زعيم في أربيل ومفاوض مع بغداد: فوز مزدوج للبارزاني بعد نكسة الاستفتاء

زعيم في أربيل ومفاوض مع بغداد: فوز مزدوج للبارزاني بعد نكسة الاستفتاء

نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني في الاحتفاظ بتصدره نتائج الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان العراق، معوّضا خسارته في معركة رئاسة العراق، وهو منصب فخري، بفوز ذي تأثير في السباق إلى الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية القادمة. ويتطلع مختلف المتابعين إلى عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوة إلى المشهد بعد نكسة الاستفتاء على الاستقلال في سبتمبر 2017، وما أعقبه من تداعيات، وسط تساؤلات عما سيكون حال المشهد السياسي في الإقليم وهل سيفتح مسعود البارزاني صفحة جديدة أم سيتجه إلى تصفية الحسابات في ما اعتبرها “خيانة وطنية عظمى”، في تعقيبه على العملية العسكرية التي شنها الجيش العراقي في 16 أكتوبر 2017 لاستعادة السيطرة على المناطق التي تقودها السلطات الكردية بما في ذلك كركوك.

السليمانية (العراق)- بعد عام على فشل استفتاء الاستقلال في كردستان العراق، واستقالة رئيس الإقليم مسعود البارزاني، نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني في استعادة ماء وجهه وفرض نفسه كصاحب اليد العليا بلا منازع في كردستان العراق، مع تحقيق مكاسب على الساحة السياسية الاتحادية في بغداد، كما تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية في الإقليم.

وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني خسر مؤخرا معركته لانتزاع رئاسة الجمهورية من غريمه التقليدي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أوصل مرشحه برهم صالح إلى المنصب الفخري، فإن ميزان القوى في السباق إلى الحقائب الوزارية يصب لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني، في الحكومة العراقية التي من المفترض أن ترى النور في مطلع نوفمبر المقبل.

الحزب الأكبر
منذ الانتخابات التشريعية العراقية في مايو الماضي، يشدد الحزب الديمقراطي الكردستاني على أنه الحزب الأكبر في العراق بعد حصوله على 25 نائبا في برلمان بغداد، معتبرا أن اللوائح التي سبقته تمكنت من ذلك بفضل تحالفات أحزاب وحركات سياسية، بينما هو الوحيد الذي خاض السباق منفردا. وتصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني نتائج الانتخابات التشريعية للإقليم التي جرت مؤخرا وصدرت نتائجها النهائية الأحد، حاصدا 45 مقعدا من أصل 111 في البرلمان المحلي. وبالتالي، بات في إمكانه أن يقدم نفسه على أنه، إلى حد بعيد، الممثل الأكبر لأكراد العراق.

ويتكون برلمان إقليم كردستان العراق من 111 مقعدا، تخصص 11 منها للكوتا، ويفوز بها مرشحو الأقليات، كالمسيحيين، والتركمان، والأرمن، بينما تتنافس الأحزاب السياسية على 100 مقعد. ونظريا، يمكن للحزب الديمقراطي الكردستاني ضمان الغالبية في البرلمان من دون أن يضطر إلى التحالف مع أي من منافسيه السياسيين، بل فقط بضم نواب الأقليات الذين يبلغ عددهم 11 نائبا، بحسب ما يشير خبراء. لكن عمليا، الغالبية تفترض أن تضم بشكل أساسي الشيعة، المكون الأكبر في البلاد.

ويقول عادل بكوان، الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس، “بما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الآن صاحب الثقل السياسي الأكبر في السياسة الكردية، فلا يمكن إقصاؤه في بغداد، وبالتالي، فإن مسعود البارزاني سيطلب وزارات كالخارجية والمالية، أو منصب نائب رئيس الوزراء”.

ويضيف بكوان أن الحزب “خسر رهان الاستفتاء في سبتمبر 2017، ولكن الانتخابات التشريعية في مايو 2018 كانت مرحلة كبيرة له، إذا لاقى توددا من الأميركيين والإيرانيين”، القوتين الكبيرتين النافذتين على الساحة السياسية العراقية.

كانت مفاجأة الانتخابات التشريعية في كردستان العراق، خسارة حزب التغيير (غوران) المعارض الأكبر للحزبين التاريخيين في إقليم كردستان، بفقدانه نصف مقاعده وحصوله على 12 مقعدا فقط. وكان هذا الحزب انتزع في انتخابات برلمانية جرت عام 2013، لأول مرة المركز الثاني من الاتحاد الوطني بفوزه بـ(24) مقعدا مقابل (18) مقعدا للاتحاد، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فبقي في المركز الأول بـ(38) مقعدا.

ويقول رؤوف عثمان، عضو الهيئة التنفيذية في غوران، إن الوضع الاقتصادي السيء وقطع رواتب الموظفين في الإقليم “أدى إلى ابتعاد الناس عن المشاركة في الحياة السياسية والانتخابات، (…) إيمانا منهم بأن الوضع لن يتغير”.

في المقابل، يرى مراقبون أن سقوط غوران هو ثمرة انقسام المعارضة إلى جبهات عدة. فمع خسارته نصف مقاعده، حصل حراك “الجيل الجديد” الذي تأسس مؤخرا على ثمانية مقاعد. رغم ذلك، أعلن هذا الأخير رفضه نتائج الانتخابات، داعيا إلى تشكيل معارضة موحدة أو مقاطعة المشاركة في البرلمان.

ويشير آرام سعيد، القيادي في “الجيل الجديد”، إلى أن “هذه المهزلة مستمرة منذ 27 عاما تحت حكم الحزبين الرئيسيين، بسبب التزوير والتلاعب بأصوات المواطنين”. ونجح حراك “الجيل الجديد” الذي تأسس مؤخرا من الحصول على ثمانية مقاعد في برلمان كردستان، بنيله 127115 صوتا وبذلك تمكن من اقتناص مقعدين في البرلمان الاتحادي في بغداد.

ونظرا لضعف أحزاب المعارضة فمن المرجح أن يواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني اقتسامهما السلطة والذي بدأ قبل نحو 30 عاما ولكن النتائج تشير إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني سيحظى بمكانة مهيمنة في الحياة السياسية الكردية.

وأبدى مراقبون وسياسيون مخاوفهم من استحواذ حزب البارزاني على السلطة في الإقليم الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة خلّفتها السنوات القليلة الماضية، وعلاوة على ذلك فهناك أزمات سياسية باتت تحلق في الأفق بعد إعلان هذه النتائج، بالتزامن مع شغور رئاسة الإقليم. ويمكن للحزب الديمقراطي الكردستاني الآن تصفية حساباته مع أولئك الذين كانوا في معسكر الحكومة الاتحادية عندما اتخذت إجراءات قاسية ضد الإقليم ردا على الاستفتاء.

حرب الإخوة
بعد تصويت غالبية سكان إقليم كردستان على الاستقلال العام الماضي، اعتبرت بغداد العملية غير قانونية. وعلى الأثر، اتجهت المدرعات العراقية شمالا لاستعادة مناطق متنازع عليها مع أربيل لا سيما تلك الغنية بالنفط، وذلك، بحسب التحليلات، باتفاق ضمني مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

وانسحبت قوات البشمركة من دون قتال أمام تقدم القوات العراقية في نهاية أكتوبر الماضي، في ما اعتبره البارزاني “خيانة وطنية عظمى” من دون أن يسمي الاتحاد الوطني الكردستاني الذي حصل على 21 مقعدا في البرلمان الحالي بدلا من 18 سابقا.

ويشير خبراء في مركز سترافور إلى أن البارزاني قد يثأر للانتقام عندما يختار البرلمان العراقي رئيس الوزراء القادم للبلاد، وهو المنصب القوي المخصص دائما للشيعة. وفي غضون ذلك، يمكن أن يؤدي التوتر المتصاعد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى إثارة العنف والاضطرابات في كردستان العراق التي من شأنها أن تقوض المعركة ضد الجماعات الجهادية المتشددة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية، وتعطل الشركات والمنظمات غير الحكومية.

ويؤدي عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة، إلى تزايد تنافس دول مثل تركيا وإيران على فرض النفوذ في كردستان العراق.

وسبق أن شهد الإقليم “حرب الإخوة” بين العامين 1994 و2006 التي أسفرت عن نشوء إدارتي حكم، الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. وبعد مرور أكثر من عقد على المصالحة، “قد نشاهد إدارتين مجددا”، بحسب المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي. لكن الهاشمي يلفت في الوقت نفسه إلى أن “الأمور لن تصل إلى مرحلة الحرب في ظل وجود ضغوط خارجية” من الدول الإقليمية التي لا يناسبها نشوء حرب جديدة في المنطقة على حدودها.

العرب