المصالح الإيرانية-الروسية في سورية: غياب العدو المشترك يسرّع التباعد

المصالح الإيرانية-الروسية في سورية: غياب العدو المشترك يسرّع التباعد

كثرت الأحاديث عن خلافات بين حليفي النظام السوري، إيران وروسيا، خلال الفترة الماضية، وسط حرص كبير من الجانبين على إبقائها طي الكتمان وبعيدة عن الأضواء، قبل أن تأتي التصريحات الأخيرة لرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، لتؤكد خروج تلك التباينات إلى العلن، وبشكل رسمي. وهي تصريحات تجاوزت، للمرة الأولى، سياق “العتب والانتقاد”، إلى توجيه اتهام مباشر للحليف الروسي بـ”التواطؤ مع الهجمات الإسرائيلية” على المواقع العسكرية الإيرانية في سورية.

صحيح أنه سبق لنواب في البرلمان الإيراني أن وجهوا انتقادات لروسيا تتعلق بالملف السوري وبتوزيع حصص المنافع الاقتصادية وإعادة الإعمار هناك، وحتى للنظام السوري نفسه، إلا أن الكلام لم يصل يوماً إلى مستوى ما قاله فلاحت بيشه، الخميس الماضي، بعد عودته من أنقرة، إذ اتهم روسيا بتعطيل أنظمتها الدفاعية الصاروخية “إس 300” في سورية عند تنفيذ إسرائيل غاراتها على أهداف في الأراضي السورية، مؤكداً أن “الكيان الصهيوني لن يستطيع القيام بهذه الهجمات بسهولة، إذا ما فعّلت روسيا منظومتها الصاروخية هذه”. وأضاف أن هذا الإجراء الروسي يوحي بوجود “تنسيق بين هجمات الكيان الصهيوني والأنظمة الدفاعية الصاروخية لروسيا في سورية”، وهو تنسيق أكده المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كورنيكوس، بشكل أو بآخر، حين قال، عقب غارات فجر الإثنين الماضي، إن خط الاتصال الساخن مع موسكو كان يعمل خلالها. بيد أن كلمة السر في تفجير الخلافات الإيرانية الروسية على الساحة السورية، هو تزايد الهجمات الإسرائيلية أخيراً، ضد أهداف ومواقع في سورية. وأصبحت إسرائيل تعترف بها رسمياً، وتقول إنها “تابعة لفيلق القدس الإيراني والكيانات العسكرية المتحالفة معه”، مهددة بشن المزيد منها.


كلمة السر في تفجير الخلافات الإيرانية الروسية هي تزايد الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف ومواقع في سورية


ومنذ اندلاع الثورة السورية، ظلت المصلحة التي جمعت بين إيران وروسيا في سورية تكتيكية لا استراتيجية، تمثلت في الدفاع عن حليف مشترك، وهو النظام السوري. واليوم بعد أن نجحا في إنقاذه وتمكين رئيسه بشار الأسد على الأرض، وإبقائه في السلطة، ربما لا تبقى تلك المصلحة متينة، نظراً لقرب غياب العدو المشترك، أكان تنظيم “داعش” أو المعارضة السورية، المسلحة والسياسية. وبناءً عليه، يمكن القول إن البلدين ربما لا يظلان حليفين لفترة طويلة، وهذا ما أشار له نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في حديث مع قناة “سي إن إن” الأميركية، أول من أمس، بالقول إن روسيا “ليست حليف إيران في سورية”، والطرفان يعملان معاً في إطار مباحثات أستانة فقط. وتؤكد تصريحات المسؤول الروسي أن المصلحة المشتركة التي دفعت روسيا وإيران إلى القتال كتفاً إلى كتف لسنوات طويلة في سبيل حماية الحليف السوري فقدت تأثيرها ووزنها في العلاقات الإيرانية الروسية في سورية، وأن اليوم جاء دور المصالح الخاصة للطرفين لتقول كلمتها، وتتحكم شيئاً فشيئاً في مصير العلاقات الثنائية في سورية. وتلك المصالح تبدو أحياناً متناقضة، ذلك أن لكل من روسيا وإيران دوافع مختلفة ومتباعدة في سورية، ومنها أن طهران ربطت منذ اليوم الأول لدخولها الحرب السورية، وجودها هناك بـ”العداء مع إسرائيل”، مبررة دفاعها عن النظام السوري على هذا الأساس، كونه “عضواً في محور المقاومة والممانعة”، حسب الوصف الإيراني.

هذا الدافع غير موجود لدى روسيا التي تربطها علاقات استراتيجية جداً بدولة الاحتلال، ما يرجح كفة إسرائيل في الميزان الروسي في سورية على حساب إيران، حسب ما أوضح ريابكوف خلال مقابلته مع القناة الأميركية، إذ قال إن “إسرائيل أولوية لروسيا”، منتقداً، في الوقت ذاته، “أجندة إيران المعادية لإسرائيل” وسط انتقادات خجولة بشأن ضربات إسرائيلية لمواقع إيرانية في سورية. وأضاف ريابكوف أن روسيا لا تتفق مع إيران في معاداتها إسرائيل، وأن “الإسرائيليين يعلمون ذلك، وواشنطن تعلم ذلك والإيرانيون أنفسهم يعلمون ذلك. وحتى الأتراك والسوريون يعلمون أيضاً أن أمن إسرائيل يشكل أولوية لروسيا”، مفسراً بذلك سر صمت بلاده أو ما وصفه رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني “بالتنسيق” مع الهجمات الإسرائيلية على “المواقع الإيرانية” في سورية.


طهران ربطت منذ اليوم الأول لدخولها الحرب السورية وجودها هناك بالعداء مع إسرائيل


وبينما تنظر إيران بقلق إلى هذه المواقف الروسية، تستحضر تصريحات سابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العام 2018، دعا فيها إلى “سحب جميع القوات الأجنبية من سورية”، من دون أن يستثني من قاتل إلى جانب القوات الروسية لسنوات طوال. وقد مثلت حينها دعوة مبكرة إلى انسحاب إيران من سورية، ما يزيد من المخاوف الإيرانية، وفقاً لمحللين في طهران، من سماح موسكو لعدو إيران اللدود في سورية، أي إسرائيل، للقيام بهجماته حين يشاء، ليستهدف في نهاية المطاف “إبعاد إيران”، لتكون موسكو هي اللاعب الوحيد بلا منازع المتحكم بمستقبل سورية، من دون وجود منافسين لها، ينازعونها على كعكة إعادة الإعمار والنفوذ. والتناقض في المصالح الإيرانية الروسية لا يقتصر على التباعد بين مواقف طهران وموسكو من إسرائيل، وارتدادات ذلك في سورية، بل إن هناك أيضاً صراع خافت يجري على الأراضي السورية، تحت عنوان “تعزيز النفوذ والسيطرة على حساب الآخر”، عكسته تطورات ميدانية في ريف حماة الغربي، حسب ما نقلت مصادر إعلامية متعددة بين الفيلقين الرابع (المحسوب على النفوذ الإيراني) والخامس (المحسوب على روسيا) داخل جيش النظام السوري. ما سبق ذكره، لا يعني أن روسيا تتجه نحو الالتفاف على الدور الإيراني في سورية، لصعوبة تحقيق ذلك، وإنما التقليل من هذا الدور، فموسكو لا زالت بحاجة إلى التعاون الإيراني في إطار عملية أستانة، لموازنة أدوار إقليمية ودولية في سورية، مثل الدور التركي والأميركي، ولتحقيق حل نهائي يناسبها في سورية. وفي هذا السياق، ربما أمكن فهم دعوة بوتين خلال لقائه نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في موسكو، الخميس الماضي، لعقد قمة ثلاثية تجمع إيران وتركيا وروسيا “للوصول إلى حل دائم في سورية”، فضلاً عن وجود حاجات مماثلة للتعاون في ملفات إقليمية أخرى، وبالذات الملف الأفغاني.

العربي الجديد