العراق على أبواب دورة برلمانية جديدة تحمل “جينات” العملية السياسية

العراق على أبواب دورة برلمانية جديدة تحمل “جينات” العملية السياسية

ما جرى خلال الانتخابات العراقية الأخيرة وما حدث بعدها، وصولا إلى الانعقاد الوشيك للبرلمان الجديد وتشكيل الكتلة الأكبر المخوّلة تشكيل الحكومة، أثبت أن هامش التغيير محدود في العملية السياسية الجارية منذ عقد ونصف العقد من الزمان، الأمر الذي يقلل بالنتيجة من احتمالات إحداث تغييرات جذرية في الواقع العراقي خلال السنوات الأربع القادمة.

بغداد – يستعدّ البرلمان العراقي المنبثق عن انتخابات مايو الماضي لعقد أولى جلساته، لتواصل بذلك العملية السياسية الجارية في العراق منذ 15 عاما مسارها دون تغييرات تذكر بعد أن أسقطت الأحداث التي رافقت الانتخابات وتلتها، كلّ الشعارات التي اشترك جميع الفرقاء السياسيين في رفعها بشأن تجاوز الطائفية وإلغاء المحاصصة ومحاربة الفساد.

فالانتخابات التي سجّلت نسبة إقبال متدنيّة شابتها خروقات وشبهات تزوير وتلاعب كبيرة. ومفاوضات الكتل السياسية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر دارت على شكل مزاد هدفه الأوّل استقطاب كلّ من تحصّل على مقاعد برلمانية بهدف الحصول على امتياز تشكيل الحكومة والإمساك بأهم منصب في البلاد وهو منصب رئيس الحكومة بعيدا على الأفكار والبرامج، بدليل أنّ المشاركين في تلك المفاوضات حاولوا استمالة خصوم سياسيين لهم يفترض أنّ لهم “برامج وأفكارا” وأهدافا مختلفة.

ودعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم، البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى، في الثالث من الشهر المقبل، فيما كشف سياسي شيعي بارز في بغداد، لـ“العرب”، عن “تحول كبير” في الموقف الكردي، إزاء مفاوضات الكتلة الأكبر، مؤكدا أن “الأكراد، باتوا الأقرب لمحور مقتدى الصدر وحيدر العبادي وعمار الحكيم”، بعدما كانوا قاب قوسين أو أدنى من دعم محور نوري المالكي وهادي العامري.

وجاء في مرسوم جمهوري وقّعه معصوم، أنه استناد إلى أحكام الدستور ومصادقة المحكمة العليا على نتائج الانتخابات، تمت “دعوة مجلس النواب المنتخب للدورة الرابعة إلى الانعقاد الاثنين المصادف للثالث من سبتمبر 2018”.

ووفقا للدستور، فإن الجلسة الأولى يجب أن تشهد انتخاب رئيس دائم للبرلمان ونائبين، والتصويت على اختيار رئيس للجمهورية، ثم تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.

الصدر والعبادي والحكيم وعلاوي أقروا اتفاقا ثابتا بالمضي نحو إعلان الكتلة الأكبر ضمن المواعد الدستورية المقررة

ويتنافس محوران شيعيان، يضم الأول تحالف “سائرون” الذي يرعاه مقتدى الصدر وائتلاف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، فيما يضم الثاني تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، على تشكيل الكتلة الأكبر. ويعوّل كل منهما على اجتذاب الأكراد والسنّة العرب إلى صفّه، لضمان الأغلبية داخل البرلمان العراقي الجديد.

وأذنت مفوضية الانتخابات في وقت سابق للأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات بتقديم طلباتها لتشكيل الكتل البرلمانية في مجلس النواب الجديد.

ودعت مفوضية الانتخابات في العراق، “جميع الأحزاب والائتلافات والمرشحين الفائزين الذين يرومون تشكيل تحالفات برلمانية إلى مراجعة مقر دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية في مفوضية الانتخابات اعتبارا من الثلاثاء الموافق لـ28 أغسطس 2018 لغرض تسجيلها وفقا للقانون”.

وحفز هذا الإعلان الأحزاب السياسية على تحريك عجلة المفاوضات، في ظل التسابق بين المحورين الشيعيين على تشكيل الكتلة الأكبر.

وزار وفد يمثل الصدر والعبادي والحكيم وإياد علاوي، أربيل معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني لبحث مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر.

وحاول الوفد الحصول على دعم البارزاني لمشروع الكتلة الأكبر التي تستهدف الدفع بالعبادي إلى ولاية ثانية في منصبه.

وجاء على رأس الوفد وزير الدفاع السابق خالد العبيدي ممثلا عن العبادي، فيما اختار الصدر أن يمثله القيادي البارز في تياره نصار الربيعي وهو وزير سابق والقيادي البارز في الحزب الشيوعي جاسم الحلفي، بينما كان ممثل الحكيم هو أحمد الفتلاوي رئيس اللجنة التفاوضية في تيار الحكمة، في حين مثل علاوي رئيس كتلته الانتخابية كاظم الشمري.

وبدا واضحا أن الصدر والعبادي والحكيم وعلاوي، اختاروا أفضل ممثليهم لزيارة أربيل. ويقول السياسي الشيعي، إن “هولاء أقروا اتفاقا ثابتا بالمضي نحو إعلان الكتلة الأكبر ضمن المواعد الدستورية المقررة، بغض النظر عن التحاق السنّة والأكراد بها من عدمه”، مشيرا إلى أن “هذه الأطراف إن لم تلتحق بنا الآن، فإنها ستنفتح علينا بعد أن نشكل الكتلة الأكبر ونعلن عنها رسميا”.

وليس محددا بشكل نهائي عدد النواب الذين يضمّهم هذا المحور، لكن الترجيحات تشير إلى أنهم نحو 100 نائب حتى الآن، من أصل عدد مقاعد البرلمان البالغة 329، بينما يذهب آخرون إلى أن العدد بلغ نحو 160.

ويعود هذا التضارب في التقديرات إلى تسريبات تتعلق بانشقاق نواب عن قائمتي العبادي وعلاوي، من دون أن يصدر إعلان رسمي بذلك.

لكن السياسي الشيعي يقول إن “الأمر لا يتعلق فقط بالأرقام، فالمحور الذي يتزعمه الصدر، يحظى بمقبولية داخلية وخارجية واسعة، في مقابل اعتماد المحور الذي يتزعمه المالكي على الدعم الإيراني واليمين الشيعي العراقي، فقط”.

وأقرّ قيادي بارز في حزب البارزاني، خلال حديث مع “العرب”، بأن “وفد سائرون والنصر والحكمة والوطنية، وافق على جميع المطالب الكردية”، رافضا الخوض في تفاصيل هذه المطالب.

ويبدو أن الأكراد يحاولون انتزاع أكبر المكاسب من محور الصدر إذ تتداول وسائل إعلام تابعة لحزب البارزاني أنباء عن اتفاق بين الفتح ودولة القانون والسنّة مدعوم من الأكراد، على تشكيل الكتلة الأكبر وترشيح المالكي لرئاسة الحكومة الجديدة.

لكن قيادات سنية بارزة، نفت وجود مثل هذا الاتفاق، وعزت الأنباء التي تتحدث عنه إلى “محاولات للضغط، بهدف تحقيق مكاسب أكبر خلال المفاوضات”.

وتأتي الاستعدادات لعقد أولى جلسات البرلمان العراقي وسط حالة من الغليان الشعبي والمظاهرات والاعتصامات الشعبية، للمطالبة بتحسين الخدمات وحل أزمات الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب والبطالة ومحاربة ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي تعصف بالبلاد منذ عام 2003 وإلى حدّ الآن.

وتعتبر مختلف تلك الأزمات مظهرا للفشل في إدارة شؤون الدولة العراقية والتحكّم بمواردها الضخمة، وانعكاسا لتشوّهات جوهرية في العملية السياسة الجارية منذ تلك السنة. ومع ذلك فإنّ هامش التغيير خلال السنوات القادمة يبدو ضيّقا بغض النظر عن الطرف الذي سيتوّلى السلطة، إذ أنّ العملية السياسية رغم تشوّهاتها تلك، تمتلك أسبابا قوية للبقاء وممانعة التغيير لارتباطها بمصالح سياسية ومادية لكبار قادتها، بل لأطراف خارجية ساهمت في صياغتها وتحرص بشدّة على حمايتها وضمان بقائها.

العرب