العراق يواجه العقوبات المفروضة على إيران

العراق يواجه العقوبات المفروضة على إيران

 

حظوظ إيران كبيرة في البرلمان العراقي .. فهل سيستطيع إنقاذها من العقوبات ؟!
في مسلسل العقوبات الأميركية على إيران ، ودخولها حيز التنفيذ ، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، أنها الأشد على الإطلاق ، وانها ستصل في تشرين الثاني نوفمبر المقبل إلى مستوى أعلى ، وحذر كل من يتعامل مع إيران بأنه لن يتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية .
وشملت العقوبات الأميركية على إيران حزمتين ، الأولى تجميد التعاملات المالية وواردات المواد الأولية ، وقطاعات السيارات والطيران التجاري .
كما تحظر العقوبات على الحكومة الإيرانية شراء أو حيازة أوراق العملة الأميركية ، وتجارة طهران بالمعادن النفيسة ، والمعاملات التجارية التي تتم بالريال الإيراني ، والأنشطة المتعلقة بإصدار إيران للديون السيادية ، والحزمة الثانية ستنفذ في نوفمبر المقبل وستصل الى مستوى أعلى من الخطورة .

العقوبات على إيران وتداعياتها على العراق :
يقول المستشار المالي مظهر محمد صالح ، إن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ، ستؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي ، وأضاف: السوق العراقية تستهلك وبشكل واسع سلعا إيرانية ذات طبيعة زراعية وسيارات ومواد غذائية ومواد البناء ، وغيرها ، فالأسواق العراقية تعج بالبضائع الإيرانية سواء الغذائية أو غير الغذائية .
ويرى الباحث العراقي باسم أنطوان أنه في مرحلة أولى لن تظهر تداعيات عقوبات إيران على السوق العراقية ، نظرا لتوفر البضائع الإيرانية ، ولكن لاحقا سيكون من الصعب على العراق تعويض هذه البضائع بأسعار تنافسية ، وأضاف أنطوان ، ان بغداد ستبحث عن مصادر أخرى في دول الجوار لتعويض البضائع الإيرانية ، ولكن الأمر سيتطلب بعض الوقت.
ما بين مليوني إلى ثلاثة ملايين إيراني يزورون الأماكن المقدسة في كربلاء والنجف ، ويدفع كل سائح مبلغ أربعين دولارا كرسوم مقابل الحصول على تصريح لدخول العراق.
وتعتمد الأسواق العراقية بشكل كبير جدا على المنتجات الإيرانية ، الأمر الذي سيؤدي إلى ركود حاد لهذه الأسواق ، في ظل تطبيق العقوبات الأميركية ، ويقول عباس مخيلف (تاجر أجهزة كهربائية عراقي) إنه يوجد بالعراق معامل تستورد قطع غيار من إيران ، وستتوقف بشكل كامل جراء العقوبات ، موضحا أن المواد الأولية من إيران أرخص ثمنا من أي بلد آخر ، نظرا لقرب المسافة وفرق سعر الصرف .
إيران تستغل الاقتصاد العراقي :
ان خصوصية العراق الجغرافية ، والعلاقة التي تربطه بإيران ، ستجعل من الاقتصاد العراقي متنفّساً لطهران للهروب من العقوبات الأمريكية ، وتعتمد إيران على العراق بشكل أكبر وستعتمد على أذرعها في الدولة العراقية ، وعلى المليشيات الموالية لها .
كل ما سبق ، جعل إيران تستغل الأسواق العراقية والاقتصاد العراقي بشكل خاص ، للخروج من ازمتها الخانقة ، إذ هددت مليشيات مسلّحة عراقية معروفة بولائها لطهران ، بأنها ستعمل على خرق العقوبات ، ومدّ إيران بما تحتاجه من معونات ، لتشتيت تأثير العقوبات الأمريكية عليها .
اقتصادياً ، أوقف عدد من البنوك وكبريات شركات الصيرفة في العراق ، التحويلات المصرفية مع المصارف الإيرانية ، وهو ما يسبّب تأثيراً بالغاً على الاقتصاد الإيراني ، فالعراق “رئة إيران التجارية” كما يطلق عليه مختصّون ، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي أكثر من ثلاثة عشر مليار دولار ، بحسب سفير طهران ببغداد، إيرج مسجدي ، لتحتل المركز الأول بين سائر شركاء العراق التجاريين .

ويؤكد أحد المختصين في مجال التعامل بالعملة عبد الحسن اللامي: إن نشاطاً ملحوظاً لمجاميع تعمل على شراء الدولار بعملة عراقية مزوّرة .
وأضاف اللامي: إن نشاط هذه المجاميع ظهر بعد فرض العقوبات الأميركية على طهران مؤخراً ، وأنها – أي المجاميع – تعمل بحرّية تامّة وبالتنسيق مع ضباط كبار في وزارة الداخلية العراقية ، منتهيا بالتأكيد بأن سرّ قوة حركة إيران ونشاطها في العراق يكمن بارتباطها بالمليشيات .
ولا يقف حدّ عمل هذه المليشيا لمصلحة إيران فحسب عند هذه الحدود وحسب وفق اللامي ، بل إنهم هدَّدوا عدداً من التجار بالقتل إن أوقفوا شراء البضائع الإيرانية .
فالعراق يشتري كميات كبيرة من مواد الطاقة والكهرباء من إيران ، وأوقفت شركات إيرانية خاصة في الفترة الأخيرة إمداداتها من الطاقة إلى محافظة البصرة جنوبي العراق ، ما تسب في حدوث أزمة وتظاهرات في المحافظة .
من جهة أخرى ، حذر العديد من خبراء الاقتصاد ، من عمليات مشبوهة تنفذها إيران ، للحصول على الدولارات من العراق ، وقد أدت إلى انخفاض قيمة الدينار ، بعدما أصبحت العملة الإيرانية لا قيمة لها ، إثر تطبيق المصارف العراقية لقرار العقوبات الأميركية .
ويعزو اقتصاديون عراقيون تراجع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار ، إلى شراء تجار إيرانيين عبر وكلاء لهم في العراق ، العملة الصعبة من الأسواق العراقية لمواجهة العقوبات الأميركية بحظر التعامل مع طهران بالدولار ، محذرين من الأساليب التي تهدف الى إغراق السوق العراقية بالعملة المحلية المزورة لشراء الدولار ، بعد أن بات الريال الإيراني لا قيمة له في التعاملات داخل العراق وخارجه .
هذا إحدى أساليب إيران الخبيثة ، أما الأسلوب الآخر ، فيتمثل في مضاعفة تجارة المخدرات ، وضخ كميات كبيرة من السموم المخدرة إلى السوق العراقية ، لتحصل إيران من خلالها على الدولار .

كما انه وبذات الصدد ، أشارت مصادر مطلعة الى ان عدة مستثمرين عراقيين في إيران ، تعرضوا إلى خسائر كبيرة بعد هبوط العملة الإيرانية ، و تعرضوا للاحتيال من قبل تلك المصارف التي أعلنت تقديم فائدة قدرها (15%) على الوديعة الثابتة ، عبر الترويج بأن المصارف الإيرانية إسلامية ، وغير مخالفة للشريعة الإسلامية ، فقام المئات من العراقيين بإيداع مبالغ تقدر بمليار دولار في المصارف الإيرانية ، عبر فروعها داخل العراق ، بالإضافة إلى بعض المصارف العراقية .
من جهته وجه البنك المركزي العراقي ، بكتاب رسمي كافة المصارف العراقية المجازة ، بعدم التعامل بالدولار مع المصارف الإيرانية .
واكد نائب محافظ البنك ، منذر عبد القادر الشيخلي ، انه في وثيقة رسمية موجهة الى كافة المصارف العراقية ، تضمنت توجيهاً مفاده: إن مجلس إدارة البنك المركزي قرر استمرار حظر التعامل بالدولار مع فروع المصارف الإيرانية .
وأضاف الشيخلي ، أما بخصوص عملة اليورو ، فالأمر متروك لمتطلبات التعامل مع البنك المركزي الأوربي ، والمصارف التي تتعامل باليورو .
هذا ، ويرى متخصصون ، أن هذه الخطوة في التخلي عن العملة الأمريكية ، سيؤثر بشكل سلبي على التعاملات التجارية بين البلدين ، مشيراً إلى أنه سيكون من الصعب الحفاظ على المستوى التجاري في ظل العقوبات المفروضة على طهران .

وبخصوص توغل إيران في تشكيل الحكومة ، يرى مراقبون أن العقوبات الأميركية على إيران ، تتناسب طرديا مع ازدياد ثقلها في العراق ، ودورها في تشكيل الحكومة العراقية ، خاصة بعد إعلان نتائج الانتخابات التي أعيد عدها يدويا بعد تزوير وإتلاف لأصوات الناخبين .
ويعتقد المراقبون ، أن إيران تسعى إلى مكاسب اقتصادية أكبر لها في العراق ، لتعويض الحصار المفروض عليها من العقوبات الأميركية التي بدأ تطبيقها ، مستخدمة الانتخابات العراقية ورقة ضغط لإنعاش وضعها عبر حلفائها من المرشحين الفائزين .
ويقول المحلل السياسي ، أحمد الأبيض ، كلما يتصاعد الضغط الأمريكي على إيران ، بالتأكيد أن المساحة الإيرانية في العراق ليست سهلة ، وتحاول أن تستثمرها لتخفيف الضغط على وضعها الداخلي ، ومن الواضح جدا انها تستخدم الانتخابات العراقية ورقة ضغط داخليا وخارجيا ، من خلال محاولة تشكيلها حكومة تكون قريبة منها ، حتى يصبح العراق هو رئة تخفيف للحصار عليها ، فحظوظ إيران في البرلمان العراقي كبيرة ، إذ أن لها نحو (80-90) حليفا يرشحون ويصوتون لصالح مشاريعها ، والمعادلة لن تكون سهلة .

شذى خليل*
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية