مخاطر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط

مخاطر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط

تتبنى مصر منذ عام 1974 قرارات بالجمعيَّة العامة للأمم المتحدة تدعو إلى إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النوويَّة، وهي قرارات تمت الموافقة عليها مدة ما يقرب من عقدين بتوافق الآراء، إلى أن عادت إسرائيل والولايات المتحدة إلى كسر هذا التوافق.

واقترحت مصر عام 1990 توسيع وتعميق هذه الفكرة، لتُخلى المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية، للأخذ في الاعتبار مختلف اهتمامات دول المنطقة، سعياً إلى إحراز تقدّم لتأمين المنطقة من مخاطر تلك الأسلحة الفتَّاكة، ولتأكيد اهتمامها بدعوة مختلف دول المنطقة للإسهام في جهود نزع السلاح، خصوصاً بالنسبة إلى أسلحة الدمار الشامل، لخطورتها وقدراتها التدميرية الهائلة، وأثنى مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1995 على هذه الفكرة، وتبنّت الدول الوديعة للمعاهدة، وهي بريطانيا وروسيا وأميركا، قراراً يدعو إلى اتخاذ خطوات عمليَّة ملموسة في هذا السبيل، وهو قرارٌ كان أحد الضلوع الأساسية الجوهرية في تجديد هذا المؤتمر سريان المعاهدة مدة غير محدودة ومن دون تصويت.

وطوال العقود الماضيَّة تمسَّكت الدول العربية جميعاً، وليس مصر فقط، بمبدأ أساسي وقاعدة جوهريَّة ومقبولة دولياً، ألا وهي أن الأمن للجميع لا يتحقق إلا بتوازن بين الأطراف المتنافسة دولياً وإقليمياً في منظومة الأمن القومي بشقيها العسكري والسياسي، وهي تتضمن التزامات الدول دولياً وإقليمياً بعدم الانسياق في سياق تسلّح مدمر ومكلف، ويتطلب ذلك التزام كل دول المنطقة بتجنيب الشرق الأوسط مخاطر الأسلحة النووية من خلال الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي الدولية كدول غير نووية، أو تبني فكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل مثل الكيماوية والبيولوجية في الشرق الأوسط، أو كلتا الخطوتين معاً على المستوى الدولي والإقليمي، وأنه إذا تعذّر ذلك لا يوجد مفر من تحقيق توازن في القدرات العسكريَّة في المنطقة، وهو بديلٌ مشروعٌ، إنما أكثر تكلفة، وأشد خطورة، ويحمل تداعيات عديدة إذا فلتت الأمور.

وباختصارٍ شديدٍ أيقن العرب أن أي خلل في التوازن في الإمكانات والالتزامات في هذا المجال سينعكس سلباً عليهم، وفضلاً عن أنه يولد سباق تسلُّح مكلف بين دول المنطقة، أو يتطلب ترتيبات أمنية دوليَّة وإقليميَّة بالغة التعقيد، وبالفعل لجأ البعض إلى رفع كفاءته العسكرية، وآخرون سعوا إلى تحقيق هذا الأمان الوطني المأمول من خلال ترتيبات أمنية مع دول كبرى شرقاً أو غرباً.

وللأسف ظلت إسرائيل خارج كل المعاهدات الدوليَّة في مجال الحد من التسلُّح، وهناك مصادر عديدة تؤكد توافر قدرات عسكرية نووية.

ورغم انضمام إيران إلى معاهدة عدم انتشار النووي، ظل برنامجها محل شك وريبة، وتصاعدت تلك الشكوك في ظل سياساتها الإقليمية الخشنة، وعدم وجود إجراءات تفتيش كافية للتأكد من احترامها التزاماتها الدولية، ثم شهدنا تصعيداً إيرانياً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي (JCPOA) إزاء تحفظات الإدارة الأميركية الجديدة على هذا الاتفاق، وأهمها:

– أن التزامات إيران بعدم تخصيب اليورانيوم وفقاً للاتفاق ليست دائمة، وتنتهي بعد نحو 15 سنة، إذن تستطيع استئناف برنامجها حينذاك، بعد أن تكون استعادت عافيتها الاقتصادية بعد رفع العقوبات المفروضة عليها دولياً فور دخول الاتفاق حيز النفاذ.

– عدم تعامل الاتفاق مع قدرات إيران الصاروخيَّة.

– أن سياسة إيران الإقليمية تشمل تجاوزات عديدة على حقوق ومصالح جيرانها، وأن الاتفاق لم يتعامل مع هذه التجاوزات.

سبق أن أثرت شخصياً الملاحظات نفسها مع المسؤولين الدوليين، ممن أعدوا هذا الاتفاق، وكذلك مع الإيرانيين ذاتهم، باعتبار أن الاتفاق خطوة، وإنما كان يجب أن تكون أكثر شمولاً واتساعاً من حيث عمق الالتزامات الفنيّة والتقويم السياسي، وكذلك عدد الأعضاء المنضمين إليه.

في المقابل سبق أن دفعت الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا بأن الواقعيَّة السياسيَّة كانت تفرض عليهم القبول بما كان متاحاً، وأن الاتفاق يضع ضوابط على البرنامج النووي تتجاوز ما هو متوفرٌ في إطار معاهدة عدم الانتشار النووي، وهي ملاحظات سليمة إلا أنها لا تعالج القصور الذاتي في الاتفاق.

ومن الأفضل التعامل مع قضية الانتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بالبناء على ما طُرِح دولياً، مع مراعاة حالة الشرق الأوسط، وتحديداً القدرات النووية الإسرائيلية والإيرانية، باعتبار أن الدول العربية جميعاً انضمت إلى معاهدة عدم الانتشار دون استثناء، وأقترح في هذا الصدد ما يلي:

أولاً: (أ) إشراف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على مفاوضات بين دول الشرق الأوسط العربية وإسرائيل وإيران لإخلاء المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية.

(ب) أن يشمل الاتفاقُ الذي يتم التوصل إليه آليات للتحقيق من التزامات الدول بتعهداتها، وذلك تحت إشراف المؤسسات الدولية المعنيَّة والمختصة بهذه الأسلحة، وبمشاركة مفتشين من دول المنطقة أيضاً.

(ج) أن تشمل الاتفاقية المبرمة مرفقات محددة لضبط والحد من وسائل إيصال هذه الأسلحة.

ثانياً: أن يشرف مجلس الأمن بالتوازي مع ذلك على مفاوضات إيرانية عربية حول إصدار إعلان لعلاقات “حسن الجوار” في الخليج العربي، يمهّد له بعددٍ من إجراءات بناء الثقة وضبط الأمور، كما سبق أن أشرت في مقال سابق هنا بتاريخ 3 يونيو (حزيران) 2019. واقع خطير يستدعي مواجهة متكاملة وأهداف طموحة.

اندبندت