مع دخول حملة البيت الأبيض لإقناع الكونغرس بحكمة الاتفاق المبرم مع إيران أسبوعها الثاني، تتابع المكونات المهمة للاتفاق المعقد في البروز، والتي سوف يجري حجبها عن الجمهور وفي بعض الحالات عن الحكومة الأميركية نفسها.
من شأن وجود مثل تلك البنود والتفسيرات السرية أن يقوض ثقة الرأي العام الأميركي في أطروحات إدارة الرئيس باراك أوباما حول الاتفاق النووي. وبالفعل احتل الجمهوريون ونقاد الاتفاق جانب المواجهة حيال الاتفاقيات الجانبية ما بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتبروها موطنا من مواطن النقص، بل والضعف في الاتفاق المبرم الأسبوع الماضي في فيينا.
بدأ الجدل الدائر حول الاتفاق يوم الأربعاء الماضي حينما أخبر جون كيري وزير الخارجية الأميركي أعضاء مجلس النواب بالكونغرس، من وراء الأبواب المغلقة، بأنه لم يحصل على أو يقرأ نسخا من صفقتين سريتين مبرمتين بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، وذلك وفقا للنائب مايك بومبيو، الجمهوري وعضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي كان حاضرا لجلسة استماع الوزير كيري. كما أن الكونغرس الأميركي لم يتسنَّ له الاطلاع على تلك الاتفاقيات أيضا.
ولقد أخبرنا النائب بومبيو في مقابلة شخصية أجريت معه: «أخبرني كيري مباشرة بأنه لم يقرأ الاتفاقيات السرية الجانبية. وأخبرنا في اللجنة بأن وزارة الخارجية لم تتمكن من الحصول على نسخ من تلك المستندات».
وفي حالات أخرى، قدمت التفاهمات السرية إلى المشرعين بالكونغرس، كما تلقى الكونغرس يوم الاثنين الماضي مجموعة من التفسيرات غير المخصصة للنشر العلني حول الاتفاق مع إيران، وذلك وفقا لموظفين من مجلسي الشيوخ والنواب الذين اطلعوا على تلك الوثائق. وتعتبر تلك المجموعة جزءا من 18 وثيقة تقدم بها البيت الأبيض إلى الكونغرس على نحو المطلوب بموجب التشريع الصادر في ربيع هذا العام مما يمنح الكونغرس 60 يوما لاستعراض ومراجعة الاتفاق مع إيران.
ومن بين الـ18 وثيقة هناك ست وثائق تعتبر عالية السرية كما أخبرنا موظفو الكونغرس بذلك. ومن بينها خطابات التفاهمات السرية ما بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي تعبر عن قدر من الأجزاء الأكثر غموضا بالاتفاق النووي، وأيضا التفسيرات السرية لأحكام الاتفاق مع إيران والتي تلزم دولا أخرى بتوفير المساعدات لإيران في ما يخص أنشطة البحث والتطوير لبرنامجها النووي، كما أن هناك مسودة لبيان عن الولايات المتحدة ينشر على الملأ في اليوم الذي يدخل فيه الاتفاق الإيراني حيز النفاذ.
تلك هي التفاهمات السرية التي أفرد لها الكونغرس والبيت الأبيض مختلف الوثائق، ولكن في حالة الاتفاقيات الجانبية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد لا يكون لدى الكونغرس والسلطة التنفيذية الأميركية كل الحقائق المطلوبة. وفي الجلسة المغلقة، تناوش الوزير كيري مع النائب الجمهوري بومبيو الذي كان قد سافر خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي برفقة النائب الجمهوري توم كوتون إلى فيينا للاجتماع مع المسؤولين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد أخبر مسؤولو الوكالة الدولية النواب الأميركيين أن هناك اتفاقيتين جانبيتين سريتين تغطيان الكيفية التي تتمكن بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التفتيش على مجمع بارشين العسكري الإيراني، والكيفية التي تعمل بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران على تهدئة المخاوف حيال الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني.
كان اجتماع مسؤولي الوكالة الدولية مع النواب الأميركيين سريا، ولكن المناقشات ما بين كيري وبومبيو لم تكن كذلك، إذ مارس بومبيو ضغوطه على كيري بشأن تفاصيل الاتفاقيات الجانبية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران. ولقد أقر كيري بأنه لم يطلع على كل التفاصيل المتعلقة بذلك.
ولقد نزع ببيان صادر عن الخارجية الأميركية يوم الأربعاء الماضي صفة «السرية» عن الاتفاقيات المبرمة ما بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبدلا من ذلك، فقد وصفتها الخارجية الأميركية بأنها «ترتيبات فنية» وقالت إن «الخبراء الأميركيين شعروا بالارتياح حيال محتواها»، وهو الأمر الذي قد تحيط وزارة الخارجية الكونغرس به علما إذا طلب منها ذلك.
يقول البيان الصادر عن وزارة الخارجية: «من الممارسات المعيارية للوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأعضاء بالوكالة أن تتعامل مع الوثائق الثنائية وفقا لضمانات سرية. وذلك المبدأ كانت الولايات المتحدة أول الداعين إليه منذ بداية عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف حماية المعلومات السرية ومعلومات الانتشار النووي الحساسة. يتعين علينا التأكد من أن المعلومات المقدمة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تتعرض للتسريب وتتحول إلى معيار إرشادي لإنتاج المواد النووية التي يمكن استخدامها في صناعة الأسلحة النووية، وأن تدرك الدول الأعضاء أن معلومات براءات الاختراع والمعلومات السرية الخاصة بها لن تتعرض للسرقة لمجرد ظهورها على مستندات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
ولكن في حين أن تلك الاتفاقيات قد تكون من قبيل الإجراءات التشغيلية المستدامة في حالة عمليات التفتيش الأخرى لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها في حالة إيران تتخذ مسارا أكثر جدية. في يوم الخميس الماضي، وخلال جلسة علنية أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال النائب الجمهوري ريتشارد ريش إنه أدرك أن إحدى الاتفاقيات الجانبية السرية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف تسمح لإيران باتخاذ العينات البيئية الخاصة بها من مجمع بارشين العسكري. وبالحديث حول التفاصيل، قارن النائب بوب كوركر الرئيس الجمهوري للجنة المذكورة، تلك الترتيبات بترتيبات دوري كرة القدم الأميركي التي تتيح للاعبين المشتبه في تعاطيهم للمنشطات بإرسال عينات البول الخاصة بهم بأنفسهم.
أخبر كيري وغيره الكونغرس أن الاتفاقية حول مجمع بارشين والتفاهمات حول عمليات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، تتسم بطابع تقني عام ولا تقوض أو تضعف من الاتفاق القوي المبرم. ولا حاجة لتأكيد رفض النائب بومبيو لتلك الأطروحات، إذ أخبرنا يقول: «لم تأتِنا أية إشارات من الوزير كيري بأنهم يسعون للحصول على تلك الوثائق، وليس من إشارة كذلك تفيد بقلقه أنه لا يمتلك تلك الوثائق حتى الآن. وآية الله في إيران يعلم فحوى هذه الاتفاقيات الجانبية في أننا لا نعلم عنها شيئا»، مشيرا إلى علي خامنئي المرشد الإيراني الأعلى.
بالنسبة لإدارة الرئيس أوباما، فإن عدم الحصول على نسخ من الاتفاقيات الجانبية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية يعد أمرا مناسبا، إذ يلزم القانون الأميركي تقديم كل الوثائق والمستندات التي يمتلكها البيت الأبيض، ومن بينها تلك الوثائق المذكورة. وفي حين أن الوزير كيري لا يستحوذ على نسخ من وثائق الاتفاقيات الجانبية، فهي بالتالي خارج متناول الكونغرس، وخارج متناول الشعب الأميركي بأسره.
على الجانب الآخر، تقوض هذه الحقيقة من حجج أوباما التي تفيد بإمكانية التحقق من الاتفاق واتسامه بالشفافية المطلقة. فالقادة الإيرانيون يتحدثون حول الاتفاق الإيراني علانية بعبارات تختلف إلى حد كبير عن خطاب نظرائهم الأميركيين. لن يؤدي وجود التفاهمات السرية حول ذلك الاتفاق المبرم إلا إلى تفاقم الوضع، وزيادة التوتر بمرور الوقت.
إيلي ليك وجوش روغين
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية