الحفاظ على أمن الحدود أولوية إسرائيلية في الحرب السورية

الحفاظ على أمن الحدود أولوية إسرائيلية في الحرب السورية

 رغم أن إسرائيل من أكثر الأطراف التي تذكر عند الحديث عما يجري في سوريا، وعموم منطقة الشرق الأوسط اليوم، إلا أن الأحاديث لم تتجاوز فكرة المؤامرة دون الحديث عن موقف إسرائيلي رسمي وواضح ومباشر مما يجري في سوريا، رغم أن إسرائيل من أكثر الأطراف الخارجية التي يمكن أن تتأثر بأي نتيجة تسفر عنها الأزمة المتواصلة منذ أكثر من ست سنوات.

وتؤكد إسرائيل في عدة تصريحات رسمية رغبتها في عدم التدخل في الحرب الأهلية بسوريا. وتبدو تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تصدر من وقت إلى آخر مبهمة وقابلة للتأويل والقراءة من عدة أوجه، ولئن يركز البعض على اعتبارها تعكس رغبة إسرائيلية في بقاء نظام الأسد وأن استمرار الصراع وسيلة لإضعاف إمكانيات سوريا وانشغالها بأزماتها بعيدا عن المطالبة بإعادة الجولان المحتل، بينما يؤكد مراقبون وخبراء أن أولويات إسرائيل تنصب على إبقاء حدودها مع سوريا في حالة استقرار.

ويرى المراقبون أن هذه الأولويات تفرض على إسرائيل لعب دور ما في سوريا، ليس لتمكين طرف من أطراف الصراع للانتصار في سوريا، بل بغرض التركيز على أمن حدودها فقط. ولتحقيق أمن هذه الحدود، سعت إسرائيل إلى ضمان أن تكون الأراضي السورية المحاذية للجولان المحتل عبارة عن “حزام عازل”.

ويقول إهود يعاري، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن إسرائيل اختارت في البداية النأي بنفسها عن أنهار الدماء السائلة في سوريا، على الرغم من المصلحة الكبيرة لإسرائيل في كيفية تسوية النزاع وفي الاتفاق الثنائي الطويل الأمد الذي أبرمته مع سوريا، أي اتفاقية فك الاشتباك بين القوات عام 1974 التي لا تزال سارية المفعول.

ويعتقد باحثون إسرائيليون أنه مع انهيار الجيش السوري، الذي كان بمثابة مانع للاقتراب من الحدود الإسرائيلية، وظهور تشكيلات عسكرية معارضة وفصائل إسلامية، أصبح على إسرائيل أن تضمن أن هذه الفصائل لا تشكل تهديدا لها بل أن تكون كما كان الجيش السوري سابقا.

إيران في سوريا

مع تطور الأحداث في سوريا، ظهرت إيران كلاعب كبير داخل الأراضي السورية يمثلها عسكريا الحرس الثوري وحزب الله وغيرهما من الميليشيات متعددة الجنسيات. وخلقت هذه التطورات تحديات جديدة لأمن إسرائيل مما دفعها إلى الحرص على ضمان عدم اقتراب إيران أو ميليشياتها من الحدود.

وترى إسرائيل أن وصول إيران إلى هذه المنطقة الحدودية سيساعد على تشكيل ميليشيات سورية تقوم على فكرة “المقاومة”.

من هذه الزاوية، تحرص إسرائيل على ضمان استقرار الجولان المحتل وأمن الحدود واستمرار ذلك تماما كما لو أن الجيش السوري لا يزال يقوم بدوره على الطرف الثاني من الحدود.

مع ذلك، يعتبر باحثون إسرائيليون أن وصول الميليشيات الإيرانية إلى الحدود لن يشكل خطرا كبيرا على أمن إسرائيل، وإن كان التهديد سيقتصر على خلق إشكاليات أمنية عبر هجمات متقطعة قد تخلق حالة من التوتر تدار من الجانب الإيراني الذي قد يستخدمها لابتزاز الدول الكبرى لأغراض سياسية أكثر مما هي عملية عسكرية كبيرة.

وبشكل عام، فإن الميليشيات السورية الموالية لإيران يمكن تصنيفها في قسمين هما لواء الباقر الذي يشكل حركة عسكرية كبيرة ويتألف من 4000 مقاتل أغلبه في شمال سوريا، وقسم آخر عبارة عن ميليشيات محدودة العدد ولكنها تقوم بأهداف محددة تشبه ما يسمى مجازا “القوات الخاصة” ويتواجد أغلب هذه القوات في جبهة القنيطرة المحاذية للأراضي المحتلة من إسرائيل.

ويرى باحثون أنه حتى هذه اللحظة فإن قوات حزب الله السوري وتحديدا قواته الخاصة لم تتحرك بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، إلا أن هذا لا يعني أنها لن تتحرك في المستقبل في حال صدرت لها أوامر من طهران، لذلك كانت إسرائيل حريصة على ضرب أي نواة حقيقية لميليشيات محسوبة على إيران ومن الممكن أن تشكل تهديدا حقيقيا لأمنها.

وحسب مصادر إسرائيلية، كان سمير القنطار، أحد قياديي حزب الله السوري، يسعى إلى تشكيل “قوة عسكرية مقاومة” في قرية حضر ذات الغالبية الدرزية وهي إحدى قرى جبل الشيخ في مرتفعات الجولان السورية. وقامت الطائرات الإسرائيلية باستهداف القرية في عملية قتل فيها القنطار (سنة 2015). كما استهدفت إسرائيل فرحان الشعلان قائد الدفاع الوطني الموالي لإيران الذي كان يعمل مع القنطار في التحضير لتأسيس القوة المقاومة.

ويشدد باحثون إسرائيليون على أن الضربات ضد ميليشيات حزب الله السوري ليست لدعم فصائل المعارضة بل لإبعاد الوجود الإيراني عن الحدود. ولتقطع إسرائيل الطريق أمام كل السيناريوهات التي تهدد أمنها ركزت على أن الفصائل المعارضة التي وصلت إلى حدودها لا تسعى إلى أي عملية عسكرية ضد إسرائيل، وأنها لا تحمل أجندات إسلامية متشددة.

تحاول إسرائيل، وفق قراءات الخبراء، خلق ديناميكية جديدة لإبقاء توازنات قديمة حافظت من خلالها على استقرار أمن حدودها مع سوريا على مدار سنين.

وضمن هذا المسعى تعمل تارة على غض النظر عن توسع فصائل المعارضة على حدودها في بعض المناطق، وتارة أخرى تعرقل توسع فصائل المعارضة ودخول مناطق محددة وتركها بيد قوات الأسد وخاصة في المناطق الدرزية وذلك لاعتبارات متعلقة بالمكون الدرزي المتواجد في الجولان المحتل.

ويقول ريتشارد سبنسر، المحلل في صحيفة التايمز البريطانية، إن إسرائيل تقوم فعلا بدعم فصيل عسكري سوري معارض على حدودها وهو لواء فرسان الجولان، حيث تقدم له المال والغذاء والسلاح.

ويؤكد سبنسر أن هذا الفصيل هو التشكيل العسكري المعارض الوحيد الذي يحصل على دعم عسكري من إسرائيل، وهو أمر لا يخفيه لواء فرسان الجولان، بل أعلن في عدة مناسبات أنه يحصل على دعم من إسرائيل. ويبرر أحد قياديي فرسان الجولان هذا التواصل بقوله “حصلنا على دعم من إسرائيل لأنه لم يبق خيار آخر، إلا أننا ما زلنا نعتبرها دولة معادية ومحتلة لأراضينا”.

وفي تصريح نقلته صحيفة وال ستريت جورنال قال المتحدث باسم لواء فرسان الجولان معتصم الجولاني إن “إسرائيل وقفت إلى جانبنا، ونحن لن نبقى على قيد الحياة من دون دعم من إسرائيل”.

وجاء هذا التصريح ضمن تحقيق للصحيفة الأميركية يؤكد ما جاء في صحيفة التايمز بخصوص دعم إسرائيلي للمسلحين في الجولان. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تزود بشكل منتظم المسلحين السوريين بالقرب من حدودها بالمال والسلاح والغذاء والوقود والمواد الطبية، بهدف إقامة منطقة عازلة تسيطر عليها القوات المدعومة من إسرائيل.

لكن، يشكك الباحثون الإسرائيليون في أن الفصائل المعارضة المتواجدة في القنيطرة قادرة على ضمان استقرار أمن الحدود مع إسرائيل، وقد تكون أولويات هذه الفصائل إسقاط نظام الأسد ثم التحرك ضد إسرائيل؛ لذلك يعتبر الكثير من الإسرائيليين أن بقاء نظام الأسد أكثر ضمانة لأمنهم من أي جهة أخرى.

ويشير الباحثون إلى وجود فصائل إسلامية أحدها مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية ويعمل تحت اسم جيش خالد بن الوليد. ويقاتل هذا التنظيم حاليا فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية الأخرى ولم يهدد إسرائيل حتى الآن، ولكن إذا استطاع فرض نفسه فقد يفتح جبهة ضد إسرائيل كمحاولة ابتزازية.

كما أن إسرائيل قلقة حتى من لواء فرسان الجولان الذي تدعمه، فعناصره لا يخفون انتقادهم لإسرائيل كجهة معادية ومحتلة لأراضيهم، حيث يقول أبومحمد أحد قياديي هذا اللواء إن “إسرائيل عدو وتغتصب أرضنا، ولكنها لا تغتصب شرف الشعوب، دعونا ننظر إلى عدد كل الشهداء العرب الذين قتلوا على يد إسرائيل منذ تأسيسها حتى الآن سنجد أنه عدد بسيط جدا مقارنة بعدد من يقتلهم بشار الأسد خلال مدة قصيرة، نحن أمام الكثير من الأعداء مثلا حزب الله وروسيا وإيران وإسرائيل والأخيرة أقلهم شرا”.

ويضيف في موفق مضاد “أنه من الممكن تحرير الجولان من إسرائيل خلال يوم واحد في حال يوحد الشعب السوري صفوفه ويوظف كل إمكانياته وسلاحه، وبدلا من الاقتتال الداخلي يتوجهون لمحاربة إسرائيل وتحرير الجولان، فالمقاتل السوري شجاع وسينتصر على المقاتل الإسرائيلي الجبان”.

قلق إسرائيلي

غالبا ما ترد إسرائيل على سقوط أي قذيفة في الجولان المحتل بإطلاق النيران على مصدر هذه القذائف دون إخلال في موازين قوى أطراف الصراع في الحرب الأهلية السورية. ويقول الأكاديمي الإسرائيلي أرئيل ليفي، في دراسة له نشرت في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن “إسرائيل تشعر بالقلق الشديد من إمكانية أن يحاول طرف أو أكثر من أطراف الحرب الأهلية جرّها أو خداعها بطريقة أو بأخرى للتورّط في الصراع. ونتيجة لذلك، فهي عازمة على منع تحوّل تلك الأراضي إلى منصة للعدوان (أو دعم العنف) عليها”.

وتشن إسرائيل ضربات عسكرية سواء جوية أو صاروخية في العمق السوري ضد أهداف تعتبرها محاولات لنقل السلاح من سوريا إلى حزب الله. ويضيف ليفي أنه “من الناحية العملية، حصرت إسرائيل تدخّلها بصورة أساسية عبر تنفيذ ضربات جوية جراحية موجّهة خصوصا ضد عمليات نقل أنظمة الأسلحة المزعزعة للاستقرار من سوريا إلى حزب الله. في موازاة ذلك، عزّزت إسرائيل إلى حدّ كبير وجودها العسكري الدفاعي في مرتفعات الجولان لمنع امتداد القتال الداخلي في سوريا إلى داخل إسرائيل”.

ويؤكد مسؤولون في إسرائيل أن بقاء الأسد في الحكم هو أفضل الخيارات لأمن إسرائيل مع إبقاء سوريا في حالة من الإنهاك مما يحول دون أن يفكر أي طرف من أطراف الصراع السوري في تهديد أمن إسرائيل. ويقول البعض إن إسرائيل تشعر بالاطمئنان من أن مسار المعارك في سوريا يسير لمصلحة الأسد الذي سيبقى يحكم بلدا منهارا ومفككا وسيكون كل جهده إذا استطاع الانتصار عسكريا أن يقدم تنازلات للأطراف الدولية للحصول على شرعية الحكم، مما يعني ذلك عودة الجبهة مع الجولان المحتل إلى حالة الخمول وعدم التفكير في تحرير الجولان.

مع ذلك لا يمكن لأي جهة أن تثبت بشكل قاطع صحة هذا الموقف من عدمه في ظل التعتيم الإسرائيلي اللافت؛ وهو موقف يفسره أرئيل ليفي ويبين سببه “أن إسرائيل تشعر بالارتباك بسبب الطابع المعقّد والمتشابك للقيم والمصالح والمعضلات التي تواجهها نتيجة للحرب في سوريا”.