميًا العام 1992 إلى 3.5 مليون برميل يوميًا عام 1998 حين قامت السعودية إزاء ذلك بزيادة الإنتاج ما أفضى إلى إغراق السوق بالإمدادات.
يقابله في الوقت الحاضر قيام السعودية بزيادة إنتاجها الذي وصل كمتوسط إلى 10.6 مليون برميل يوميًا ما فاقم من تخمة المعروض، بالإضافة إلى أسباب أخرى.
* التباطؤ في الاقتصاد الآسيوي: مع قيام أوبك بزيادة إنتاجها العام 1997 شهدت الاقتصادات الآسيوية انهيارات لم تكن في الحسبان أشعل فتيلها قيام تايلاند بتخفيض عملتها “البات”، والذي كان نذيرًا باندلاع الأزمة المالية التي خبرتها “النمور الآسيوية” في حينه – اندونيسيا وماليزيا وسنغافورة بالإضافة إلى تايلاند – تراجع على إثره النمو في الناتج المحلي الإجمالي GDP لهذه المجموعة بـ8.3 % العام 1997 مقابل 7.5 % كمتوسط خلال عقد التسعينات.
في المقابل تفيد آخر البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي في تقريرها النصف سنوي في  تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 تراجع النمو في الصين إلى أدنى مستوياته منذ ربع قرن.
* عودة أندونيسيا إلى “مسرح” الأحداث؛ ما زال “شبح” جاكرتا يخيم على أوبك حين قررت المنظمة العام 1997 في اجتماعها الذي عقد في العاصمة الاندونيسية رفع سقفها الإنتاجي مع دخول آسيا في أزمتها الطاحنة والتي هوت بأسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل.
وها هي اندونيسيا تعود في العام 2015 إلى الركب النفطي من جديد بعد تعليق لعضويتها دام أكثر من سبع سنوات.
* المواجهة السعودية – الإيرانية؛ أسوة بما حدث قبل عقدين من الزمن تقف السعودية (بشخص وزيرها المخضرم المهندس علي النعيمي) وجها لوجه أمام إيران (بشخص وزيرها المخضرم كذلك بيجين زنكنه)، وللاثنين تاريخ طويل وحافل من التعاون المشترك لحل مشكلة فائض الإمدادات.
بيد أن الخلاف بينهما اليوم يبدو أكثر تعقيدًا في ظل مواقف بلديهما السياسية المتباينة حول عدد من الملفات الشائكة ومنها الملف السوري واليمني والعراقي.
* التغير السياسي في فنزويلا: شهدت فنزويلا تغيرًا سياسيًا مفاجئا في العام 1998 تجلى في صعود “هوجو شافيز” إلى سدة الرئاسة في البلاد والتي شهدت تطبيقات اشتراكية واسعة بالإضافة إلى تغييرات كبيرة في السياسة النفطية المتبعة.
وانضم شافيز إلى السعودية في خفض الإنتاج الذي وضع حدًا لعقد من الزيادات الإنتاجية.
واليوم بعد مرور 16 عامًا على ما أصبح يعرف بـ”الشافيزية” هبط الإنتاج النفطي فيها بأكثر من 10 %، كما تمكنت المعارضة من الفوز بأغلب المقاعد في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرًا.
الجدير بالذكر أن المقارنة بين عامي 1997 و1999 وما يحصل اليوم في السوق من أحداث تدعونا للتفاؤل، إذ بعد أن هوت الأسعار إلى ما دون العشرة دولارات للبرميل دفع ذلك أوبك للتنسيق مع الدول النفطية المنتجة خارجها لتبني سياسات إنتاجية توافقية ما دفع بالأسعار إلى الارتفاع تدريجيًا لتصل لاحقًا إلى حوالي 150 دولارًا للبرميل في سابقة جديرة بالاهتمام.
خلاصة القول “ما أشبه اليوم بالبارحة”.

لهب عطا عبدالوهاب

صحيفة الغد الأردنية