دبلوماسية الجزائر المتلكئة تحاول اللحاق بتعقيدات الملف الليبي

دبلوماسية الجزائر المتلكئة تحاول اللحاق بتعقيدات الملف الليبي

دعوة الجزائر إلى لقاء جزائري تونسي مصري بشأن الأوضاع في ليبيا تثير التساؤلات بشأن الدور الذي يمكن للجزائر أن تلعبه بشكل متأخر في ذلك الملف شديد التعقيد وهي المقيدة بظروفها الداخلية في ظل سلطة انتقالية غير مرغوب فيها شعبيا وتجد صعوبات في إدارة الشأن المحلي فضلا عن التدخّل في ملفات إقليمية.

الجزائر – دعت الدبلوماسية الجزائرية، نظراءها في تونس ومصر، إلى لقاء عاجل في إطار ما يعرف، بـ”مبادرة الباجي قائد السبسي” حول الوضع في ليبيا، لبلورة موقف يواكب التطورات الأخيرة التي تعيشها طرابلس.

وبحسب ملاحظين، فإنّ الدعوة تعكس حيرة جزائرية في التعاطي مع الملف الليبي في ظل ضيق خيارات الجزائر في التوقّي من تبعاته المحتملة خصوصا وأنّ البلد يعيش أوضاعا سياسية واقتصادية معقّدة، ولا يحتمل أن تضاف إلى أعبائه تعقيدات أمنية.

وأعلنت الخارجية الجزائرية عن إجراء رئيس الدبلوماسية الجديد صبري بوقادوم، اتصالا هاتفيا مساء الأربعاء، مع نظيره الليبي محمد طاهر سيالة، عبر له فيه عن “التضامن الكلي للجزائر مع الشعب الليبي الشقيق”.

وذكر بيان للخارجية الجزائرية، أنّه “في إطار جهود الجزائر لمساعدة الشعب الليبي على إنهاء الوضع العسكري الذي تعيشه طرابلس خلال الأيام الأخيرة، أجرى وزير الخارجية صبري بوقادوم، اتصالا هاتفيا مع نظيره الليبي محمد طاهر سيالة، عبر له فيه عن تضامن بلاده المطلق مع الشعب الليبي”.

وجاء إعلان وزارة الخارجية الجزائرية، مفاجئا للمتابعين، قياسا بالأوضاع التي تعيشها البلاد منذ نحو شهرين، ودخول حكومة نورالدين بدوي، في عزلة شعبية ودبلوماسية، بسبب رفضها من قبل الشارع الجزائري.

ولا يستبعد هؤلاء، أن يكون موقف وزير الخارجية، من قبيل تسجيل حضور إقليمي، يكسر العزلة التي تعيشها حكومة بلاده خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب الحراك الشعبي المطالب برحيل جميع الوجوه والرموز التي تركها الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.

وكان وزير النقل محمد بورابة، قد اضطر إلى قطع زيارة له بالعاصمة، في بحر هذا الأسبوع، بسبب استهجان المحتجين والمتظاهرين، الذين أرغموا الوفد على العودة إلى مكاتبه، ليكون بذلك أول خروج فاشل لحكومة نورالدين بدوي.

وبدا مضمون بيان وزارة الخارجية، متناقضا مع مواقف سابقة للحكومة الجزائرية تجاه الأزمة الليبية، قياسا بالانحياز الذي أبداه لصالح حكومة الوفاق الليبية المطعون في شرعيتها، بينما كانت الجزائر ترافع لصالح التزام الحياد بين الأطراف المتصارعة في ليبيا.

ودعا رئيس الدبلوماسية الجزائرية الجديد، إلى التئام لقاء عاجل في إطار مبادرة الباجي قائد السبسي حول الوضع في ليبيا، والتي تحولت إلى مبادرة ثلاثية الأطراف، تضم كلا من الجزائر وتونس ومصر، في خطوة لا تتعدى حظوظ تسجيل الحضور في الأزمة الليبية المتفاقمة.

السلطة الجزائرية لم تبد أي موقف دبلوماسي في الأسابيع الأخيرة، رغم اللغط الذي أثير لدى بعض الأوساط الداخلية حول التطورات التي تعيشها ليبيا

وتشهد الدبلوماسية الجزائرية انكماشا لافتا في الأسابيع الأخيرة، بسبب تطورات الوضع الداخلي، واندلاع ثورة شعبية سلمية مناوئة لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ولم يتم خلال الشهرين الماضيين، سوى تسجيل نشاط وحيد تعلق بزيارة لوزير خارجية دولة سيراليون، كانت مبرمجة منذ مدة.

ولم تبد السلطة الجزائرية أي موقف دبلوماسي في الأسابيع الأخيرة، رغم اللغط الذي أثير لدى بعض الأوساط الداخلية حول التطورات التي تعيشها ليبيا، وربطها لتحرك الجيش الليبي نحو العاصمة طرابلس، بإثارة مسائل أمنية بين البلدين الجارين، في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها الجزائر.

وعبر صبري بوقادوم لنظيره الليبي عن “الانشغال العميق لبلاده بتطورات الوضع العسكري والأمني في ليبيا، والذي يهدد الأمن في طرابلس وفي عموم المنطقة”.

ودعا بيان الخارجية جميع الأطراف الليبية إلى أسلوب الحوار والحلول السياسية، وفق أجندة المنظمات الإقليمية والدولية، لحلحلة الأزمة المتفاقمة، وعدم الانجرار وراء المقاربة العسكرية التي تهدد استقرار وأمن ليبيا وكل المنطقة.

وأبلغ صبري بوقادوم، نظيره الليبي، عن اتصالات مماثلة مع وزيري خارجتي كل من تونس ومصر خميس الجهيناوي وسامح شكري، فضلا عن المبعوث الأممي غسان سلامة، من أجل عقد لقاء عاجل لدراسة تطورات الوضع.

ويبقى الوضع الأمني في ليبيا، من أبرز الاهتمامات العميقة للسلطة الجزائرية، حيث تعتبر مؤسساتها العسكرية والدبلوماسية من أكبر انشغالاتها العميقة منذ سنوات في ظل تقاسم البلدين لحدود برية تقدر بنحو ألف كلم ولتغلغل تنظيمات مسلحة مختلفة في العمق الليبي يمكن أن تتحول إلى خطر على استقرار الجزائر.

لكن الوضع الداخلي الذي تعيشه البلاد، وعدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي، يبقيان من أكبر المعوقات التي تحول دون فرض الجزائر موقفها ومقاربتها في المنطقة، خاصة وأن جميع الأطراف الفاعلة تنظر إلى الوضع الجزائري بعين الترقب للمخارج التي سينتهي إليها لاسيما في ما يتعلق بالسلطة الجديدة التي ستفرزها التحولات.

العرب