تركيا تصعد إعلاميا مع السعودية وتصمت جنائيا

تركيا تصعد إعلاميا مع السعودية وتصمت جنائيا

لندن – تواصلت الضغوط الإعلامية التركية على السعودية بعد تسريب أجهزة الأمن التركية حزمة من اللقطات لسعوديين يصلون إلى نقاط تدقيق الجوازات في مطار إسطنبول، ودخول وخروج من بوابة القنصلية السعودية في المدينة ومحاولة ربط هذه الصور والأشخاص بحادث اختفاء الصحافي جمال خاشقجي.

وبثت وسائل إعلام تركية صور فيديو مأخوذ من تسجيلات كاميرات مراقبة “سي.سي.تي.في” تقول إنها دليل على أن اختفاء الصحافي السعودي تم بعملية مدبرة.

ولم تقدم السلطات التركية، وعلى الرغم من تسريبها هذه الصور، أي أدلة جنائية أو شهادات الشهود، يمكن أن تربط بين اللقطات المصورة وحادث الاختفاء، وهذا ما سيعقد جهود أجهزة الأمن في الوصول إلى الحقيقة، خصوصا وأن الولايات المتحدة قد أبدت استعدادا للمساهمة في التحقيقات على لسان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس.

وقال بنس في حوار إذاعي، نقلت عنه قناة الحرة المحلية، إن واشنطن مستعدة لإرسال أخصائيين من مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف.بي.آي” إلى القنصلية السعودية بإسطنبول، إذا طلبت الرياض ذلك.

ويربك عرض الولايات المتحدة على لسان نائب الرئيس دونالد ترامب الدخول على خط التحقيقات الجنائية تركيا لاعتبارات يمكن أن تكشف دور أنقرة في التواطؤ في القضية.

وكرر الرئيس الأميركي مطالبته بكشف مصير خاشقجي، وقال إنه تحدث مع مسؤولين على أعلى المستويات في السعودية بخصوص اختفاء خاشقجي وإنه يريد أن تصل الولايات المتحدة إلى حقيقة ما حدث. وشدد على أن “هذا وضع سيء” مضيفا أنه يود أن يدعو خطيبة خاشقجي إلى البيت الأبيض.

ولا يعتقد أن تركيا ستكون متحمسة لمشاركة محققين أميركيين، فضلا عن أنه يجب على المسؤولين الأتراك أن يطلبوا بشكل رسمي من واشنطن المشاركة في التحقيق، وهذا أمر يواجه صعوبات وسط توتر العلاقة بين البلدين بعد العقوبات الأميركية الأخيرة.

ووجه مراقبون انتقاداتهم للتسريبات الحكومية التركية باعتبار أنها تتسبب في زيادة حملة التشويش على الموضوع وترك الأمر لتحليلات أجهزة الإعلام التي تتخذ موقفا معاديا للسعودية على خلفيات حملات دعائية مكثفة استغلت الموقف، من دون أن تطرح التساؤلات المشروعة عن تلكؤ تركي ملحوظ في التحقيق والاكتفاء بالتصعيد الإعلامي المسيس.

في غضون ذلك نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية عن مصدر وصفته بالمقرب من الأسرة السعودية الحاكمة تأكيده على أن جمال خاشقجي حي وموجود في السعودية.

وقال المصدر للصحيفة “إن خاشقجي نقل في سيارة مرسيدس سوداء مع أربعة مسؤولين سعوديين إلى مطار إسطنبول، حيث تم نقله على متن طائرة خاصة إلى دبي ثم الرياض، حيث يتم احتجازه الآن”.

وأكد أن خاشقجي ما زال على قيد الحياة، الأمر الذي يتناقض مع الادعاءات التركية بأنه قتل داخل القنصلية.

ومن المنتظر أن يتوسع الاهتمام بقضية خاشقجي مع دخول دول مثل بريطانيا على خط القضية، وهو ما سيزيد من إحراج تركيا، في وقت تكون فيه المواقف الغربية برمتها متوقفة على الرواية التركية التي لم تصدر إلى حد الآن.

وحذّر وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، من أن بلاده ستتعامل بـ”جدية” مع حادثة اختفاء خاشقجي.

وتعرضت هيئة الإذاعة البريطانية لانتقادات بسبب إذاعة تعليقات أدلى بها خاشقجي لصحافيين بالهيئة على هامش مقابلة أُجريت معه قبل ثلاثة أيام من اختفائه. وقال فيها إنه لن يستطيع العودة إلى السعودية قريبا.

وقال المنتقدون إنه لم يكن للهيئة أن تذيع التعليقات التي قد تزيد من الخطر الذي يواجهه خاشقجي إذا كان لا يزال على قيد الحياة.

وقال الأكاديمي البريطاني إتش إيه هلير “إن هذا أمر غير مقبول، ويجعلني أتردد بشأن أي محادثة سأجريها على هامش مقابلة مع أي وسيلة إعلام”.

وتلازم السلطات القضائية التركية الصمت وتترك العنان للحملات الإعلامية، ولتصريحات سياسية متناقضة ومرتبكة مثل تصريح ياسين أقطاي، مستشار أردوغان الذي اتهم “الدولة العميقة” في بلاده بتنفيذ العملية لتوتير علاقة تركيا مع السعودية قبل أن يستدرك لاحقا ويتهم السعودية لمجاراة الحملات الإعلامية ضد الرياض.

وسخر نشطاء أتراك وخليجيون على مواقع التواصل من تصريحات أقطاي، الذي يعد أحد المقربين من أردوغان، متسائلين هل أن الدولة العميقة تتحمل كل السقطات السياسية التي يقع فيها الرئيس التركي، وهل هي بهذه القوة التي تمكنها من إظهار أردوغان وحكومته في حالة عجز كامل عن حماية أمن تركيا والبعثات الدبلوماسية على أراضيها.

واعتبرت أوساط تركية أن ارتباك الموقف الرسمي والمراوحة بين التصعيد والتهدئة في ملف خاشقجي يظهر أن أنقرة تسعى لإدامة الغموض، وأنها ربما تخطط لابتزاز السعودية لفتح كوة في جدار المقاطعة الخليجية غير المعلنة لتركيا بسبب انحيازها لقطر وإيران وحمايتها لمتشددين إسلاميين وكيانات مصنفة إرهابية.

ويزداد الارتباك التركي مع دعوة السعودية القضاء التركي إلى تفتيش القنصلية وإجراء تحقيقاته، لكن أنقرة تلازم إلى الآن الصمت ولم تتحرك لإجراء التحقيقات متعللة بأن القنصليات محمية بالقانون الدولي.

وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي في بيان مكتوب إن التحقيق جار على قدم وساق وإنه رغم أن معاهدة فيينا تنص على أن مباني القنصليات تتمتع بحصانة، فمن الممكن أن تفتشها سلطات الدول المضيفة بموافقة رئيس البعثة.

وكانت وكالة الأناضول التركية للأنباء قد نقلت، الثلاثاء، أن مسؤولين سعوديين وجهوا الدعوة لخبراء ومسؤولين أتراك معنيين بزيارة قنصليتها في إسطنبول في أعقاب اختفاء خاشقجي.

العرب