واشنطن – سعى جون بايدن، الرئيس الأميركي الجديد، لتلافي التشبيه الذي بدأ يقض مضجعه كون أفكاره وإدارته التي أعلن عن أهم رموزها، الثلاثاء، نسخة طبق الأصل من ولايتي الرئيس الأسبق باراك أوباما. وقال بايدن إن ولايته لن تكون بمثابة “ولاية ثالثة” لأوباما، لكن مراقبين قالوا إن هذا النفي يزيد من تأكيد الشكوك في أن الرجل، الذي عمل لفترة طويلة نائبَ رئيسٍ، سيعيد تجربة سلفه الديمقراطي وأن الاختلاف قد يكمن في تلافي النقائص التي لم يتمكن أوباما من تدارُكها.
وعلى مسرح كبير في معقله ويلمينغتون، أكد جو بايدن أن ولايته الرئاسية لن تكون بمثابة “ولاية ثالثة” لأوباما، الذي كان بايدن نائبا له. وقال في تصريح لقناة “إن بي سي” الأميركية إن “هذه ليست ولاية أوباما الثالثة؛ لأننا أمام عالم مختلف تماما عما كان في عهد أوباما وبايدن”.
ويقول الديمقراطيون إن الهدف الأول للرئيس الجديد سيكون تطويق الخسائر التي أضرت بصورة الولايات المتحدة جرّاء سياسة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب المعروفة بشعار “أميركا أولا”، والتي جعلت واشنطن في حالة عداء مع خصومها كما أصدقائها، خاصة مع الصين والاتحاد الأوروبي الذي أظهر مسؤولوه تفاؤلا بذهاب ترامب وحلول بايدن الذي يحيل مباشرة إلى فترة التعاون بين القوتين الأميركية والأوروبية خلال ولايتي أوباما.
وقال بايدن إن “ترامب غيّر المشهد”، وأن الوضع كان عبارة عن “أميركا وحْدَها” (أي معزولة) وليس “أميركا أوّلا” خلال فترة الرئيس الحالي، مشددا على عودة النهج متعدد الأطراف كرسالة رئيسية لحكمه.
وأضاف بايدن، وبجانبه نائبه كامالا هاريس، أن فريق إدارته المرتقبة “يظهر أن الولايات المتحدة عادت، وهي جاهزة لقيادة العالم وعدم الانسحاب منه”.
وسعى بايدن إلى تبريد الخلاف مع الصين الذي بات يثير القلق في واشنطن، وخاصة أنه امتد إلى مجالات اقتصادية حيوية قد تمس من مصالح الولايات المتحدة، وليس مجرد توتر دبلوماسي شبيه بأجواء الحرب الباردة.
وأشار الرئيس المنتخب بأكثر من 80 مليون شخص إلى أن إسراتيجيته تقوم على عدم الانخراط في “حروب غير ضرورية”، وهو ما يشير إلى إستراتيجية باراك أوباما التي دفعت إلى الانسحاب من العراق، ولاحقا أوكلت مهمة الحفاظ على المصالح الأميركية في سوريا والعراق واليمن وليبيا إلى حلفاء محليين، على أن تكتفي الولايات المتحدة بالمراقبة عن بعد.
وقد تجد إستراتيجية بايدن دافعا لها في قرار ترامب تسريع الانسحاب من العراق وأفغانستان، مع الاكتفاء بحضور رمزي قائم على تحالفات جديدة – قديمة تعيد الثقة إلى الشريك الأميركي.
وعلى خلاف ترامب ونهجه المتشدد تجاه الوجود الإيراني في العراق وسوريا قد تبحث إدارة بايدن عن إحياء “تفاهماتها” مع طهران، ما من شأنه أن يثير غضب كلّ من السعودية وتركيا.
وتلقف الإيرانيون إشارات بايدن حول التهدئة بشأن الملف النووي، لكنهم يرفعون سقف تفاؤلهم من خلال استعادة صورة بايدن القديمة كنائب لأوباما ودوره الفعال في تسهيل التفاوض و”تفهم” مصالح إيران وأذرعها في العراق وسوريا واليمن.
وحض الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، الرئيس الأميركي الجديد على العودة إلى الظروف التي سبقت عهد ترامب، معتبرا أن خطوة كهذه قادرة على تسهيل حل المشاكل.
وقال روحاني “يمكن لإيران والولايات المتحدة أن تقررا وتعلنا العودة إلى ظروف ما قبل 20 يناير 2017″، في إشارة إلى تاريخ تنصيب ترامب رئيسا لبلاده.
وفي مقابل عودة الدفء إلى العلاقة مع طهران، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مباشرة مع طموحات توسعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان نجح في فرضها مستفيدا من رخاوة موقف ترامب وتناقض إستراتيجية إدارته في سوريا وليبيا.
وكان بايدن قد وصف، في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، الرئيس التركي بأنه شخص “مستبد”. وقال إن “واشنطن يجب أن تدعم المعارضين للإطاحة به في صندوق الاقتراع”، وأن على أردوغان “أن يدفع الثمن”.
ومن المؤمل أن تلتقي ضغوط بايدن على تركيا مع ضغوط أوروبية متنامية بسبب السياسة التوسعية لأردوغان الذي يريد اختراق الاتفاقيات الدولية في مياه المتوسط وفرض واقع جديد يتيح لتركيا التنقيب عن النفط والغاز.
كما أن إدارة ديمقراطية حازمة قد لا تقبل باستمرار تركيا في شراء منظومة الصواريخ الروسية أس – 400 في تناقض مع عضويتها في الناتو، وقد استفادت سابقا من رخاوة موقف إدارة ترامب التي فتحت أمام أنقرة الطريق لفرض منطقة عازلة شمال سوريا والسيطرة على مواقع حيوية رغم وجود قوات أميركية قريبة، فضلا عن تسهيل الدور التركي في ليبيا تحت مبرر مواجهة النفوذ الروسي.
العرب