حدود تحرك أذرع ايران

حدود تحرك أذرع ايران

لم تنفجر الحرب بين إيران وأميركا على رغم التوتر الشديد بينهما. ولم يتسبب إسقاط الـ “درون” الأميركية في رد عسكري منع ترامب حصوله قبل عشر دقائق من تنفيذه. ولم يقع الصدام بين بريطانيا وإيران بعد احتجاز ناقلة النفط البريطانية، بل بدأت سلسلة طويلة من الاتصالات، وصدرت مجموعة من المواقف التي تبدي الحرص على أمن الملاحة في مضيق هرمز من دون الوصول الى وضع الاشتباك المباشر على الطاولة. وفي الأثناء، واصل الفرنسيون محاولات تهدئة، وضع الرئيس الاميركي حداً لها بقوله إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرسل “إشارات متضاربة” إلى النظام الإيراني في ما يخص الموقف الاميركي . ثم يشرح ترامب موقفه بالقول إن “إيران في مشكلة مالية خطيرة. إنهم يرغبون بشدة في التحدث الى الولايات المتحدة، لكنهم يتلقون إشارات متضاربة من جميع أولئك الذين يزعمون أنهم يمثلوننا، بمن فيهم ماكرون”.

لا يريد ترامب أن يمثله أحد في صراعه مع إيران بما في ذلك “إيمانويل (الرئيس ماكرون) الذي يقصد الخير”. فهو الذي يدير حربه الاقتصادية والمالية منتظراً قدوم قادة طهران لملاقاته. وحربه هذه تعطي نتائج أكبر بكثير من إطلاق الصواريخ، وهو ما يزعج القيادة الايرانية المجبرة على مواجهة حصار لا تستطيع إزاءه حراكاً. يضع ترامب إيران في مواجهة تدابيره الخاصة، وهو الأقدر في المجالين المالي والاقتصادي، فبلاده لا تزال القوة العظمى، ودولارها العملة الكونية الرئيسة. وفي حرب كهذه، لا حاجة لحلفاء يخوضون معركة صاروخية او لأصدقاء يتبرعون بوساطات غير متفق على نتائجها، انه المتمول الكبير الذي يستعمل رأسماله الصلب في تدمير شركة منافسة للاستحواذ عليها!

في المقابل، تعول ايران على صدام يجعلها قادرة على إطلاق بضعة صواريخ تخويفية نحو جيرانها. والأهم من ذلك تحريك أذرعتها المنتظمة في ميليشيات من المتوسط الى أفغانستان، ودفعها الى خوض معارك بالوكالة. هذا ما تقوم به جهاراً في اليمن من دون أن تغير في الواقع شيئاً، وهو ما تفعله في العراق حيث تحركت ميليشياتها لمهاجمة مراكز أميركية وأطلقوا مقذوفات باتجاه خطوط النفط السعودية، وهو كذلك ما يعلنه أنصارها في لبنان عن استعدادهم لخوض حرب لم تقع.

لم يبخل المسؤولون الايرانيون في توضيح نظرتهم الى أذرعهم ودورها. ففي كل يوم تقريباً، تصريح عن امتداد النفوذ الايراني من الخليج الى المتوسط الى عدن. وفي كل يوم مهلة جديدة للزمن الذي سيستغرقه تدمير إسرائيل، وهو يتراوح وفق التوقيت الايراني بين سبع دقائق ونصف ساعة. لم تقل إيران إنها ستهاجم اسرائيل مباشرة، فهذه مهمة تقع على عاتق الأذرع التي استغرق تمويلها وإعدادها جهداً، سيتضح مردوده في زمن الشدة وقت حصول الهجوم على الجمهورية الخمينية، وهو هجوم ربما لن يقوم به المعنيون، فما مهمة الأذرع إذن؟ هل يكلفون استدراج الأميركي إلى معركة؟ وكيف؟ وأين سيحصل ذلك؟

حتى الآن لا شيء غير الحصار الأميركي تدفع ثمنه إيران والمعتمدين على سخائها. وبقدر ما يخسر الإيرانيون، يتضرر الموظفون لديهم، وربما يضطرون إلى سلوك سبل أخرى قد يكون إيمانويل ساعتها جاهزاً للمساعدة على ولوجها.

الحياة