الشباب السوريون أسرى التجاذبات السياسية في تركيا

الشباب السوريون أسرى التجاذبات السياسية في تركيا

قرر فراس مغادرة ولاية إسطنبول بعد أربع سنوات قضاها في تركيا، قادما من لبنان التي أمضى فيها نحو عامين، حيث اضطر لمغادرة مدينة حلب مباشرة بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة واستخراج جواز السفر ودفتر خدمة العلم الذي يقوده مباشرة إلى جبهات القتال.

فراس (25 عاما) يمتلك أوراقا قانونية في إسطنبول وهو ليس مهددا بالترحيل كالآلاف من الشباب السوريين في المدينة، لكن اليأس تسلل إلى نفسه مؤخرا ويبحث مسألة العودة إلى منزل أهله في مدينة حلب، إذ أن الأفق يبدو ضيقا أمامه بعد أربع سنوات لم يستطع خلالها جمع أي مبلغ بسيط، والمستقبل مبهم خصوصا مع تبدل سياسات حكومة العدالة والتنمية المستمر تجاه اللاجئين السوريين وخصوصا الشباب منهم، واستعمالهم، بحسب رأي فراس، ورقة مساومة مع المعارضة.

معسكرات تسليح
الأمر الذي فاقم مخاوف فراس كحال معظم الشباب في تركيا هو تصريح رئيس بلدية أنقرة الكبرى السابق مليح كوكجك، الذي يعتبر حليفا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دعا خلاله إلى تسليح الشباب السوريين في بلاده وإعادتهم لسوريا، الأمر الذي يعني أن ما هرب منه فراس في بلاده يواجهه اليوم في البلد الذي ظنه ملاذا آمنا.

وأعرب كوكجك عبر سلسلة تغريدات نشرها مؤخرا على حسابه الرسمي في موقع تويتر، عن تأييده لفكرة تدريب الشباب السوريين في معسكرات داخل أراضي تركيا، ومن ثم إرسالهم إلى سوريا للقتال.

واعتبر أنه “لا بد من سياسة جديدة” في تركيا تجاه اللاجئين السوريين، مؤكدا على بقاء الرجال والنساء السوريين المتجاوزين سن الـ35 عاما والأطفال أيضا في البلاد مع اعتبارهم ضيوفا، مقترحا أن يتم تدريب الشباب ممن هم أقل من 35 سنة في معسكرات، ومن ثم تسليحهم وإعادة إرسالهم إلى الحرب.

وقال كوكجك “يجب أن يتم إرسال الشباب السوريين الموجودين في تركيا إلى معسكرات تدريب يتم تأسيسها داخل تركيا، وبعدها يجب إرسالهم إلى جبهات الحرب في سوريا. ومن لا يقبل هذا الإجراء من الشباب السوريين في هذا السن يتم ترحيله فورا”.

وسبق أن نقلت وسائل إعلام تركية عن مصادر مقربة من دائرة الرئيس التركي أن من المتوقع أن يتولى كوكجك، المستقيل من رئاسة بلدية أنقرة في عام 2017، منصب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: يجب زيادة الوعي لدى الفتيات الشابات اللواتي تزيد حولهن مخاطر الزواج غير الشرعي والاستغلال الجنسي

وأوضحت التقارير أن كوكجك سيشغل هذا المنصب بتعليمات من أردوغان نفسه، الذي يتزعم الحزب الحاكم، في التشكيل الجديد الذي سيشهده حزب العدالة والتنمية الحاكم.

يرى العديد من المطلعين على الأوضاع السياسية في تركيا أن هذا التصريح بمثابة دعاية سياسية لأحد أعضاء الحزب الحاكم، مع تفاقم موجة العداء ضد اللاجئين السوريين في تركيا، خصوصا بعد الانتقادات التي وجهت للحزب الحاكم وهزيمته الانتخابية المدوية في إسطنبول بسبب سياسته تجاه اللاجئين السوريين، وبهذا الموقف يسجل كوكجك إعادة حزب العدالة والتنمية لحساباته السياسية تجاه أزمة اللاجئين تمهيدا لاستلام منصبه الجديد.

وتنعكس التجاذبات السياسية بين الحزب الحاكم وأطياف المعارضة بشكل مباشر على اللاجئين السوريين وخصوصا الشباب وهم القوة العاملة التي تنافس الأتراك على الوظائف بحكم انخفاض أجورهم، مما أدى إلى ازدياد النقمة تجاههم.

وبالنسبة للاجئين الشباب فإن العام 2017 حمل أملا جديدا لهم بتحسين أوضاعهم، مع إعلان الحكومة التركية رسميا السماح للاجئين السوريين بالعمل على أراضيها، وفتحت الحكومة باب إصدار “إذن عمل” لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة، إذ كان غالبيتهم يعملون بحكم المخالفين لقانون العمل في تركيا، الذي يستدعي وجود إقامة من نوع خاص، تسمى إقامة عمل.

ورغم أن ذلك كان بمثابة انفراج كبير للكثيرين، إلا أن تلك الإجراءات اصطدمت بحالات الاستغلال من جانب أرباب العمل، إذ لا يمكن مقارنة عدد الحاصلين على “إذن العمل” بعدد اللاجئين الذين يعملون فعليا في السوق التركية، حيث يفرض على صاحب العمل تقديم ضمان صحي وتأمين للعامل، ما يعني دفع مبلغ شهري مقابل هذا التأمين لا يقبضه العامل باليد وإنما يستفيد منه من خلال الخدمات الصحية ونحوها.

ويواجه الشباب أكثر ضغوط الحياة شدة في تركيا، إذ تضطر هذه الفئة إلى العمل في المهن المتوفرة بمناطق إقامتهم، تحت ظروف صعبة لا تحقق في الكثير من أساسيات قانون العمل الدولي، من حيث عدد ساعات العمل وإجراءات السلامة مرورا بالأجور الزهيدة واستغلال أرباب العمل.

يشتكي غالبية العاملين الشباب من الاستغلال من جانب أرباب العمل الذي لا يتوقف عند الأجور المتدنية، وأشار أحمد الذي يعمل في معمل نسيج قائلا إن “الآلة الواحدة تحتاج إلى عاملين على سبيل المثال، وفي المعمل أربع آلات، فالمفروض أن تضم نوبة العمل الواحدة ثمانية عمال، بينما لا يوجد أكثر من خمسة في أحسن الأحوال!”.

وأوضح أن ذلك يعني بعملية بسيطة أن صاحب المعمل يوفّر أجرة ثلاثة عمّال بينما يقوم الخمسة الموجودون بعمل ثمانية، وبالحد الأدنى للأجور، وأحيانا أقل. وتابع “ضغط العمل كبير جدا بمقابل مادي أكثر من هزيل”.

تنظيمات غير شرعية
وتختلف طبيعة المشكلات لدى الشباب السوريين في تركيا بحسب طبيعة المناطق الموجودين فيها، فإذا كانوا يواجهون مخاوف الترحيل والسجن في إسطنبول، وانعدام فرص العمل في مناطق أخرى، فإن مخاطر استقطابهم من قبل التنظيمات والجماعات غير الشرعية تطفو على السطح في شانلي أورفا جنوب البلاد.

وذكر تقرير بعنوان “تقليل المخاطر الخاصة بالشباب السوري الموجود في شانلي أورفا” نشرته المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في فبراير الماضي، أن اللاجئين السوريين الشباب في تركيا يمثلون هدفا دسما للتنظيمات والجماعات غير الشرعية.

وأوضح التقرير أنه بالرغم من دعم أوروبا والجهود التي تبذلها تركيا من أجل دمج اللاجئين السوريين، إلا أن التهديدات الخاصة باللاجئين السوريين الشباب في تركيا تتزايد، مقدما توصية بتطوير سياسات اندماج أكثر فاعلية.

وأشار التقرير إلى أن تركيا تضم نحو 3.5 مليون لاجئ سوري، الجزء الأكبر منهم من الشباب الذين لا يذهبون إلى المدارس، قائلا إن هناك حاجة ماسة لهؤلاء الشباب.

ولفت إلى أن الفتيات واللاجئات السوريات يجبرن على الاستغلال الجنسي والزواج غير الرسمي.

وقال إن عدم تلبية الاحتياج الكبير الناتج عن الزيادة الكبيرة في أعداد الشباب بين اللاجئين السوريين في تركيا قد يزيد التوتر المجتمعي على المدى البعيد.

وذكر التقرير عددا من الخطوات اللازم اتخاذها بشكل عاجل في تركيا، تحت عنوان “الأمور اللازم القيام بها بشكل أولي”، منها أنه يجب تحديد من لم يتم تسجيلهم حتى الآن، وإدخال بياناتهم إلى النظام بسرعة.

وأوصى التقرير بزيادة الوعي لدى الفتيات الشابات اللواتي تزيد حولهن مخاطر الزواج غير الشرعي والاستغلال الجنسي، ويجب خلق فرص ومصادر خاصة بإمكانية حماية أنفسهن من تلك التهديدات.

كما يجب تسهيل حصول السوريين على مصادر إعاشة دائمة من خلال البرامج التدريبية، على سبيل المثال يجب توظيفهم بشكل تطوعي في المدن التي تعاني من نقص في القوى العاملة، ويجب تقديم هبات خاصة تدعم تأسيس التعاونيات.

وأضاف التقرير أنه من الضروري تعزيز وتقوية أعمال مكافحة الشبكات غير القانونية التي تستغل المواطنين الأتراك والشباب السوريين وتهدد المجتمع. واتخاذ تدابير فعالة ونشطة من أجل مكافحة الرشوة، وعدم السماح للتنظيمات الإرهابية والتنظيمات الأخرى بمحاولة استهداف الأطفال والشباب، وزيادة أعمال المراقبة.

أمام هذه المشكلات والأزمات التي تزداد صعوبة أمام اللاجئين السوريين الشباب، يبدو طريق البحر المحفوف بالمخاطر خيارا يعود إلى الواجهة من جديد، رغم أن منطقة بحر “إيجة” غربي تركيا شهدت خلال السنوات الماضية مصرع المئات من المهاجرين غير النظاميين.

الهجرة غير الشرعية هي واقع شبه يومي تعيشه ولاية أزمير التركية، وسلطت مجموعة من الشباب السوريين بالولاية تتراوح أعمارهم بين عامي 17 و25 سنة، الضوء على حياة 11 مهاجرا سوريا يسعون للانتقال إلى بلد غربي عبر البحر، عبر فيلم ضمن إطار “مشروع نصوّر فيلما في حيّنا” الذي أطلقته بلدية إزمير الكبرى.

وتولّى الشاب السوري محمد جاسم مهمة إخراج الفيلم، فضلا عن مشاركته مع الشبّان الآخرين في كتابة السيناريو بشكل جماعي، وتجسيد شخصيات الفيلم.

ويقوم الشبّان السوريون صباح كل يوم بالتجمّع في إحدى الجزر المقابلة لساحل ولاية إزمير، من أجل مواصلة أعمال تصوير الفيلم، ويلبسون سترات النجاة لتعزيز واقعية الفيلم.

وقالت الأكاديمية صابرة صويتوق، منسّقة المشروع، إن الشبّان السوريين الذين تلقوا تدريبات على يديهم حول كتابة السيناريوهات والسينما والتصوير، نجحوا في كتابة “قصة رائعة”.

فيلم يشرح المعاناة
أشارت صويتوق إلى أن الشبّان السوريين قدموا دعما كبيرا لـ”مشروع نصوّر فيلما في حيّنا”، من حيث الأفكار التي قدموها والأعمال التي قاموا بها.

ولفتت إلى أن الشبّان السوريين يعملون على شرح معاناتهم للمجتمع الذي يمتلك معلومات خاطئة حول مأساتهم، معربة عن تطلعها لأن يساهم الفيلم في إيصال أصواتهم إلى أكبر فئة ممكنة من البشر.

وبدوره، قال مخرج الفيلم محمد جاسم “هناك الكثير من الأسباب التي تدفعهم لتحقيق مشروع كهذا يحمل مخاطر في طياته”.

وأوضح أنهم يعملون على تسليط الضوء على معاناة السوريين اللاجئين والساعين للهجرة إلى بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل.

أما نسيبة حاج، التي تجسّد إحدى شخصيات الفيلم، فقالت إن الفيلم قريب جدا من الواقع، مبينة أنهم يعملون من خلاله على شرح الأسباب القاهرة التي تدفع المهاجر إلى المغامرة حتى بحياته من أجل الوصول إلى أهدافه.

ومن جهته، يشير إبراهيم حسن إلى أنه يجسّد في الفيلم شخصية مهاجر سوري يسعى للهجرة إلى أوروبا من أجل مواصلة تعليمه.

وأضاف أنه شخصيا اضطر لترك دياره بسبب ظروف الحرب، معربا عن رغبته في مواصلة فن التمثيل في تركيا.

العرب