مطالب تركيا في «سوتشي»: إنهاء الحرب في سوريا… وإقامة كيان كردي «خط أحمر» ومصير الأسد «ليس عقدة»

مطالب تركيا في «سوتشي»: إنهاء الحرب في سوريا… وإقامة كيان كردي «خط أحمر» ومصير الأسد «ليس عقدة»

تنعقد اليوم في مدينة سوتشي الروسية قمة استثنائية بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران في مسعى لإنهاء الحرب المتواصلة في سوريا منذ أكثر من 6 سنوات والتي أنهكت تركيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بشكل كبير جداً وبات إنهاؤها أبرز أهداف السياسة التركية.
وما يؤشر إلى أهمية المرحلة التي وصلت إليها مساعي إنهاء الحرب في سوريا أن «قمة سوتشي» التي ستجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني سبقها بساعات اجتماعاً لرؤساء أركان جيوش الدول الثلاث، وذلك بعد أقل من ثلاثة أيام على اجتماع وزراء خارجية هذه الدول في مدينة أنطاليا التركية.
وما يزيد من أهمية القمة التي ركزت التحضيرات لها على الجانبين العسكري والسياسي أنها تأتي بعد يوم واحد من لقاء بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في المنتجع نفسه الذي ستعقد فيه بمدينة سوتشي الروسية وحديث الرئيس الإيراني حسن روحاني عن القضاء فعلياً على تنظيم الدولة وهو التصريح نفسه الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.
ومع زيارة الأسد إلى روسيا، بدأ الحديث عن «مبادرة سلام محتملة» تم التوصل إليها بين روسيا وإيران وتركيا لإنهاء الحرب في سوريا سيوقع عليها الرؤساء الثلاثة وأن زيارة الأسد كانت من أجل ضمان موافقته على المبادرة، بحسب ما ألمح ديمتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين للصحافيين أمس الثلاثاء.
ومع الحديث عن «مبادرة سلام محتملة» يعتبر المطلب التركي الأبرز في الوقت الحالي هو إنهاء الحرب في سوريا بأسرع وقت وبأي طريقة ممكنة ومرضية للأطراف المنخرطة فيها، وذلك بعد أن لمحت إلى إمكانية تساهلها في الكثير من النقاط والملفات التي كانت ترفضها سابقاً لا سيما فيما يتعلق بمصير الأسد ولكن مقابل اتفاقيات أو تطمينات لتركيا بالعمل المشترك على منع إقامة كيان كردي شمالي سوريا على الحدود مع تركيا.
فتركيا التي تعتبر من أكبر داعمي الثورة السورية منذ انطلاقها كانت تطالب بضرورة إسقاط نظام الأسد بشكل كامل ولكن بعد سنوات من التغيرات في الموازين السياسية والعسكرية على الأرض باتت تعتبر ما تسميه بـ»الخطر الكردي» المتمثل في احتمال قيام دولة كردية على حدودها بمثابة «التهديد الأول والأكبر لأمنها القومي».

متاعب غير مسبوقة

وعلى مدار سنوات الأزمة في سوريا تكبدت تركيا متاعب غير مسبوقة تمثلت في زيادة التهديدات الأمنية والهجمات الإرهابية التي خلفت مئات القتلى والجرحى على أراضيها وسهلت من وصول الأسلحة والمتفجرات وتنقل مسلحي التنظيمات الإرهابية عبر أراضيها بسبب فقدان حكومتي العراق وسوريا السيطرة على الحدود التي تمتد على طول أكثر من 1200 كيلومتر مع سوريا والعراق، ما وجه ضربة قوية للسياحة التي تعتبر من أبرز روافد الاقتصاد التركي.
ومع تصاعد التهديدات اضطرت تركيا للدخول عسكرياً بشكل مباشر في الأزمة السورية وأطلقت عملية درع الفرات ضد تنظيم الدولة في جرابلس ودابق والباب ولاحقاً وسعت عملياتها في مناطق حدودية أخرى وأرسلت قواتها إلى إدلب ضمن اتفاق مناطق خفض التوتر مع روسيا وإيران وتحضر حالياً لمهاجمة الوحدات الكردية في عفرين بحسب تصريحات لأردوغان ومسؤولين أتراك آخرين.
وإلى جانب ذلك، أدت الأزمة السورية إلى وصول ملايين اللاجئين إلى تركيا حيث ما زال قرابة 3.5 مليون منهم يستقرون على الأراضي التركية وهو ما كلف أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم انتقادات واسعة من المعارضة التركية والمواطنين الأتراك الذين لحقتهم أضرار بسبب الحرب واللاجئين وولد تخوفات للحزب الحاكم أن يؤثر استمرار الأزمة وتبعاتها على حظوظ الحزب في الانتخابات المصيرية المقبلة عام 2019.
وكمحصلة لكل ما سبق، أدت الهجمات الإرهابية وملايين اللاجئين والقيام بعمليات عسكرية واسعة خارج الحدود وغيرها إلى إلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد التركي الذي واجه أزمات متلاحقة ومتعاقبة كلفته الكثير وفي آخر تجليات هذه الأزمات انخفضت الليرة التركية الثلاثاء إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار الأمريكي منذ قرابة العام لتصل إلى 3.97 ليرة لكل دولار.
ومع تعاظم التحديات السياسية وما ترى فيه تركيا مؤامرات متلاحقة منظمة من جهات دولية وإقليمية تستهدفها بشكل مباشر وتستهدف الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً، قررت أنقرة المضي قدماً في تحالفها –الهش- مع روسيا وإيران لإنهاء الأزمة في سوريا بما يضمن حلول مرضية تمنع إقامة دولة كردية وذلك في ظل تصاعد الخلافات والغضب التركي من الإدارة الأمريكية التي قدمت آلاف شاحنات الأسلحة للوحدات الكردية بداعي الحرب على تنظيم الدولة وجعلت منها جيشياً مدججاً بالأسلحة ترى فيه تركيا الخطر الأكبر على أمنها.

ضبط الحدود

وبعد أن كان إسقاط الأسد أولوية، بات الحديث عن إمكانية تمكين الأسد أو التوصل لاتفاق مع المعارضة يضمن شراكة سياسية معينة وتعيد لسوريا سلطة مركزية قوية قادرة على ضبط الحدود مع تركيا وتمنع توسع الوحدات الكردية أو إعلانها كيان منفصل بمثابة انجاز لتركيا تسعى لتحقيقه خلال الفترة المقبلة.
ولا يفوت أردوغان الغاضب من إدارة ترامب أن يسعى لتحقيق خطوات في سوريا بالتعاون مع روسيا وإيران تساعد في إفشال المشروع الأمريكي في شمالي سوريا وحتى إن كان ذلك لصالح نظام الأسد وداعميه من موسكو وطهران طالما أن الأمر يتوافق مع الهدف التركي الأبرز في منع إقامة كيان كردي.
كما أن تركيا التي ما زالت تشكل الحاضنة الأكبر للمعارضة السياسية والعسكرية السورية يقول عدد من سياسييها وكتابها إنهم فقدوا الأمل في توحد المعارضة وقدرتها على تحقيق انجازات تدعم الموقف التركي، وتحمل أنقرة على المعارضة تشتتها وتنقلها بين الأطراف الداعمة، لا سيما عقب تراجع الدور القطري في الأزمة السورية وانشغال السعودية عن الملف السوري وضغطها باتجاه حلول تضمن بقاء الأسد من خلال ضم منصات القاهرة وموسكو للهيئة العليا للمفاوضات وما تجسد أخيراً في الخلافات داخل المعارضة وما نتج عنها أمس الثلاثاء من استقالة رياض حجاب من الهيئة.

الوحدات الكردية

وعلى الرغم من أن ملامح الاتفاق لم تتوضح بعد، إلا أن التصريحات التركية تؤشر إلى احتمال حصول تركيا على ضمانات بمنع توسع الوحدات الكردية نحو إدلب، وربما ضوء أخضر روسي لمهاجمة وطرد الوحدات الكردية من مدينة عفرين، وأيضاً ضمانات أخرى من النظام السوري عبر روسيا لتحجيم التوسع الكردي في مناطق أخرى تدريجياً.
هذه الخيارات ما زالت في إطار التوقعات لكن الإعلام التركي وقبل الإعلان عن نتائج القمة التي ستعقد اليوم في سوتشي بدأ يتحدث عن إمكانية أن يجري التمهيد فعلياً لكتابة الفصل الأخير في الأزمة السورية وإنهاء الحرب الأمر الذي سيتيح لأردوغان التفرغ لملفات أخرى حساسة ما زالت في انتظاره خارجياً لا سيما الأزمات مع واشنطن والناتو والاتحاد الأوروبي، وداخلياً فيما يتعلق بالتحضير للانتخابات المصيرية للحزب الحاكم عام 2019 ومواجهة مساعي المعارضة ومحاولاتها لإزاحته عن الحكم.

إسطنبول القدس العربي