تتراكم العوامل التي تجعل الحكومة اللبنانية أمام مصير مجهول نتيجة أزمة اقتصادية خانقة لا يتعامل معها ساسة البلد بإرادة حقيقية للإصلاح. وتأكّدت هذه العراقيل بعدما قدّم مستشار وزارة المالية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هنري شاوول استقالته متّهما سلطات بلاده بانتهاج طريق خاطئة تقودها أجندة شعبوية. وفي خضم هذه التطورات يعود مراقبون لاتهام حزب الله بسطوته على الحكم وتحميله مسؤولية أزمة خانقة هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته.
بيروت – تعقّد وضع حكومة حسان دياب في لبنان بعدما أصبحت تجابه مشكلتين مزدوجتين، تتعلق الأولى بالغضب المتصاعد في الشارع، أما الثانية فتتمثل في المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي.
وتصاعدت الاتهامات الموجهة لساسة لبنان بعدما قدّم مستشار وزارة المالية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هنري شاوول استقالته، والذي أقر بغياب إرادة سياسية حقيقية للقيام بإصلاح ينقذ البلاد من شبح الإفلاس.
وقال شاوول، الخميس، في بيان استقالته إن “الساسة والسلطات النقدية والقطاع المالي يعمدون إلى صرف الأنظار عن حجم الخسائر والشروع في أجندة شعبوية”.
وتابع “أدركت غياب إرادة حقيقية لتنفيذ إصلاحات أو لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بما في ذلك البنك المركزي”.
وشرع لبنان في محادثات مع صندوق النقد بهدف الحصول على مساعدة للخروج من أزمته المالية، لكن العملية تعقدت جراء خلاف على حجم الخسائر المقدر في الخطة المقدمة إلى الصندوق.
ويتوقع خبراء أن تتعثر المفاوضات الدائرة بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي على ضوء الخطة التي وافقت عليها حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، والتي ترجّح حصول خسائر ضخمة تشمل 83 مليار دولار في النظام المصرفي.
ووصف شاوول الخطة الحكومية بأنها أول تشخيص كمي لأزمات لبنان المتعددة، فيما قال صندوق النقد إن الرقم يبدو في النطاق السليم، لكن بيروت بحاجة إلى التوصل لفهم مشترك من أجل المضي قدما.
لكن الرقم المذكور لاقى معارضة من البنك المركزي والقطاع المصرفي ولجنة تقصي حقائق برلمانية شكّكت في الخسائر والافتراضات.
وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي الجمعة، إن النقاشات الجارية مع الحكومة اللبنانية تشمل قضايا معقّدة وتتطلب تشخيصا مشتركا لمصدر وأسباب الخسائر المالية وحجمها.
وبحسب المصدر نفسه، يشترط صندوق النقد أن تكون الإصلاحات المطلوبة في لبنان إعادة شاملة ومنصفة في مجالات عديدة؛ وهو ما يتطلب توافقا ومشاركة مجتمعية.
وعاد الشارع اللبناني إلى الاحتجاج في الأسابيع الأخيرة حيث رُفعت شعارات تطالب بالتغيير وتحمل الحكومة الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة التي بلغت نسبة 35 في المئة وتزايد نسبة الفقر التي بلغت أعلى مستوياتها بنسبة 45 في المئة.
ولا تحمل مطالب اللبنانيين عناوين اقتصادية فحسب، بل ترفع شعارات تغيير نظام يقوم على المحاصصة الطائفية ويسيطر على أجهزته وقراراته السياسية حزب الله.
وقال في هذا الصدد، رافاييل باداني خبير المخاطر السياسية والجغرافية في الشرق الأوسط، إن لبنان على حافة الإفلاس.
وأضاف في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية إن الفساد والاحتيال اجتاحا لبنان، في ظل سطوة قيادة حزب الله، مما دفع لبنان إلى مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990.
ورغم هذا الوضع الصعب الذي تولدت عنه رؤية غير متفائلة بشأن مصير لبنان، فإن الاتحاد الأوروبي بوصفه المانح الرئيسي للمساعدات للبنان، يحاول إنقاذ البلد من شبح الانهيار الاقتصادي.
وقدم الاتحاد 580 مليون يورو كمساعدات إنسانية منذ عام 2011، لكن لا توجد برامج مراقبة نشطة للتحقق من الجهة التي تصل إليها هذه الأموال، ما جعل الكثير من المراقبين يوجهون مباشرة أصابع الاتهام إلى حزب الله في ظل تغلغله العميق في أوساط الاقتصاد والحكومة في لبنان.
وقال في وقت سابق، شارلي فيمر، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، إن “حزب الله معروف في أوروبا بأنشطته الإجرامية، بما في ذلك غسل الأموال والاتجار في المخدرات، وتزييف العملة، وجمع الأموال وتجنيد الأشخاص لما يسمى ببرامجه الخيرية”.
وتشترط الدوائر المالية والجهات المانحة أن تتم مقاومة الفساد المحمي من الأحزاب وخاصة حزب الله. وقال في هذا السياق، حبيب مالك الأستاذ بالجامعة الأميركية اللبنانية إن “حزب الله يعتبر عقبة كبيرة أمام إنقاذ لبنان، وساهم إلى حد كبير في ما وصلنا إليه الآن في لبنان… ومجرد حقيقة أنه يحمي بالفعل أفرادا وجماعات فاسدة معروفة ويتستر عليهم، تكفي لإثبات تورطه في كل الفساد”.
وحاول صندوق النقد الدولي في الماضي السعي لمساعدة لبنان، لكن حزب الله كان يمنع ذلك خوفا من أن يعني التمويل الغربي القيام بإصلاحات هيكلية وسياسية كبيرة من شأنها أن تضعفه.
العرب