عاصفة الحزم: مستقبل خرائط الصراعات في المنطقة العربية

عاصفة الحزم: مستقبل خرائط الصراعات في المنطقة العربية

1657653

الأمر الذي لا شك فيه أن حرب “عاصفة الحزم” التي تشارك فيها عشر دول عربية ضد ميليشيات الحوثيين المدعومين داخليًا من القوات العسكرية للرئيس المعزول علي عبد الله صالح، والمدعومين خارجيًا من أطراف إقليمية متعددة أبرزها بالطبع إيران وحلفاؤها العرب والدوليون، سوف تخلق واقعًا إقليميًا جديدًا، واقع له خرائطه الصراعية وله تحالفاته، وله أيضًا خرائطه التعاونية.
لكن هذا الواقع الجديد سوف يبقى أسيرًا لمدى نجاح التحالف العربي الذي يقود “عاصفة الحزم” في إلحاق الهزيمة بالحوثيين وحلفائهم، وفرض معادلة توازن قوي جديدة داخل اليمن لصالح الإرادة الشعبية اليمنية التي طغى الحوثيون عليها، وحليفهم علي عبد الله صالح، بحيث تدفع كل مكونات القوى السياسية والاجتماعية إلى مائدة حوار تنطلق مع تفعيل مخرجات الحوار الوطني الذي جرى على مدى أكثر من عام (2013- 2014) تحت رعاية الرئيس عبد ربه منصور هادي. كما أن هذا الواقع سيتحدد أيضًا وفق نجاح الدول العربية في تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة التي من المقرر أن يعتمد مجلس الدفاع العربي كل تفاصيلها خلال ثلاثة أشهر من الآن. هذا الواقع الإقليمي الجديد، وفق هذين المحددين، سيضع إيران، التي ما زالت تعاني ألم الصدمة والمفاجأة من قرار بدء الحرب على حليفها الحوثي في اليمن قبل أن يتمكن هذا الحليف من السيطرة على عدن وإسقاط شرعية الرئيس هادي وفرض شرعيتهم المطلقة، أمام تحديات وضغوط رد الفعل، في وقت تجد نفسها متورطة في أزمات الحرب ضد “داعش” في العراق، وضد كل منظمات المعارضة السورية الإرهابية فيها وغير الإرهابية، إضافة إلى توجساتها من تطورات التفاوض حول برنامجها النووي والنتائج المتوقعة لهذا التفاوض مع مجموعة “دول 5+1” التي اقتربت كثيرًا من لحظة الحسم في لوزان بسويسرا بين النجاح وبين الفشل. كما أنه سيضع منظمات الإرهاب في اليمن خاصة تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” وتنظيم “داعش” وخارج اليمن “داعش” و”القاعدة” بتفريعاتها المختلفة في سوريا ومصر وليبيا أمام تحدي التصعيد خشية الانحسار والهزيمة.
كانت تتحرك إيران وتتفاعل مع أطراف قريبة منها أو صديقة أو حتى حليفة داخل النظام العربي
أما الإخوان، فواقعهم هم أيضًا سيكون مختلفًا عما كان قبل تفجر حرب “عاصفة الحزم” لأنهم باتوا في اليمن طرفًا داعمًا للتحالف الدولي، نظرًا لأنهم كانوا مستهدفين من الحوثيين ومن علي عبد الله صالح والقوات الموالية له، حيث كان صالح يخطط للانتقام من “التجمع الوطني للإصلاح” (جماعة إخوان اليمن) باعتبارهم أصحاب الدور البارز في إسقاطه خلال تفجر الثورة اليمنية ضد نظامه عام 2011.

أولا- خرائط ما قبل العاصفة
قبل أن تتفجر الأزمة اليمنية الأخيرة بتطوراتها المتسارعة، كانت هناك محاولات متعددة لقراءة واقع خرائط الصراعات والتحالفات الإقليمية التي يلعب فيها تنافس القوى الإقليمية الشرق أوسطية الكبرى الثلاث أدوار اللاعبين الأساسية، في وقت بات فيها النظام العربي في أسوأ حالاته، وأضحت فيه هذه القوى الثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا أكثر انغماسًا وتأثيرًا في أهم أزمات النظام العربي.
من أبرز تلك القراءات للمشاهد المستقبلية لتحالفات إقليم الشرق الأوسط وبالتحديد مآلات النظام العربي على ضوء تداعيات الثورات العربية وانتكاساتها، وعلى ضوء الحرب الإرهابية التي تخوضها تنظيمات “داعش” و”القاعدة” على الأرض العربية، قراءة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي عرض لها “إليكس فيشر” في صحيفة “يديعوت أحرونوت” والتي تحدث فيها عن أربعة تحالفات، أو كما يسميها “معسكرات متصارعة ومتنافسة” هي:

أولها: المعسكر الشيعي الراديكالي الذي يشمل، من وجهة نظرها، إيران وسوريا وحزب الله والجهاد الإسلامي (في فلسطين) والحوثيين (في اليمن)، هذا المعسكر مرجح أن يمتد إلى حماس، لكن مصالح وتطلعات حماس مع تركيا، بعد صعوبة البقاء في قطر كإحدى نتائج المصالحة الخليجية- الخليجية، والمصالحة المصرية- القطرية، ستؤثر حتمًا على احتمالات انضمام حماس إلى هذا المعسكر.

ثانيها: المعسكر المعتدل الذي يضم: السعودية ومصر والأردن وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، ويرى الإسرائيليون أن انضمام قطر إلى هذا المعسكر سوف يؤدي إلى تفاهمات وأدوار قطرية – مصرية نحو حماس يمكن أن تبعد حماس عن إيران.
وثالثها: المعسكر الإخواني الذي يضم تنظيمات الإخوان في مصر والأردن وغزة وسوريا وإسرائيل، وهو معسكر ترجح المخابرات الإسرائيلية أن يجدد تصعيده خاصة في مصر على ضوء ما سيقوم به معسكر “السلفية الجهادية” والسيناريوهات المحتملة للحرب الدائرة ضد “داعش”.
وأخيرًا المعسكر الرابع الذي يشمل كل تنظيمات “السلفية الجهادية” خاصة “داعش” و”القاعدة” و”جبهة النصرة”، و”أنصار بيت المقدس”، و”أنصار الشريعة”. وهذا المعسكر هو من سيملك القدرة على إرباك أدوار المعسكرات الثلاثة الأخرى.
هذه التحالفات الأربعة كانت تعكس تخوفات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتنطلق من منظور أمني بحت لا يعكس بالكامل حقيقة الواقع وتفاعل دوائره الثلاث المتداخلة: العربي والإقليمي والدولى.
فحالة عدم اليقين التي فرضت نفسها على مجمل تفاعلات أطراف النظامين العربي والإقليمي الشرق أوسطي، المقترنة بحالة أخرى من التوجس بسبب كثافة التهديدات كانت تقف حائلًا دون تشكيل تحالفات حقيقية، لكن هذا لا يمنع من أن إيران كانت تتحرك وتتفاعل مع أطراف قريبة منها أو صديقة أو حتى حليفة داخل النظام العربي، لكن هذه الأطراف بقيت في انتظار حدوث تطورات غير معلومة يمكن أن تؤثر على مجرى تحالفها مع إيران، مثل توقيع اتفاق شامل وطويل المدى يحل الأزمة المثارة حول برنامج إيران النووي. تطور كهذا، إن حدث، سوف يقلب الموازين الإقليمية كلها رأسًا على عقب، وإن فشل، فإن للفشل أيضًا مردوده المؤثر لن يقتصر فقط على مواقف الأطراف المتحالفة مع إيران بل أيضًا، وربما بالأساس على مواقف الأطراف المناوئة لإيران، وبالذات السعودية.
وعلى نفس المنوال فإن تركيا، التي خسرت معظم أوراقها الإقليمية ولم يبق لها غير دولة قطر وجماعة الإخوان وتنظيمات السلفية التكفيرية أو الجهادية خاصة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) “وجبهة النصرة”، كانت حريصة، تمامًا مثل “إسرائيل” على العبث بأي تحالف يؤسس في المنطقة يتعارض مع مصالحها، وفرض نفسها كحليف داعم لبعض الأطراف دون خسارة الأطراف الأخرى.
وفي ذات الوقت كان “محور الإرهاب” يتحرك ليكسب أرضًا جديدة ونفوذًا جديدًا، على أمل أن يستجيب الإخوان لدعوات “الدولة الإسلامية” (داعش) للتخلي عن المعارضة السلمية أو العنف المنضبط، واتباع “منهج الجهاد” ضد من تسمّيهم بـ “الدول الكافرة”. ربما أيضًا يتحالف الإخوان مع تيار السلفية الجهادية على الأرض العربية خاصة “داعش” و”النصرة” وامتدادتهما داخل الدول العربية في مصر واليمن وليبيا، لكن يبقى حدوث ذلك مرهونًا بحل الخلافات العقائدية والفكرية بين تياري الإخوان و”السلفية الجهادية”، ووقف الصراع على قيادة الجهاد في العالم بين “الدولة الإسلامية” (داعش) وتنظيم “القاعدة” وهو احتمال تبدو فرصه ضعيفة، إن لم تكن مستحيلة، في ظل إصرار “داعش” على طرح “الدولة الإسلامية” التي أعلنتها باعتبارها “دولة الخلافة الإسلامية”، وإصرارها على أن يبايع أيمن الظواهري زعيم القاعدة واتباعه زعيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي باعتباره خليفة للمسلمين. وبشكل عام سوف يتحدد مستقبل هذا التحالف الذي يرجح أن يضم قوى الإرهاب التكفيري والإخواني على مآل المعارك الدائرة الآن بين التحالف الأمريكي الهش وبين هذه التنظيمات على الأرض السورية والعراقية، ومعه أيضًا سوف يتحدد مستقبل العراق ومعه مستقبل سوريا، وهو المستقبل الذي سوف يحمل أهم معالم النظام العربي الجديد الذي لم تستطع موجة الثورات العربية أن تفرضه بعد.
جاءت حرب “عاصفة الحزم” لتربك كل تلك الحسابات فهي من ناحية ضربت في الصميم التطلعات الإيرانية لتحويل اليمن إلى “عراق آخر” يسيطر فيه حلفاؤها الحوثيون على مقاليد الحكم في البلاد، وتكون هي الظهير الداعم لهذا الحكم ومرجعيته، وبالتالي تفرض نفسها قوة قادرة على التحكم في الممرات المائية العربية من الخليج إلى مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب ومنه إلى البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس، عندها تكون مصر مضطرة إلى خيارين إما الصدام المنفرد وهو خيار مستبعد في ظل تبعثر القوة العربية وتفكك النظام العربي، أو خيار الرضوخ للإرادة الإيرانية والاضطرار للدخول في شراكة تعاون تتيح الفرصة لتفاهمات مصرية بخصوص الأوضاع السورية واللبنانية بعيدًا عن المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى أعضاء مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يعطي لإيران من الناحية الأخرى فرصة فرض نفسها أولًا قوة إقليمية مهيمنة في الخليج في ظل التباعد المصري- الخليجي، وقوة إقليمية شرق أوسطية مهيمنة في مواجهة إسرائيل وتركيا.

هذه الطموحات تبعثرت، والآن تجد إيران نفسها في موقع المدافع عن مصالحها، وستكون حتمًا مضطرة إلى البحث في تشكيل تحالفها الخاص القادر على المنافسة والتصدي للمتغيرات الجديدة.
وهي من ناحية أخرى تؤسس لـ “تحالف عربي” يتطلع لامتلاك “قوة عسكرية مشتركة” يربط بين دول خليجية ومصر والأردن والسودان وأطراف أخرى قد تجد نفسها ضمن هذا الحلف يدافع عن مصالحها، ولكن نجاح هذا الحلف سيبقى محكومًا بنجاحه داخل اليمن ليس فقط عسكريًا بل وبالأساس سياسيًا. فنجاح الحل السياسي في اليمن هو الذي سيشجع التحالف العربي على التفاعل مع الأزمات العربية الأخرى (سوريا – ليبيا – العراق) وليس النجاح العسكري الذي قد لا يجد لنفسه فرصة نجاح أخرى في تلك الأزمات على نحو ما استطاع تحقيقه في اليمن.
هذا النجاح السياسي له شروطه ومرتكزاته. فهو لا بد أن يرتكز على قاعدة من توازن القوى الجديد داخل اليمن لصالح الأطراف الداخلية الداعمة لحرب “عاصفة الحزم” والتي كانت مشاركة في الحوار الوطني المصري. أما شروطه فمن أبرزها التدمير الكامل للقدرات العسكرية للحوثيين وعلي عبد الله صالح، ومحاكمة هذا الرجل ونجله أحمد الذي كان يعده رئيسًا مستقبليًا لليمن أو على الأقل إخراجه خارج اليمن، ومحاكمة كل المتورطين في قتل وتعذيب واعتقال اليمنيين خلال الأِشهر التي شهدت الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، وتوفير الحماية الجوية والبحرية لليمن القادرة على منع أي تغلغل أو نفاذ إيراني إلى الداخل اليمني، وأخيرًا وضع برنامج سياسي يعيد بناء الجيش الوطني، ويؤسس لنظام حكم وطني ديمقراطي غير طائفي يرتكز على قاعدة المواطنة ويحفظ لليمن أمنه واستقراره.
هذه النجاحات المأمولة هي التي ستحكم مستقبل التحالف العربي أو التي ستحكم عليه، وهي التي ستضع من ناحية أخرى المحددات الحاكمة لنشاط المنظمات الإرهابية داخل اليمن وخارجه. فالنجاح العسكري والسياسي أغلق الأبواب أمام “داعش” أو القاعدة في الجزيرة العربية لتوريط اليمن في حرب أهلية طائفية على قاعدة الحرب ضد الحوثيين الشيعة. وهذا تطور مهم سيفرض حصارًا على النشاط الإرهابي في الجنوب، لكنه قد يضاعف من النشاط الإرهابي في مشرق العرب ومغربهم مرورًا بمصر (العراق- سوريا- لبنان- مصر – ليبيا).

ثانيا- خرائط ما بعد حرب العاصفة
وفق كل هذه التفاعلات من الممكن أن نتحدث عن ثلاثة تحالفات باتت متوقعة:

أول هذه التحالفات: الحلف العربي
هذا الحلف جرى توليده من رحم حرب “عاصفة الحزم” في اليمن، وهو حلف سيجمع بداية القوى المنخرطة في القوة العسكرية العربية المشتركة، التي يرجّح أن تؤسس لمنظومة أمن جماعي عربي وفق صيغة تربط مجددًا بين الأمن الوطني للدول الأعضاء، وما يمكن اعتباره أمنًا قوميًا عربيًا له علاقة بالمصالح العليا والإستراتيجية للأمة العربية.
تؤسس عاصفة الحزم لـ “تحالف عربي” يتطلع لامتلاك “قوة عسكرية مشتركة” يربط بين دول خليجية ومصر والأردن والسودان وأطراف أخرى قد تجد نفسها ضمن هذا الحلف يدافع عن مصالحها
هذا الحلف قد يدفع مستقبلًا إلى تطوير جامعة الدول العربية بتحويلها إلى اتحاد عربي، له مرتكزاته السياسية والاقتصادية وله أداته العسكرية، لكن مثل هذا الحلف سيكون مستهدفًا من كل الأطراف سواء كانت دولية أم إقليمية. فهو مرفوض حتمًا غربيًا (أمريكيًا – وأوروبيًا) وهو بالتأكيد مرفوض إسرائيليًا وإيرانيًا وتركيًا، لكن ربما تحاول تركيا أن تنسج لنفسها خيوط تواصل مع هذا الحلف العربي دون إخلال بتوازن علاقاتها مع إيران، ودون أن تتورط في تفاعلات صراعية غير محسوبة مع إسرائيل. لذلك سيبقى أمر هذا الحلف محكومًا بمدى توفر إرادة سياسية صلبة لتكوينه، وبمدى عزيمة الدول الأعضاء في الدفاع عنه، والحيلولة دون اختراقه أو توريطه في صراعات غير محسوبة ليست لها علاقة بالأهداف المحددة له.

ثاني هذه التحالفات
هو ذلك التحالف الذي يمكن أن يتشكل بين إيران وكل من العراق وسوريا، ويمكن أن يضم مستقبلًا التنظيمات الموالية لإيران: حزب الله (لبنان)، الجهاد الإسلامي (فلسطين) و”أنصار الله” (الحوثيون- في اليمن). وقد ظهر الحديث عن هذا التحالف بعد زيارة وزيري خارجية سوريا وليد المعلم والعراق إبراهيم الجعفري لطهران ضمن دعوة للمشاركة في مؤتمر نظمه الإيرانيون حمل اسم “عالم خالٍ من العنف والتطرف” جددت فيه إيران على لسان رئيسها حسن روحاني، ووزير خارجيتها محمد ظريف، دعمها ومساندتها لسوريا والعراق، لكن ما ورد على لسان اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، كان الأوضح والأكثر صراحة في الحديث عن حلف أو تحالف يضم الدول الثلاث، وإن كانت ظروف حديثه عن هذا الحلف قد جاءت في معرض انتقاده وتفنيده لعدم جدوى الحلف الدولي الذي أسسه الأمريكيون لمحاربة إرهاب تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”. فقد أعلن صفوي أن “محور التحالف الذي شكلته أمريكا لمحاربة داعش ليس فاعلًا وسيبوء بالفشل ولن يقدم شيئًا، كما اعتبر أن “التحالف الذي يتكون حاليًا بين إيران والعراق وسوريا سيكون تحالفًا قويًا في التصدي للقوى التكفيرية”.
وإذا ألقينا نظرة سريعة إلى البيئة الدولية والإقليمية يمكن القول؛ إنها ليست مع وليست ضد تأسيس مثل هذا التحالف بالمطلق، فسيولة التفاعلات في المنطقة تزيد من ضبابية أي يقين بهذا الخصوص.
فمن ناحية يمكن القول: إن نجاح التقارب الأمريكي- الإيراني الراهن وبالذات في ملف البرنامج النووي الإيراني، ووجود قيود تمنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما للدفع بقوات برية أمريكية لقتال “داعش” في العراق وهو الشرط الموضوعي لهزيمة هذا التنظيم الإرهابي، وفتور بعض أطراف التحالف الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة لقتال داعش والنصرة يجعل الأمريكيين أكثر استعدادًا يومًا بعد يوم لإعطاء ضوء أخضر لإيران كي تدخل بثقلها لقتال “داعش” في العراق، وهو إن حدث، سيفرض معادلة نفوذ إيرانية جديدة في العراق سوف تمتد حتمًا نحو سوريا، وسوف تؤثر كثيرًا على معادلات التفاعل في الجوار العربي للعراق وسوريا، وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، خصوصًا في ظل التفاهمات التي ترقى إلى مستوى التعاون بين أمريكا وإيران في الحرب ضد “داعش” في سوريا، وتجربة تحرير تكريت مثال على ذلك.
ومن ناحية أخرى يمكن القول: إن هناك قيودًا إقليمية تركية وعربية بالذات من شأنها تحجيم مثل هذا التحالف، في حال تطوره من تنسيق ودعم إيراني للعراق وسوريا إلى “تحالف سياسي- عسكري”، وهي قيود تعمل في اتجاه فتح مجالات تفاهم بين أطراف عربية وإيران ضمن مساع موازية لخلق تعاون آخر مباشر مع العراق (كما هو حال السعودية والإمارات ومصر) ومع سوريا (كما هو حال مصر) في ظل إدراك إيراني لوجود قبول أو توجه عراقي وإيراني جديد نحو هذه الأطراف العربية وهو قبول حتمًا لن تتعمد إيران تجاوزه.

التحالف الثالث
في مواجهة هذين التحالفين المحتملين يقف التحالف المحتمل بين الإخوان وتنظيمات السلفية الجهادية الذي يريد فرض نظام إقليمي جديد بديل للنظام العربي هو نظام “الخلافة الإسلامية” ومن ثم قد ينحصر الصراع في المستقبل بين مشروعات ثلاثة أحدها يريد أن يخترق النظام العربي بأدوار تتزعمها إيران، وآخر يريد إحياء النظام العربي بأفكاره وشروطه ومصالح أطرافه، وثالث هدفه تدمير المشروعين وفرض “الخلافة الإسلامية” كمشروع بديل.
وفي القلب من هذه التحالفات المتصارعة تبقى “إسرائيل” طرفًا أوحد مستفيدًا من كل تلك الصراعات العربية والإقليمية في محاولة لتمرير مقولة أن بيت الداء في النظام العربي هو الصراعات العربية- العربية، وأن إسرائيل لم تكن أبدًا سببًا للصراع أو لعدم الاستقرار وزعزعة الأمن في الشرق الأوسط، لكن “إسرائيل” لن تهنأ بالكامل مما تتصوره “فوضى بناءة شرق أوسطية” هي من سيجني ثمارها، نظرًا لأن احتمالات انتصار إيران في معركة برنامجها النووي وتقارب طهران مع واشنطن، على الأقل في العامين الباقيين من ولاية الرئيس باراك أوباما ستكون عامل توتر شديدًا في التفاعلات الإسرائيلية مع التطورات العربية والإقليمية.

د. محمد السعيد إدريس

المركز العربي للبحوث والدراسات